نظم بيت الشعر في المفرق مساء أول من أمس، أمسية شعرية للشاعرين خالد أبو حمدية وكاتب هذه السطور، تجوّلا فيها في فضاء حدوس اللغة واشتغالاتها، لتقديم نصوص شعرية تفتح للصورة موردها الذي ينبع من المناطق الشائكة، وهي تغامر بالمحسوس وتحيله إلى ينابيع غنية بالمناخات التي يسيطر على بنيتها فطرة التجربة ومفاتيحها.

الأمسية التي أقيمت وسط حضور ذوّاق، وأدار مفرداتها وقدم لها الناقد د. حمزة مقبول الخوالدة بإضاءات سريعة حول تجربة الشاعرين، لافتا في تقديمه إلى حيوية التجربة وارتهانها للصفاء والنقاء، واشتغالها على اللغة والصورة، منوها بالحضورٌ العالي للوجد والرومانسية، كما أشار إلى التجربة الطويلة التي مر بها الشاعران، مستعرضاً بهذا السياق السيرة الذاتية لهما، إلى ذلك قرأ الجمهور الفاتحة على أرواح شهداء الوطن الذين قضوا في مواجهة الإرهاب في محافظة الكرك الأبية. 

استهل الأمسية صاحب هذه السطور الذي قدّم باقة من قصائده الجديدة، ملتفتا في قراءاته إلى قصيدة التفعيلة والعمودية، عبر جمل حداثية تتصافح فيها جينات الإرث الشعري، حيث بدأ قراءاته بقصيدة « بحر مختلف»، تلاها ب « سرد لمولد روحي» و» فقراء نحن» وفي الأخيرة يقول: « فقراء نحن، فكيف يأنس طائرٌ، بالقمح لو هبت رياح، أو تأنّثت الغصون على شجر ، فقراء، لا ثوبٌ يقينا من جفاف اللحم، من تكوير مفصلنا المدلّى، لاحتكاك الموج بالأرض الطّريّة، لا جوازٌ يرشح الآن على ناي السّفر ، فارجز لقامتك النحيلة، واحدا فردا، وهب أنّ المسالك بعض آيات قصار في السّور «.

تلاها بقصيدة « لعبة الشاعر» التي اختتم بها قراءاته، وفيها يقول:» أوّل إيقاع للياقوت أنا، وعلى ذمّة راوي الأحداث، وكنت صبيّا لا يعقل من مات، ومن ظنّ بأنّ على رأس غوايته، شجر وسواسٌ، من واقع ما اعتقد لخلوته آدم، لا ينكث هذا الموت سريرته ليموت، لأنّ الماعز _قر ب البئر، معطلة كانت-، ولدته على شال الدّنيا، إذ ظنّ، وما ضنّ الشّاعر بالتأويل على نافذة المعنى، حين تطاير معراج الملكوت !».

ومن جانبه قرأ الشاعر أبو حمدية باقة من قصائده التي اتخذت من البنية الفنية مناخا لها، لتقديم صور شعرية حيّة، ولغة ذات مقتنيات تقيم بين برزخ التشكيل والألوان، فقرأ في هذا السباق قصيدة بعنوان:» أشواق» يقول فيها:» نذرت لسحر ملمحك اندهاشي، وذوّبت المتون على الحواشي ، ففي تسنيم عينك لي مزاجٌ، وفي شفتيك علّقت ارتعاشي، أتوقك حدّ لا يـطفا اشتعــالٌ، كفينيق يشبّ مع التلاشـــــي، رمادي وشـــم حـنّاء قـديـم، يلوح براحتيك بلا غـبـاش».

تلاها بمجموعة من القصائد من مثل:» واها لسحرك، يتثاءب، سواحل اللهفة»، وفي الأخيرة يقول:» قلبي قميصي، لا سماء تحدّه، وحدي أنا-لتغادريه- أقدّه، ودماي تكذب، لو ذئابك آمنت، وحنا على الضد المضيع ضدّه، أرخت لحاظك خيط فجري، واختفت، وبقيت من عتم الوريد أشدّه، لكأن دفقهما سواحل لهفة، بحر يموج، وليس يضجر مدّه».

وفي ختام الأمسية قدم الشاعر خالد الشرمان شكره للشاعرين وللجمهور الذي تابع الأمسية بذائقة عالية.