وحول بعض المسميات التي تطلق على مناطق في إمارة الشارقة عموماً، والمنطقة الوسطى خصوصاً، قال سموه «أولاً البدوي في البادية لا يترك له أثراً، حتى ولو طبخ يدفن الرماد، لكن ما الآثار الموجودة في البادية؟ نلاحظ مثلاً الأثافي، وهي الحصى المستخدمة في الطبخ، والتي لم تُدفن. أما الأثافي من أَثَفَ، أَثَفَ الرجل بالمكان أي أقام به. وعند الطبخ تحضر حصاتان، وتُركن الجهة الثالثة للجبل، ويقول المثل (رماه بثالثة الأثافي)، والثالثة هي الجبل، وهي أشد شدة وأقوى من كل شيء، إذاً، هذا المكان الوحيد الذي يُستدل عليه للأثر. فما الأثر؟ يقولون الأطلال، وهي كلمة مستعملة بالخطأ في اللغة العربية، لأن الطلل هو المكان المرتفع المطل، وقيل الأثر. والشعراء يتغنون بالأطلال، ولكن الأطلال هي الأماكن المرتفعة، ولكن هؤلاء الذين في البادية ليست لديهم مبانٍ مرتفعة، ماعدا أولئك القريبين من نجد، فكان فيها قصور، إذاً، لا يوجد شيء في الأرض يُخبرنا أو يُنْبِئنا عن هؤلاء القوم، لأنهم رُحّل، وأدواتهم في الترحال خيمة وخشب وحبال، ولا تُعطي هذه الأدوات أي دليل. لذلك أول ما بدأت في هذا الأمر عمِلت على جمع كل النباتات في البادية، وعملت لها بنكاً، وحفظتها، لأنها مهدّدة بالانقراض، بسبب العمران والسيارات والقحط والرعي الجائر.
أما ما تبقى من أثر البادية فهو الدرب، وما نطلق عليه مجازاً الطريق والبئر، وهما نوعان، إذا كانت محاطة بالحجر تسمى طوي (أي طوينا عليها الحجر)، أما إذا كانت محفورة مثل البدع، فتسمى بيراً، وعندما نعود لنرى طبيعة الشارقة، نجد الطريق باتجاه مليحة يبدأ من الصبخة في المنطقة الصناعية بطريق اسمه (درب الدراري)، عملت منطقة باسم الدراري، وفي الطريق كذلك عود كبير يسمى (عود راكان)، فهناك جسر اسمه جسر عود راكان على شارع سالم بن سلطان، وبالاستمرار باتجاه مليحة تأتي منطقة البديع، ولم أشأ أن أشق طريق بها، لأن فيها مياهاً وسكناً ومرعى، لذا خططنا لانحراف الطريق، وتصادفنا منطقة السيوح، هذه بئر اسمها (بئر محمد بن صقر)، منذ سنوات عديدة، لذا أحييت البئر باسم المنطقة.
كل الأسماء التي أطلقت على المناطق أو الآبار والتلال، أو حتى الجبال، استمدت من طبيعة وصفات الشيء المسماة عليه، ونتدخل فقط في إزالة الاسم الشائن، لأنه لا يصح».
سبب إطلاق اسم القرحة
قال صاحب السمو حاكم الشارقة «وادي القرحة فاضت فيه بطحاء الرفيعة، وأصبح وادياً، كنت أستفيد من علم ومعرفة سلطان بن ضيخان، رحمه الله، وقد أخبرني بأن البطحاء فاضت إلى أن وصلت وصبت في خور عجمان، حيث كان يسكن قط مفتاح، فهذه البطاح تغيّر مجراها، فمجرى البطحا الأصلي، وهي ذاتها منطقة الفاية، لم يكن يصل إلى الرفيعة، فقد كان ينحرف قبل البيوت الشعبية الحالية بالاتجاه إلى الشارقة، وهذا المجرى هو مكوّن سيح المصمود، ويصل هذا المجرى إلى بحيرة خالد، ويصب فيها، وخلال الإنشاءات على بحيرة خالد، وجدنا البحص أثناء عمليات الحفر، وهو دلالة على وصول الوادي محملاً بالبحايص لهذه المنطقة الساحلية.أما بالنسبة لتسمية الوادي بهذا الاسم، فنسبة لمائه القريح، أي الحلو، يمتلئ الوادي بمياه الأمطار، أي المياه الحلوة، وبالتالي فإن البئر التي حفرت هناك ماؤها عذب، وليست ماء من جوف الأرض تراكمت فيه الأملاح».
الآبار ودرب القوافل
وحول طرق القوافل، والكيفية التي كانت تقطع بها تلك الصحارى الجافة، أوضح سموه قائلاً «الآبار دائماً تقع في درب القوافل، ليتمكن الرحال من شرب الماء، والمنطقة الوسطى فيها اتصال الشمال بالجنوب، يربط الطبيعة، واتصال الشرق بالغرب يربط المدن، نلاحظ أن هذه المنطقة فيها ترحال، لنفترض أنك تريد الذهاب إلى رأس الخيمة، فهل ستسلك ند بن غرير والمرقبات وهذه المناطق؟ بالطبع لا، لأن البئر تصعب حفرها هناك، لسمك الرمال على الأرض، لذلك لا أحد يسلك هذا الطريق، الطريق المأهول يمر في منطقة سهيلة، فهناك مجرى وديان، وعلى اليمين جبال، فهو مكان تجمع مياه، وهنا تحفر الآبار، وهذا هو الحال لنقل البضائع من جنوب عمان إلى توام في العين، وتسمى أقدام الجبال، لوجود المياه المحجوزة بها للوصول إلى توام، وكانت البضائع تنقل إلى بئر يطلق عليها اسم (بينونة)، وهي في التلال الرملية، وليست في الصباخ، لأن الماء عذب يشرب».
ملوخة ومليحة
وقال سموه «في طوي الحصن، توجد حصون أثرية مازال أثرها موجوداً، وبجانبها بئر سميت باسمها، ويقدر تاريخها بنحو 3000 سنة قبل الميلاد، وكانت هناك مزارع بالقرب منها، تم تعويض أصحابها. لماذا كانت المنطقة الوسطى كمليحة والمدام بهذا الحال؟ في هذه المنطقة، التي تسمى الشرق الأوسط، كانت هناك حروب طاحنة بين الفرس والرومان، وكانت التجارة تأتي من الهند والسند والصين، وتدخل من خلال الخليج العربي عند مضيق هرمز، وكان الفرس مسيطرين على هذه المنطقة، أما الرومان فقد اتخذوا طريقاً آخر يأتي من (فَيْلَكَة) إلى البحرين رأساً إلى مليحة.. والبضاعة تأتي كذلك إليها من عمان (من مسقط أو صحار)، والقادم من صحار يأتي من وادي القور، وعند انتهاء الجبال على هذا الطريق، تأتي أرض واسعة تسمى سراج، وباللغة اليونانية (ملوخة)، تكتب حاء، ولكنها تنطق خاء، من هنا أتت تسمية مليحة، حيث إنها لم تأخذ تسميتها من البئر، ولا نسبة إلى الماء المالح فيها. ورغم الزخم الكبير من الاكتشافات والآثار فيها، فإنه لا يوجد أثر فارسي فيها رغم قربهم من المنطقة، وذلك يعود لسبب سيطرة الرومان على هذه المنطقة، وصعوبة وصول الفرس إليها، فلدى مركز مليحة للآثار أختام للرومانيين، قالبان لصب النقود يعودان للإسكندر المقدوني الأكبر، ما يدل على أن هذه المنطقة كانت غنية بالتجارة، والمرور فيها من الشمال إلى الجنوب».