|
عرار:
عمان - ابراهيم السواعير وقال في محاضرة «مأزق النخب ودور الأفكار» التي جاءت تحت العنوان العريض «من يصنع العالم؟!» وألقاها ضمن البرنامج الثقافي لمعرض عمان الدولي للكتاب، إنّ الأفكار التي تطرحها النخب الثقافية لا تحرك الشرائح الواسعة، ولا تصنع العالم، الذي يزداد تسارعاً وتشابكاً وتعقيداً، بفتوحاته وتحولاته الهائلة، بل إنّ من يصنع العالم اليوم هم «فاعلون جدد» آتون من خارج القطاع الثقافي. وأوضح، في المحاضرة التي أدارها مدير الشؤون الثقافية في أمانة عمان المهندس سامر خير وحضرها أمين عام وزارة الثقافة هزاع البراري، أنّ هؤلاء الفاعلين الجدد هم الذين لم يتمترسوا وراء ثوابتهم وشعاراتهم، ولم يفزعوا من التحولات التي نجمت عن الدخول في عصر العولمة والشبكة والثورة الرقمية، بل تعاملوا معها بلغة الخلق والفتح والتحول. واعتبر حرب أنّ بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت، قد أسهم في تغيير وجه العالم بابتكاراته في مجال البرمجة والقوة الناعمة، مقارناً بينه وبين فلاسفة وعلماء يتصدون منذ عقود لمهمة تغيير النظام العالمي، مثل نعوم تشومسكي وجان زيغلر وسلافوج جيجيك وآلان باديو أو بيار بورديو وإدوارد سعيد، تحولوا إلى «باعة أوهام»، لأن العالم الذي أرادوا تغييره قد تغيّر بعكس تصوراتهم وخططهم. ولم يجد حرب فائدةً من التباكي على عصر التنوير أو مهاجمة الليبرالية والأمركة والسوق، أو لعن العولمة والتقنية، داعياً إلى إعادة النظر بالمسلمات والقناعات، بإخضاعها للدرس والتحليل، على وقع الأزمات والتحديات، للكشف عمّا تستبطنه أو تحجبه من المسبقات المعيقة والبداهات الخادعة، أو الرؤى الساذجة والتصنيفات المزيفة، أو الدعوات المفخخة والنماذج البائدة. كما نادى بتغيير الطريقة في التعامل مع الأفكار، بحيث تُدار بصورة مفتوحة، مرنة، متحولة، ولا تعامل على نحو طوباوي فردوسي أو سحري، خشية أن تترجم إلى ضدها، أكانت اشتراكية أم رأسمالية، علمانية أم دينية، قومية أم يسارية. وتوقف حرب عند المثقف العربي الذي كان بعد سقوط أحلامه بالثورة والحرية والعدالة، يعيش في سُبات، منتظراً الأحداث والتقلبات التي تفاجئه، لكي ينتقل من صدمة إلى صدمة، حيث كانت الصدمة الأولى في صعود الأصوليات التي أسهم فيها المثقف، بقدر تعامله مع أفكاره بعقل أصولي طوباوي. واستعاد المحاضر في هذا الخصوص تجربته على سبيل المراجعة النقدية، بقوله: «كنا في نهاية الستينات من القرن المنصرم في زمن ازدهار الفكر اليساري، عالمياً وعربياً، نظن لسذاجتنا الثورية أن الدين بات مرحلة بائدة تمتّ إلى زمنٍ ولى ولن يعود، فإذا بنا بعد عقدين نُفاجأ برجال الدين يسبقوننا لكي يقبضوا على السلطة بل على كل السلطات!»، وهو ما رآه حرب قد حصل في البداية عند اندلاع التظاهرات عام 2011؛ إذ لم يكن المثقف، الذي يُعدّ نفسه النخبة التي تحمل الوعي، يُصدّق أن تحتشد الجماهير في الساحات، من غير علمه وبلا قيادته، لكي تطالب بسقوط الأنظمة السياسية، أو لكي تنجح بإسقاط بعضها، وهو ما حصل عند تحول الثورات إلى حروب أهلية ومنظمات جهادية إرهابية، بالتواطؤ مع أنظمة الاستبداد، إذ لم يكن المثقف يتخيّل أن يصبح المشهد بهذه البشاعة قتلاً وإبادة أو تهجيراً وتدميراً. وقدّم حرب تفسيراً لما رآه «عجزاً مطبقاً»، مناقشاً مسألة «تقديس الشعارات» والتعلق الأعمى بها والتخلي عن الفكر النقدي، من جانب مثقف طالما قدّم نفسه بوصفه مشتغلاً بالنقد والتحليل، معتبراً ذلك مُفارقة تجلّت في تأليه المثقف العقل وعبادة الحداثة والتقدم، وفي التعامل مع عناوين المشروع الحداثي، التي استُهلكت وباتت بحاجة إلى التجديد والتطوير، كحقائق مطلقة أو كمقولات متحجرة، الأمر الذي تحوّل معه المثقف إلى «ديناصور فكري» يتخيل مستقبل العالم العربي كماضي أوروبا منذ أربعة قرون أو ثلاثة، وهكذا فقد تصرف المثقف الحداثي كمقلدٍ قاصر، بقدر ما تخلى عن التفكير بصورة حية، خصبة، خارقة، كما تحوّل إلى مناضل فاشل ومفكرٍ عقيمٍ غير منتج للأفكار الجديدة والمبتكرة التي تخلق مجالها التداولي على ساحة الفكر العالمي. ورأى أنّ ما ينطبق على المثقف ينطبق بشكل خاص على الداعية الاسلامي الذي اشتغل بتقديس النص وعبادة السلف والتراث، رافعاً شعار تطبيق الشريعة بوصفها الحل البديل، وكانت النتيجة أن استجمع مساوئ من سبقه، لكي يتحول إلى «مشعوذ فكري» يسطو على المعارف التي تنتجها المجتمعات الغربية، أو إلى جهادي إرهابي يمارس العنف الأعمى والعدمي. وأضاف حرب إلى هذين النموذجين، نموذجاً ثالثاً يجسده المثقف الذي اشتغل بالترويج لأنظمة الاستبداد والفساد، القومية والدينية، عن قناعة أو عن جهل أو عن ممالأة ومنفعة، بحجة أنها تقاوم الدول الاستعمارية، بينما كان المآل هو تواطؤها مع هذه الدول على تخريب البلدان العربية، نحو كل هذا التمزق والتفكك والتوحش، متسائلاً: وإلا كيف نفسر عودة الدين عودته الإرهابية المرعبة، وعودة الاستعمار عودته البربرية المُدمرة؟! وخلص حرب إلى أنّ المثقفين على اختلاف انتماءاتهم، عرباً كانوا أم غربيين أم غير ذلك، قد أثبتوا فشلهم بقدر ما شهدوا على جهلهم المركب، بمعنى جهل الواحد بذاته وبأفكاره، بالمجتمع والواقع، حيث هو جهلٌ يصدر عن ثقة مفرطة بالعقل وبالإنسان نفسه. كما انتقد تشومسكي الذي يعتبر أن كل مناهضة سياسة أميركا هي مقياس للدفاع عن الحريات، فإذا النتيجة دعم أنظمة الاستبداد والفساد، كما انتقد بيار بورديو الذي يجزُم بعقله الأحادي بأن مقاربته الاجتماعية هي الحقيقة الأولى والأخيرة، فإذا النتيجة ازدياد الأزمة الاجتماعية في فرنسا. وانتقد إدوارد سعيد الذي يعتبر أن كتابه «الإسلام والإمبريالية»، إنما هو مقاومة للهيمنة الأميركية، فيما الكتاب يصُب في النهاية في مصلحة الأصولية الإسلامية، «من غير أن يحتسب صاحبه، إلا إذا كنا لا نعرف معنى ما نقول ونكتب». ودلل حرب على هذا الجهل بمن أرادوا، بعقلهم الساذج وأفكارهم الطوباوية، تطبيق الاشتراكية في اليمن الجنوبي، فكانت النتيجة أنهم تنازعوا واقتتلوا وتمزقوا شرّ مُمزّق كما شهدت أحداث العام 1986، التي راح ضحيتها ألوف القتلى في مدى أسبوع أو أسبوعين. وفي ضوء تشخيصه، راهن حرب على أن نقرأ ما يحدث ويصدم من المتغيرات والمستجدات، وأن نعيد النظر في العدّة الفكرية من جوانب مفهوم الحقيقة وإدارة الأفكار واستراتيجية التغيير ومكانة المثقف، لتجد هذه المواضيع نقاشاً جوهرياً حول دور المثقف العربي وعجزه وتحدياته وظروف الآلة العسكرية والإعلامية، في المحاضرة التي قدّم الكاتب سامر خير المفكر حرب بإسهاماته الفكرية ومقالاته الصحفية الغنية، ذاكراً من مؤلفاته: ملاك الله والأوطان، وثورات القوة الناعمة في العالم العربي، والحب والفناء: تأملات في المرأة والعشق والوجود، والعالم ومأزقه: منطق الصدام ولغة التداول، وخطاب الهوية: سيرة فكرية، وتواطؤ الأضداد: الآلهة الجدد وخراب العالم، والإنسان الأدنى: أمراض الدين وأعطال الحداثة، وأزمنة الحداثة الفائقة: الإصلاح، الإرهاب، الشراكة، والأختام الأصولية والشعائر التقدّمية، والنص والحقيقة: الممنوع والممتنع، وأوهام النخبة أو نقد المثقف. الراي الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 07-10-2017 08:39 مساء
الزوار: 1052 التعليقات: 0
|