|
عرار:
الحافظ الزبور ان الحديث عن الثقافة الحسانية او ما يعرف ب "كلام البيظان " هو إثبات لرافد من روافد الثقافة المغربية .باعتبار الثقافة الحسانية نظاما متكاملا من تفاعلات تراثية وانتروبولوجية وعلاقات اجتماعية وتشكيلات فنية وطقوس وعادات راسخة في التربة الصحراوية المغربية أقصى جنوب المغرب. ف "بنوحسان" ابدعو في كل ألوان الفن من غناء وشعر ونثر بسليقة رائعة تميط اللثام عن قبائل مسكونة بسحر الصحراء ومجبولة على الكلام الموزون والمقفى . وليس ادل على سحر هذه الثقافة وتنوعها وجماليتها وابداعها ورقتها ، بالرغم من شظف العيش وهول الصحاري ، سوى فتنة "الهول " وشيوعه المهيب بين كل القبائل الصحراء ،كأنه ترياق مداوي للعزلة والوحدة ووحشة الصحراء ، و "الهول" وهو الاستمتاع بالغناء والعزف الموسيقي ؛ بل هو الغناء نفسه ،في أجواء يسودها الدفئ والحنين إلى الماضي وذلك على تقاسيم غنائية رائعة تخلب الألباب ، وتجعل المستمع يستدرك ذواته ،حينما تصدح حناجر "إكاون" ( igawne )وهم محترفوا الغناء الحساني وخاصة النساء منهم ، حيث تصدر من حناجرهن الذهبية أصوات صداحة كأنها مزامير روحانية تطفئ هيجان الغضب وتريح سكون النفس، فالمطربات الصحراويات ،يتميزن في حضورهن الغنائي بجمال النغمة وقوة الصوت ووقع كل ذلك على النفس والبدن ،ويتم الاحتفاء بكل هذه الاستعراضات الفنية الراقية من انصات مرهف ورقص صحراوي متميز في فضاءات مريحة وباذخة ،مما يجعل الاستماع الى "الهول" بايقاعاته المتميزة يحلق بك بعيدا عن ملمات الحياة الزائلة واهوالها إلى "هول " الفن الرفيع والذي يتخذ من القصائد المرصعة بجواهر القصيدة الحسانية او ما يسمى ب"الطلع" الضاربة اطنابها في القدم أو تلك التي تمتحي من الحياة اليومية للصحراء ،مادة غنائية تلهب الافئدة والوجدان. وعادة ما يتلقف المطربون و المطربات الصحراويات (حيث تسمى المطربة الصحراوية "بتيكيوت" tigiwte والمطرب "بايكيو" igiw ) ما يجود به الشعراء الحسانيون من قصائد تتوزع بين المدح والغزل والهجاء أحيانا ، لترجمة كل ذلك إلى تقاسيم وتوازيع موسيقية آية في الروعة والابداع ،كما تكون جلسات الطرب او "الهول " مناسبات رومانسية رائقة ، للتنافس بين الشعراء وعامة الناس لتقديم "الكفان" gifane وهي في الاصل أبيات شعرية منسوجة بتراكيب تختلف عن الأبيات الشعرية العربية التقليدية حيث يعمد المبدعون الحسانيون إلى بناء "الكيفان" بطريقة تلقائية وفي عين المكان .ويعم صمت مطبق حين يرسل المبدع "كافه" ( gaf ) أي بيته الشعري إلى المطرب أو المطربة ،وبتلقائية فائقة ومهنية غنائية لاتشوبها شائبة يتم تلحينه وترديده حتى يصبح جزءا من اغنية كأنها لحنت لتوها،ولن يقف الأمر عند شخص واحد بل يتعاقب على إبداع "الكفان" مجموعة من الأشخاص مجبولين على الإبداع حتى ليخيل للسامع والحضور أن كل الصحراويين يمتلكون قريحة الإبداع والشعر من كثرة تناثر "الكفان "من كل زاوية من زوايا "مطرح " الغناء . وتتراوح مضامين هذه "الكفان" بين الغزل والوصف والمدح والهجاء أحيانا ،إلا أن المرأة تظل سيدة المواقف والدافع الأساسي في عملية إبداع "الكفان" وأحيانا يتنافس الشعراء الحسانيون في هذه الفضاءات الفنية على أيهم أبدع في التربع على قلب فتاة قد تكون حاضرة او غائبة عن هذا الطقس الفني الصحراوي الذائع الصيت في كل مناسبات الأفراح والمسرات ، ويعرف الشعراء الحسانيون بقوة السليقة والقدرة على إنتاج المعاني ، وإدراك الأهداف بذكاء خارق لم يكن مصدره ابدا الدراسة أو التحصيل ، بقدر ما يكون الجبلة والتفاعل مع المحيط الصحراوي بطريقة تجعلك تكتشف قدرات دلالية وصور شعرية رائعة حيث تقف مشدوها أمام دقة الوصف والقدرة على التركيب والإنجاز وقد لايتطلب الأمر اية احترافية ومع ذلك فبناء "الكاف " يتطلب مهارة تراكيبية متداولة شفاهيا بين عموم الشعراء والمبدعين ,لإنتاج الدلالة والمعنى لكي يستقيم وزنه مع اللحن الذي يعده "اكيو"او "تيكيوت" لامتاع الحاضرين من كل صنوف الجنس والأعمار . ولتقريب الصورة إلى القارئ سادرج بعض أنواع "الكيفان" استقيتها من مرجعين أساسيين في الثقافة الحسانية وهما كتاب للدكتور" لغلى أبوزيد" و المعنون ب"دراسات في المأثور الشعبي الحساني " و كتاب " اثنوغرافيا الكلام : الشفاهية وماثورات القول الحساني . " للأستاذ إبراهيم الحسين من تقديم الأستاذ بشير القمري: هاذ لخيام ال خطاو من ذاك الحد لفيهم عالم مولان لا خطاو علي م نسميهم أي أن حي لخيام اذا خلا من محبوبته،فلن يعير أهله أي اهتمام وان تعرض إلى السب والشتم . (عن إبراهيم الحيسن بتصرف ص 77) مع أن الامر لايقتصر فقط بالنسبة للثقافة الحسانية على "الكفان " أي الأبيات الشعرية بكل تنويعاتها أو "الطلع" القصيدة الحسانية أو على "الهول" أي الغناء ،بل يتعدى ذلك إلى الحكاية والمسرح والتعبير عن القيم والعلاقات الاجتماعية الصحراوية والاحتفاء بالمرأة، كما في "الكاف" التالي : امشيت لبوها قلت ل ياجاري منتك ذي الحمقة شعلت لي ناري بمعنى تشبيه المرأة بالنار التي يكتوي بلظاها فؤاد العاشق الولهان ( عن د.ابوزيد لغلى .بتصرف .ص 28) و كذلك يمتد الأمر الى وصف الخيمة والجمل وطقوس الزواج والطلاق والأمثال والتي يمكن أن نورد منها نموذجا من بين روزنامة أمثال تعج بها الثقافة الحسانية : العود لي تحكر العين يطرفها هذا المثل يحذر الإنسان من احتقار الآخرين (من كتاب "الأمثال الحسانية عند قبائل تكنا بوادنون للأستاذ امبارك رشيد. بتصرف .ص 32) اذن وبصفة عامة فان الثقافة الحسانية هي ثقافة شاملة لكل مناحي الحياة الصحراوية ؛وقد ادليت فقط بشذرة من شذرات تعريفية لهذه الثقافة المتعددة القائمة العود والذات ، وكل ذلك موثق وان كان بشكل شفهي فإن الأجيال تتناقله أبا عن جد ،بالرغم من تعرض الكثير من الثقافة الحسانية الشفهية إلى الاندثار فقد برز إلى السطح مؤخرا باحثين صحراويين مغاربة كالاستاذ المعروف "ادريس الناقوري" و الاستاذ يوسف نجاح في كتابه "مبادئ في الشعر الحساني" وكذلك باحثين شباب وخاصة من منطقة وادنون ، اخذوا على عاتقهم تدوين هذه الثقافة الصحراوية الشعبية المغربية بل هناك من اتخذها مادة دسمة وخصبة للبحوث الأكاديمية لنيل الشواهد العليا خاصة بعد اعتبار دستو ر2011 اللغة الحسانية كجزء من الثقافة الحسانية ، لغة رسمية للبلاد .وهذا الترسيم لم يأت من فراغ أو أنه ترف سياسي ، بقدر ما هو اعتراف بوجود ثقافة ضاربة اطنابها في القدم وتحمل كل مقومات الثقافة الإنسانية لجزء من شعب مغربي له مميزات خاصة في محيط شاسع خاص يسمى الصحراء. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: السبت 17-06-2017 03:15 صباحا
الزوار: 1392 التعليقات: 0
|