أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ممثلة في لجنة الفكر، أمس الأول بمقرها بمرتفعات المطار، الندوة الفكرية “التطرف الفكري” لعدد من الكتاب والباحثين العمانيين ، وهم بسّام بن علي الكلباني الذي قدم ورقة عمل بعنوان “التطرف الفكري” والباحث والكاتب طلال بن عبدالله البلوشي الذي قدم ورقة عمل بعنوان “متلازمة التطرف”.
الندوة التي أدارتها الكاتبة عزيزة بنت راشد البلوشية وحضرها عدد كبير من الكتاب والأدباء والمهتمين بالشأن الفكري والثقافي بالسلطنة انطلقت لتؤكد حرمة تجريم الفكر أيا كان الأمر، فهو في حد ذاته جريمة، لأنه ليس من حق أي إنسان أن يتخذ من نفسه حاكماً على أفكار البشر، والأفكار ذات طابع نسبي، فما كان خاطئاً في فترة، قد يكون صائباً في فترة أخرى، هذا ما أشار إليه الكاتب بسام الكلباني في ورقته التي ألقاها حول التطرف. كما كان الكلباني أكثر صراحة في ورقته عندما طرح تساؤلا مفاده، من أين أتى التطرف الفكري عند المسلمين؟ وهنا أشار إلى الكراهية، فحسب قوله أن المعروف عن المسلمين أنهم قوم ماضيّون، فهم يفسرون كل ما يحدث حولهم اليوم بالرجوع إلى أحداث وأقاويل ونصوص قيلت في الماضي في مناسبات عديدة ومختلفة، بيد أن الدلالات الحقيقية للنصوص قد تتعدّد، واللفظ قد ينحرف من مجاله الحقيقي إلى مجال مجازي، ثم يشيع ذلك المجاز حتّى يصبح مألوفًا، ويعد حينئذ من الحقيقة، كما أشار الكلباني أن التراث الدموي له دور في إشاعة التطرف خاصة إذا ما علمنا أن الكتب التاريخية والمرجعيات الأساسية للتراث الإسلامي تعج بأشد أنواع الجرائم التي لا يمكن إنكار وجودها لما للمراجع الكبيرة دقة في الوصف وقبولاً وثقة كتاريخ الطبري وكتاب وسيرة ابن هشام التي حوت ما أتت به سيرة ابن اسحاق وكذلك ابن الأثير في الكامل وابن كثير في البداية والنهاية وأخيرًا الذهبي في سير أعلام النبلاء. إضافة إلى العنصرية وأزمة الهويّة التي أدت إلى صناعة شخوص مؤهلين للقيام بكل عمل وحشي كالقتل والانتقام، ومن بين أدوات التطرف حسب قول الكلباني هو الإسلام السياسي، الذي كان وليدا مع الخلافة الراشدة على حسب تعبيره وليس ما يروّجه الكثير من المؤرخين والمفكرين بأنه ظهر مع نشوء الجماعات الدينية في العالم العربي وبالتحديد في مصر وسوريا والأردن والعراق في بداية القرن العشرين. ومن أسباب التطرف كما يراها الكلباني العلم الغيبي، فهو يشير أن لا أحد يحتاج إلى تمحيص طويل للتعليم في الأوطان العربية ليتأكد من أنه الأسوأ على الإطلاق منهاجاً ومخرجات، بالرغم من أن المسلمين هم الوحيدون من بين باقي المؤمنين من نزلت فيهم آية تحثهم على القراءة. إضافة إلى الدوغمائية وثقافة الآحاد. ثم انطلق الكلباني ليتحدث عن ملامح من التسامح عبر التاريخ الإسلامي من خلال العديد من الدلائل والأحداث والتفاصيل التاريخية.
متلازمة التطرف
أما ورقة الكاتب والباحث طلال البلوشي والتي كانت بعنوان (متلازمة التطرف) فقد تناولت التطرف الفكري من ناحية إجرائية لتلامس الواقع، فقد أشار البلوشي بإن التطرف الفكري في الأمراض الفكرية هو بمثابة السرطان في الأمراض البدنية، من حيث مدى انتشاره وصعوبة علاجه، وأن النتائج التي تترتب عليه قد تجعله من أخطر ما يهدد المجتمعات البشرية، فما يشهده العالم من صراعات وحروب ومجاعات تسنزف الارواح والموارد وتتسبب في تأخير المجتمعات عن التطور مردها في الكثير من الأحيان إلى التطرف الفكري بجميع تقسيماته سواء كان تطرفاً دينياً أم عرقياً أم اجتماعياً أم سياسياً، والإرهاب ما هو إلا الابن الشرعي للتطرف الفكري والانفعالي إذا ما علمنا أنهما يقودان الإنسان إلى التطرف السلوكي كما انطلق البلوشي ليوضح ماهية المتطرف، وكيف يفكر، وهنا أشار إلى أن البنية الفكرية لديه تشتمل على عدد من الخصائص التي جعلته يقع في فخ التطرف والتي يمكن تلخيصها في الآتي: فهو لا يعترف بامتلاك الفرد لذاته، لأنه باعترافه بذلك فهو يقر أحقيته الفرد في حرية الاعتقاد، مع اعتقاده بأن ما يؤمن به من قناعات هي الحق المطلق وما عدا ذلك فهو باطل وجبت محاربته، وفي سبيل ذلك يسعى المتطرف فكرياً إلى اجبار الآخرين على اعتناق فكره، مستخدماً لتحقيق ذلك كل ما يستطيع من قول أو فعل، أضف إلى ازدواجية المعايير، فبينما يرى المتطرف أنه يملك الحق كاملاً في فرض فكره ورؤاه، يستنكر على الآخر قيامه بذلك، ويتهمه بالتعصب ويفسر المتعصب هذا التناقض الفج بادعاءات غير منطقية بأن قناعاته هي الصواب، ويعتمد المتطرف آراء المتطرفين في مهاجمة المدارس الفكرية الأخرى، ولا يلقي بالاً إلى أصوات المعتدلين فيها، وذلك بهدف تبرير صراعه معها ولحشد عدد أكبر من المؤيدين في صفه. ثم ذهب الباحث طلال البلوشي ليتحدث عن النمذجه الخاطئة في عالم التطرف، وهنا يعتمد المتطرف على ذلك النموذج “اسطوري”- دون مراعاة للتحولات المجتمعية التي حدثت خلال قرون من الزمن محاولاً فرضه بالقوة، وأشار إلى التأخر الحضاري، فالتطرف هنا يتغذى على الأفكار البسيطة التي يسهل استيعابها من قبل شريحة كبيرة من البشر، كما أوضح البلوشي تفاصيل العزل الفكري في التطرف ومقتضياته، فالمتطرف حسب قوله عاجز تماما عن تحليل الوقائع كنتيجة لضعف اسلوب التفكير لديه، فهو أعجز عن ملاحظة نتائج تطرفه رغم وضوحها الشديد، كما أشار البلوشي إلى أن هناك الكثير من النقاط التي تنصف المتطرف وإظهاره في صوره الحقيقية ومن بينها إطلاق الأحكام والتعميمات: فهو ليس لديه القدرة على استخدام وسائل دفاعية نفسية ناضجة وإنما يتعامل عن طريق التعميمات وأحادية التفكير، أضف إلى ذلك هذيان العظمة، فكثيراً ما يكونون قادة الجماعات المتطرفة هم طلاب سلطة وجاه ومال وما الفكر التطرفي بالنسبة لهم إلا كحصان طروادة للأغريق، فبينما تقاد الجموع المتطرفة بمبادئ ظاهرها الأيدلوجية التي تؤمن بها تلك الجموع يبطن قادتها أهداف شخصية أخرى، مع عدم الاعتراف بعالمية الانتماء، فالمتطرف انتماءاته ضيقة جداً، إذ يميل إلى تصغيردائرة الانتماء إلى الحد الذي يجعله يعيش في صراع دائم مع من حوله، مثال ذلك إذا لم يحقق له أنتماؤه الديني الوضع الذي يطلبه يقلص دائرة انتمائه إلى مستوى المذهب ليتيح له ذلك الصراع مع أصحاب المذاهب الأخرى.
وفي ختام قوله أشار “البلوشي” إلى إن فهم خصائص البنية الفكرية للمتطرف تجعلنا أكثر قدرة على وأد بذور التطرف الفكري في مهدها، فمحاربة التطرف الفكري أقل من حيث الكلفة من محاربة التطرف السلوكي، ويجب أن نستحضر أمر غاية في الأهمية وهو أن الظلم الذي قد يتعرض له الفرد أو المجموعة هي من أقوى محفزات التطرف وحل ذلك يكمن في كلمة واحدة ساحرة وهي ” العدالة” .
بعد ذلك فتح باب النقاش مع الحضور الذي أوجد الكثير من التساؤلات حول قضايا التطرف وما آلت إليه المجتمعات العربية والإسلامية في الوقت الراهن.