قدم الأمسية الزميل يوسف أبو لوز بكلمة توقف فيها عند عنوان الندوة النقدية التي تحملها الدورة الثالثة عشرة للمهرجان "ضرورة الشعر في الوقت المعاصر"، بقوله: "إن الشعر يشبه القنديل الأخضر الذي يعطي الحياة إنسانيتها، ومرونتها، ومعناها الآدمي، فاليوم نحن أحوج ما نكون إلى الشعر، فالعالم بلا شعر عالم للطغاة، وعالم يابس، والكون بلا شعر وشعراء هو عالم للطاغوت، فالشعراء يأتون لينشروا العدل والتسامح والمحبة" . 
وأشار أبولوز إلى أهمية المهرجان ودوره في إحياء المشهد الشعري العربي بقوله: "الكثير من المهرجانات الشعرية العربية ذبلت وغادرها الشعراء، فكنّا نحتفي بمهرجان المربد، وكنا نحتفي بمهرجان جرش، وغيرها من المهرجانات التي تراجعت وتوقفت، واليوم تعيد الشارقة زمن الشعر وتؤكد أن الشعر لا يشيخ أبداً" . 
واستهل قراءات الأمسية طلال سالم بعدد من القصائد التي تستعرض جانباً من تجربته في كتابة القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة، مشتغلاً بذلك على سلسلة من التأملات لمفاهيم شاسعة، كالحياة، والموت، والعمر، والشعر، وغيرها من الثيمات التي توقف عندها في قصيدته . فقرأ من قصيدة بعنوان "غفوة التعب": 
متى ستغفو بروحي أيها التعب
                           وينطوي كالمدى في بعده العتب
متى سيحنو على نبضي تلهفها
                            بالأغنيات برشفٍ كله لهب 
هنا لها ألف حرفٍ ألف مفترق
                            معانق كل درب خانه الهرب 
تراود الورد تلهو في غيابتها
                            برقة العمر تدنو ثم تغترب 
وفي قصيدة بعنوان "سكرات" زاوج سالم بين الحياة والموت، عبر سلسلة من الصور الشعرية التي تكشف جانباً من قاموسه اللغوي، فأسس قصيدته، على نسق تقابلي، تشترك فيه الأضداد لنسج أبياته الشعرية، إذ يقول فيها: 
ما العمر إن تاهت هنا كلماتي
                      وتثاءب الأحباب من أبياتي 
ما هذه الغربات شتتني بها
                      بحثي ولم تحيا هنا همساتي 
آت ووجهتي الضلال وكلما
                      آمنت تكفر بالطريق جهاتي 
ألون المدن التي سقطت بها
                     مثلي التي تبكي بها فلواتي 
وألقت ابتهال مصطفى تريتر عدداً من قصائد التفعيلة التي تكشف انشغالها بإشكاليات الراهن السوداني، مستندة بذلك إلى صيغ تاريخية ودلالات جمالية من المكان السوداني بما يشتمل عليه من نهر، وبر، وشجر، وبيت، وحتى بشر، إذ انحازت في معظم قراءاتها إلى وطنها بما فيه من رموز ثقافية وإبداعية وما يشير إليه من تاريخ وجغرافيا . فقرأت: 
"بلادي جذرها غرست 
بأمر الله فرّعها 
وأخرج من جوانبها دهاقاً من طيوب الغرس
ما أحصته أوصاف 
بلاد تعرف الأفهام كيف تكون بصمتها 
فحتى صمتها نطق
أشارت قام عبد الله حيا دامر المجذوب 
أرشد
فاستدل الشعر الشعراء والقاف 
لنا لغة الطريق فهل ندلك عن مفاتحها
حروف عتقت شرفاً بمعنى الغابة الصحراء في كنف العلا
صعدت 
لها والعمق أسلاف"
وأهدت قصيدتها "عباب الصندل الليلي" إلى الشاعر السوداني الراحل مصطفى سند، الذي أشارت إليه بقولها: "كان له دور في تعليم وإظهار الكثير من الأسماء الشعرية العربية، والسودانية، لما قدمه من جهد في شحذ التجارب الشابة وإيلائها وقته وعلمه، فقرأت: 
"لك في الحروف هديرها وهديلها
وتمام معجمها وإسراءاتها بالحق
سندس أفقدها الأبهى وشاطئها المهيب
لك في البحور قديمها
وحديث يونس 
شهوة اليقطين أن يلقاك ملتحفًا ببطن الحب مبتهلاً منيب
والليل تلبية الكمان فهل يضوع اللحن
يا غريد يا شط الدعاء الحلو
هل من عابر بالمستحيل ومن مجيب؟"
واختتمت الأمسية بقراءة الشاعر مؤيد نرجس حيث قدم عدداً من القصائد العمودية المنسوجة من يوميات الواقع العراقي وما يعانيه من حروب ونزاعات، إذ فتح الشاعر باباً شاسعاً على يوميات الحياة العراقية بما فيها من تعب وتهجير وعذاب ليكتب أبياتاً شعرية، تمزج بين الذاكرة الشخصية، والجمعية للعراق، فاستهل حديثه بالقول: "منذ طفولتنا وأمهاتنا تعدنا بعودة آبائنا ذات يوم ولم يأت الذات يوم"، وقرأ: 
سهواً من الحرب قتلانا هنا نزلوا
                            فأيقظوا ذكريات الماء واغتسلوا
تسلقوا الأفق فانسابت أناملهم 
                            وأوقدوا الليل بالأقمار واحتفلوا 
ما باغتوا لأن الموت أغنية 
                            تناولوها، لذا أودى بها الغزلُ
يا قشة قسمت ظهر الغروب
                             فمن أي السماوات يا مولاي قد هطلوا .
وبدا الشاعر منشغلاً بتعميق دلالات مفردات قصيدته، إذ ظهر جهده في اجتراح التراكيب الشعرية الجديدة، وانتشال اليومي من سياقه العادي إلى الشعري القادر على نقل صور شعرية تسرد ذكرياته الخاصة، والإشكاليات التي يعانيها وطنه العراق، حيث قرأ قصيدة مهداة إلى صديقه الذي ابتعد عنه لعشرين عاماً: 
أحطت بالشوك أغصان تواريني
                               كي لا ارتق جلباب البستاني
وكي اذر رمال الشيب منكسراً
                               فتستعيد لصحرائي عناويني 
أنا المحمل بالإسفلت يمزجني دمع
                               فيبدو ترابي سيء الطين 
غسلت وجهي بوحي الخبز وانفرطت   
                              على رصيف نبوءاتي شياطيني 
لأن من فرط ما أثثت أرغفتي
                             كفرت بالخبز أحسان الطواحين .
وجاء اختتام فعاليات اليوم الثاني للمهرجان بتوقيع الشاعرين المكرمين في المهرجان، دواوينهم الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام، حيث وقع الشاعر محمد علي شمس الدين مختارات من تجربته الشعرية حملت عنوان "سطوح غادرت ساكنيها"، جاءت في ثلاثة وتسعين صفحة من القطع المتوسط، واشتملت على تقديم بقلم الشاعر محمد البريكي مدير بيت الشعر، وعشرين قصيدة تتنوع بين القصيدة العمودية والتفعيلة .
ومنها "ليلى بلا نار":
"من دق بابك في ظلام الليل 
من سرق الخطى
ليراك وحدك بعد ما خلت الديار 
غادرتهم ومضيت
لكن الذين تركتهم 
سئموا منازلهم وساروا
وصلوا إلى أطراف هاوية 
رموا حجراً
ولم يعد الصدى منهم 
ولا رجع القرار"
ووقع الشاعر عبد الله الهدية الشحي مجموعته التي حملت عنوان "الباحث عن إرم" وضمت مختارات شعرية قديمة وجديدة، وصدرت في 253 صفحة من القطع المتوسط، وجاءت بمقدمة بقلم البريكي، وخمسة وعشرين قصيدة عمودية، منها "مذبوح بمدينتي": 
لرضيت لو أغرى المقام طموحي
                               وبكيت لو نفع البكاء جروحي 
وحزمت أمتعتي على ظهري المنى
                               للو قدر النعمان بعض وضوحي 
وأنخت قافلتي على راح الرؤى
                              للو رد من سلب الصروح صروحي 
يا دار صبرك في سبيل الله ما
                            آذاك من قهر ومن تجريحِ
لا بأس يا أرض الرباط تجلدي
                              وتعودي قسراً على التبريح