«سليم أحمد حسن» أديبٌ مُلتزم، نذر نفسه لمحبّة الأطفال ومحبّة الأوطان. فكتب للأطفال المسرحيات التربوية متعدِّدة الأهداف.. وكتب الأناشيد المدرسية، والقصص والحكايات، والسلاسل الثقافيةٌّ والعلمية، وسِير العظماء. وحقَّق الكثير منها جوائز عربية ومحلّية.
كما أصدر مجموعة من الروايات التي تمثِّل نبض المرحلة.
وفي مجال الشعر للكبار يكٌون مع هذا الديوان (الدّم المباح) قد أصدر ثمانِي مجموعات شعرية: سيدتي بغداد/ 1992، خطوط متقاطعة/ 2005، المفردات/ 2010، قال الراوي/ 2013، حديثٌ القصيدة/ 2015، في مملكة حواء/ 2016، الدم المباح/ 2016، عطر القلوب/ 2017.
تشير غزارة إنتاجه إلى اهتمامه الكبيرٌ بتربية النشء العرب والحرص على تعزيزٌ المبادئ والقيم الأخلاقيةٌ والاجتماعية.. وهو في كل ذلك إنمّا يقوم بدور الأب المربّي الغيور والمرشد، لكونه «أب» لكل أطفال الوطن العربي. هو أديبٌ متعدِّد الاتجاهات، وعضو في مؤسسات ثقافيةٌّ محلية وعربية كثيرة.
إن المُتأمِّل فيما كٌتب سليم حسن، يجٌد أنه أديبٌ وٌجِّهُ رؤياه بالدرجة الأولى نحو الواقعية، والأخلاقية والدنيا، والالتزام بالقيمٌ.
أي أنّهُ آمن بالوظيفة الاجتماعية للأدب. وبأنّ الأدب رسالة حبٍّ إصلاحية «وتعدِّلُ الحالة المايلة».. وأن الأدب موجهٌ إلى عواطف الناس وما هو موضع اهتماماتهم، ومعاناتهم اليومية في رحلةِ العيش المضني التي تتكسّر فيها الآمال، وتصبح آلامًا لا بدّ من التّذكير بها، ومحاورتها ووصفها، والوقوف على أسبابها من أجل تخَطيها.
عاشٌ الشاعر الجرح الفلسطيني بكل آلامه ونزفه، وجاء هذا الديوان، «الدّم المُباح « ينٌتصر إلى ذاكرة الألم، وإلى الأمل الوطني الكبيرٌ في تحقيق حلم العودة، إذ عٌرض صورًا متعدِّدة لمشاهد الواقع المرير لحال الأهل في فلسطين..  ففلسطين الحب الأوّل والأخير.. ونجدُ العاطفة الوطنية صادقة الانتماء والولاء.
ساخنة، تُعاتبُ وتلوم، تُحذِّرُ وتكاشف، وتتألّم في سياق من البوح الأليم، الذي أصبح فيه الشعر دمعة محتجّة، وآهةً صارخةً في وجه الظلم والقهر.
«سليم حسن» في هذا الديوان، لم تغادره طفولته الصادقة، وحننٌه إلى أمه صانعة الحياة والأحلام، فنلقاه يحنُّ إلى الماضي الجميل الذي عاشه مع الأهلِ في قريته الفلسطينية «برقين» شاكيًا ألم الغربة في مرحلة الوعي:
«وكبرتْ، حملتني رحلة الألآم ...
أيا أمُّ بعيدًا عنك..
ونما حبّك يا أمّاه في قلبي.. صار شوقًا.. وحنينًا وانتماءً
صار نورًا في عيوني.. صرتُ إن قاسيت، أو هبَّت رياح البؤسِ أو تاهت ظنوني.
أعبرُ الآفاق في فكري إليك.. أحتمي في صدرك الطيِّبِ
ما بين يديك .هامسًا... أمّي اغفري لي.. فرضا الله رضاك.
أيا ملاذي ورجائي ساعديني..».
فهو إذن تٌمنى أن يحٌتمي في صدر أمِّه، تعوضه عن المعاناة والألم في زمن البيع والشراء، زمن المآسي والتنازلات.. مثَلُهُ مثل معظم الشعراء الفلسطينيين الذين استلبتهم المنافي ومدارات الشتات صفو الحياة، ويرون في صدور الأمهاتِ وطنًا جميلا به يمكن أن ننتصرعلى الألم والضعفِ والذلَ ولوعة الفراق.
نحن في هذا الديوان أمام موجات متلاحقة من الأنين والشكوى، وتصوير مشاهد العذاب،وأمامَ لوحات جارحة من مواقف الذل والصبر والمعاناة. وهو في كل ذلك مؤمن بالحلم العربي الكبيرٌ،لكنه عٌاتب بمرارة أحيانا، وبسخرية أحيانا أخرى، لا تفارقه سماء الكبرياء، ولا أحاسيس وروح التحدّي:
«أحارب الأعداءَ، بالإيمان والقرآنِ..
والأحجارِ والخناجرْ.
وحين يسٌقط الجريح والشهيد بدمِّهم أفاخر.
لأنه يطهر المقامَ والحاراتِ والمنابر
و يحفظ الحرائر.
لأنه نارٌ ونورٌ يا عربْ... لأنّهُ لهبْ».
وللحق، فإن هذا الديوٌان يمتاز بانحيازه إلى عبقرية الطفولة.. حينٌ يصبح الأطفال أبطالا؛ والكبار عاجزين عن التّضحيات.. مستسلمين لما يفرض عليهم قهرًا وعدوانًا. فهذا الطفل «محمد الدّرة» يقٌول:
«أنا طفل فلسطيني.. وهذا الفخرُ يكفيني.. وأما اسمي واسمُ أبي وعائلتي.. فهذا ليس يعنيني.. وأرفضُ أن أكونَ الرمزَ أو رأسَ العناوين.. فمثلي استُشهِدَ العشراتْ، وآلافٌ من الجرحى وقافلة بلا عددٍ.. على نفسِ الطريق تسير، وتُحصى بالملايين.. فداءَ القدسْ ... فداءَ المسجدِ الأقصى فداءَ الأرض ، والزيتون والتينِ».
وها هو ينقل صرخة الطفلة «عهد التميمي» في العرب:
«لن تتحرّر «قدسُ الله» بدعاء الضعفاء... 
وقصائدِ كلِّ الشعراء...
ونفاقِ الخطباء...
بل تتحرّر قدس الله ... وكلّ فلسطين..
بصمود الشعبِ ووحدتهِ...
بكفاح الشعبِ وثورتهِ ...
وبكلِّ سلاح يملكهُ ...
بإرادتهِ... بحجارتهِ ...
وبالإيمان بأنّ الله تعالى
ينٌصرُ عبده... يهٌزم كل عدوٍ وحده...
ينٌصرُ كل المظلومينٌ
فارسة يا عهد...
يا «صاروخ فلسطين»
سلمتِ... وسلمتْ يمناكِ..».
الشاعر»سليم حسن»، جٌسِّد في مواقع مختلفة من الديوان صور الوحدة العربية، والوحدةِ الوطنية بين الضفتين بمشاعر صادقة، وبلغةِ الخطاب اليومي الجاري على ألسنة العامّة.. وبعبارات بسيطة لا أثر فيهٌا للرمزية.. فهو شاعر بفكره وعاطفته جٌعل من شعره كلامًا محكيًا موقعًا..
«من قالَ بأنّ القدسْ، تبعُدُ شبرًا عن عمّانْ؟
أبدًا، فالضِّفّة والضِّفة، للقلبِ وريدان.
بهما نفسُ الحبِّ، ونفسُ الدّمِّ، ونفسُ الإنسانْ».
من قالَ بأنّ القدس، تبعُدُ عن أية عاصمة عربية؟
من قالَ بأنّ القدسْ، تبعُدُ عن أية عاصمة إسلامية.؟
فالقدسُ بقلب الأمّةِ، من بغدادَ إلى تطْوانْ .
والقدسُ بقلبِ الأمّةِ، من جزر القمرِ لباكسْتانْ».
وبٌقى الشاعر سليم حسن، المُغنّي الحزين، المتشظّي المنفعل، والغيورٌعلى الأمّة والقدس، وعلى مجد الشخصية العربية. ونراه في موضع من الديوان تٌسامى إلى معنى السلام ببعده الإنساني الشامل، القائم على الحق والعدل والأمل، فخٌاطب حكماء العالم برجاءات نبيلة..
«يا حكماء بهذا العالم.. يا أشرافُ و يا أحرار
من فيكم يُنقذ هذا العالم
من حرب وشقاءٍ ودمار
من فيكم يُرجع للأيام
بسمتَها، وجمالِ الأحلام
من فيكم يجعل دنيانا
أفراحًا، وإخاءً وسلام».
وبعد.. فليتني أستطيع استعراض كل قصائد الديوان فلكل قصيدة حديث خاص، وحكاية فلسطينية خاصة.. وفي النهاية، عرفت أن الشاعر يؤمن بوحدة قصائد دواوينه في انفراد كل منها بموضوع خاص.. فهذا الديوان كل صائده في الشأن الفلسطيني.. «وفي مملكة النساء»، يعيش القارئ حياة المرأة. «وسيدتي بغداد» يؤرِّخ للحرب العراقية الأمريكية. «وقالت تلك الطفلة» في عالم الأطفال. «وقال الراوي» في واقع الحال.
وهي ظاهرة تُلفت النظر وجدتها عند هذا الشاعر..
هذه رسالة الشعر عند سليم حسن.. رسالة أخلاقية ووطنية، ودنيوية وإنسانية وتربوية، جٌعل فيها الشعر خطابًا مألوفًا، دون تمحُّكٍ بالغموض أو الترميزٌ، رسالة إصلاحية ملتزمة بهموم الناس والأمًة، تنتصر لقيم العدالة.. وتهجو رذائل الظلم والقهر والعدوان، ويعرب عن كل ذلك بانفعال عاطفي صادق.. وبإيمان أصدق، بأن النور سيسطع يوٌمًا.