في معرضه الجديد الذي لم يمنع برد (المربعينية) من توافد عدد غير قليل من الفنانين والمعنيين إليه في يومه الأول، يؤكد طه المولود العام 1942، على انحيازه النهائي للحرف العربي، كطاقةٍ تعبيرية آسرة، وقيمةٍ جمالية أخاذة، وحلٍّ تشكيليٍ دلاليٍ مبين.
في المعرض المتواصل في (نبض) حتى الثامن من الشهر المقبل، يوجّه حروف اللغة العربية، ومن خلال آيات (القرآن الكريم)، نحو وجهة بعينها، ، فيما يبدو أنه تقاطع من قبل الفنان مع المِزاج العربي السائد هذه الأيام، ومع ربيع الثورات العربية: «بل الظالمون في ضلال مبين»، «بئس مثوى الظالمين»، «وساء للظالمين من أنصار»، إن الله لا يهدي القوم الظالمين»، «فارتقب فإنهم مرتقبون»، «وإنا لربنا لمنقلبون». ومن العبارات الأخرى «اجتنبوا قول الزور»، وأسماء الله الحسنى، والبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم» وغيرها من العبارات والكلمات والحروف التي يستعيد عبرها طه في معرضه الشخصي «المقامة العاشرة» ألقاً صوفياً يبدو أنه كان ثاوياً داخل أعماق وجدانه وأيقظه الطين ونبشت حوله الذاكرة وحرّض عليه الورق المصقول والمعجون مع أنفاس الخزف المدهش عندما يخضع لحلول فنان من طراز طه.
مدينة القدس وأحوال الشعب الفلسطيني، والموروث الغني للحضارة الإسلامية، والوجوه المشروخة بالتجريد الطولي أو الأفقي، وغير ذلك، نوافذ يطل طه الحاصل العام 1968 على بكالوريوس فنون جميلة تخصص خزف من أكاديمية الفنون الجميلة البغدادية، من خلالها على دهشة المعنى، ولا محدودية التكوين.
حول أعماله الجديدة، كتب طه لمطوية المعرض:»منذ عقود طويلة وأنا أحاول الكشف عن خصائص جديدة ومتحركة في أعمالي التي تحمل في تفاصيلها مدينة القدس، ولكن التحولات الجديدة أضافت عناصر أخرى تمَ توظيفها في تشكيل وبناء الأعمال التي يتم انجازها.
والأعمال التي أقدمها لهذا المعرض تحمل إتجاهين في الخامات المستعملة. أولا: الصلصال, ثانيا: الورق. غير أن محتوى هذه الأعمال يؤكد وجود علاقة قوية بينهما تجمع عناصر من الموروث الحضاري الإسلامي. وهذا المعرض يطرح الكثير من التساؤلات حول مدينة القدس والإستيطان والحصار الظالم على الشعب الفلسطيني.»
أستاذ الفلسفة الناقد أديب نايف ذياب كتب عن أعمال طه الأخيرة:»يبدو الأستاذ محمود طه في مجمل أعماله التشكيلية الأخيرة، التي نضجت فعُرضت منذ الربع الأخير من الستينيات من القرن الماضي إلى اليوم، مأخوذاً بلا انتهاء بحروف الخط العربي، فنجده يُقطِّعُها ويوائم بينها من جديد، ليعيد اكتشاف علاقات التناغم والانسجام فيما بينها وإمكانات دمجها في تكوينات جديدة. ينظر الأستاذ طه في هذه الحروف كأنما يتلمَّس مدى صلابتها ومرونتها وطواعيتها للتشكيل، ثم يشرع، إلى جانب هذا، في نحت أشكال غير الكلمات المألوفة التي تدخلُ هذه الحروف عادة في تكوينها، باستثناء أجزاء من آيات القرآن الكريم التي تشكل قسما هاما من معرضه الأخير. وهكذا نرى الأستاذ يتفنن في تخطيط الفجوات المغلقة في الواو والميم والقاف والصاد والحاء ... ويبرز ديناميتها وخصوصيتها وكذلك رشاقة امتدادها المكمل ، فيكشف عن إمكانات التكامل والتناظر والتماثل والتقابل في هذه الحروف. إنه يعرض أمامنا، على نحو تجريبي، بعض إمكانات الزخرفة العربية، فنتبين أبعاد جمال هذه الزخرفة ورونقها. وقد وظف الأستاذ طه ذائقته وبراعته في التلوين، فاكتملت في معارضه أعمال فنية تبهر المشاهدين وتخاطب أذواقهم بكفاءة رفيعة نادرة.»
خلال الأعوام 1964-1970 درس طه الخط العربي على يد هاشم محمود الخطّاط ولازمه حتى وفاته 1975 أكمل دراسته العُليا لمدة عام في كلية كاردف للفنون في ويلز في بريطانيا. أقام العديد من المعارض في مختلف بلدان العالم، أحدثهم معرض شخصي في صالة إتحاد الفنانين السوريين عام 2009 ومعرض مشترك مع ياسر دويك وكرام النمري في قاعة الأورفلي عام 2010. حاز محمود طه على عِدة جوائز منها جائزة هيئة التحكيم في بينالي القاهرة الدولي الأول للخزف وميدالية الحسين للتفوق.