وعن أهمية الكتاب:(الإشكال المعرفي، والإشكال المنهجي، والإشكال المصطلحي .

تنطلق فكرة البحث بدراسة البديع باتجاه معاصر يفيد من جهود القدماء بالتطوير والتعديل ورفض ما وقع فيه من أوهام قادت إلى نتائج غير صحيحة، فالبديع ذو خصوصية تميزه من بقية مباحث البلاغة، إذ إنّ مباحثه تتجسد في شكل النص، بل أخصّ خصائص الشكل، ومن ثم فالأثر الذي يؤديه ينبعث في النفس المستقبلة مباشرة، ولا يخفى ما لهذا الامر من صعوبة في الدراسة والتحليل، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث محاولة إمكان إيجاد دراسة معاصرة لهذا العلم، باتباع المناهج السيمائية والأسلوبية والتداولية، انطلاقا من أن هذه المناهج مجتمعة تنهض بوصفها ممارسة علمية تستعين في تحليل النص الأدبي بتقنيات منهجية مستمدة من علوم محايثة منها: علم البلاغة، وعلم الجمال، وعلم الدلالة، والبنيوية، والإحصاء، والموازنة إلى غير ذلك. وتتمثل هذه المنهجية في ثلاث ركائز أساس هي: الوصف والتحليل وتقويم النتائج وتفسيرها، وصولاً إلى فهم الشكل الإجمالي للنص ودلالته الكلية بوصفه عملاً معقداً ومتكاملاً ذا حدود متميزة تحدد نظامه الخاص ومغزاه.
وبهذا يكون منهجنا في التعامل مع التراث تجديديا، يقوم تجديده المنهجي على الإفادة من الجهود الكبيرة والمتميزة التي بذلها علماؤنا الأفذاذ من بلاغيين ونقاد، ليتضح أنّ ما تضمنه هذا الكتاب من مقاربات وتأويلات وقراءات قد تختلف مع منهج الأقدمين وفرضياتهم وقد تتفق، بحسب ما نراه مفيدا أو غير مفيد في تحليل النص وفهمه.
وقد اقتضت طبيعة المنهج المتبع والموضوع المدروس أن ينظر إليه من عدة زوايا منها: ما يخاطب التكوين النفسي للمخاطب، وهو ما يظهر في النص الأدبي بما يؤلف أخص خصائص الشكل الفني، وأعني به الإيقاع الذي يعتمد على التكرار وما له من زيادة في التوقع سواء أكان ما نتوقعه حدث فعلا أم لا، وعلى هذا جاءت دراسة الإيقاع في فصلين بحسب نوعيه، هما: إيقاع التشابه(التكرار)، وإيقاع التباين(التقابل)، إذ خصصت لكلّ نوع فصلا مستقلا لدراسته، وبيان أثره ودلالته وعلاقته بالنص. فاتسق الفصل الأول حول: البديع التكراري، متناولا مباحث السجع، والجناس، والتكرار الخالص.
أما الفصل الثاني فكان بعنوان:(البديع التقابلي) وقد قسمته على مباحث هي: التقابل الحاد(غير المتدرج)، والتقابل غير الحاد(المتدرج)، والتقابل العكسي والمحذوف.
وخصّص الفصل الثالث لدراسة الظواهر البديعية التي تعتمد على البعد التداولي القائم في العلامات اللغوية، وهي تدور بين مستعمليها لتعبّر عن أحوالهم بصدد الكلام، إذ يصبح المخاطب أو المتلقي شريكا في إنتاج المعنى بالتأويل والاستنتاج والاستنباط في بحثه عن المقاصد الضمنية والإيحائية التي يحملها ذلك النص؛ إذ يراعي المتكلم في هذا القسم من البديع ذكاء المخاطب وخبرته الجمالية وثقافته في التفاعل مع طرف الخطاب المقابل أو النص.واطلقت على النوع من البديع (البديع التداولي) وقد قسمته على أربعة مباحث هي: الاقتباس والتضمين، والتقسيم، والعكس، وبعض الظواهر البديعية قليلة الورود أطلقت عليها اسم:(مباحث تداولية أخر)، وقد سبق هذه الفصول تمهيد وسمته بـ(البديع ،النشأة والتطور)، تناولت فيه عرضا تاريخيا للبديع بمراحله كافة، وعرضا للمناهج المعاصرة التي اعتمدتها في دراسة هذا العلم، فضلا عن تقديم التقسيم البديل لتقسيمات السكاكي ،عرضت بعدها وظائف البديع الدلالية والجمالية الدلالية، ثم ختمت الرسالة بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها كل الشكر للباحث المبدع ولدار النشر ولكل مهتم بعلم البديع..