من العلامات المضيئة في الحياة الثقافية التونسية الشاعر الشاب ( مبروك السياري ) ، فقصائده تحمل طابعاً إنسانياً ووجدانياً رومانسياُ ، وتدهشنا برقتها وأناقة حرفها .
مبروك السياري ناشط ثقافي واجتماعي ، من مواليد ( بن قردان ) في الجنوب التونسي ، حاصل على شهادة الأستاذية في التنشيط الشبابي والثقافي ، دخل حدائق الشعر منذ شبابه المبكر . وحازت قصائده على جوائز عديدة على مستوى الدولة التونسية .
لقد شدتني قصائد مبروك السياري ، لما تتسم به من شفافية وجمال ورقة وخيالٍ محلق ، وفي هذه العجالة سنلقي الضوء على قصيدة (أُحِبُّكِ.. تَلْبَسُ لُغَتِي ).. عنوان هذه القصيدة يذكرنا بقصائد لنزار قباني (أحبك أحبك والبقية تأتي ) و(أحبك جداً ) (أحبّك أنت ) .
“أُحِبُّكِ” لهذه الكلمة تأثير خاص عند الشاعر مبروك السياري ، فإن لم يقلها صادقاً لحبيبته ،سَتُجرح عواطفه وسيشعر بالألم والحزن ، بل إن تأثير ذلك سينتقل للمحيط الخارجي ، فقد جف مداد السماء وسكتت ولم تعد تنطق مطراً وكأنها ارض جرداء تصحرت . … ولكن حين يقول “أُحِبُّكِ” تتبدل الحال فتهطل الأمطار، فيرتوي ويغتسل قلب الشاعر بغيث السماء ، سعادة وفرحا وارتياحاً واطمئناناً، ونتيجة لذلك.. ستنمو وتكبر سنابل “أُحِبُّكِ” وترتفع كفكرة ذهنية لمعت في فضاء متصحر جاف ، جاءت في وقتها المناسب .
أُحِبُّكِ.. تَلْبَسُ لُغَتِي
“أُحِبُّكِ”
تَجْرَحُ حَلْقِيَ إِنْ لَمْ أَقُلْهَا
وَ فَوْقِي تَجِفُّ السَّمَاءْ
“أُحِبُّكِ” هَا تُمْطِرُ الآنَ
كَيْفَ تَنْمُو “أُحِبُّكِ” لَيْلًا
كَمَا فِكْرَةٌ فِي العَرَاءْ
يكرر الشاعر في مطلع كل مقطع من مقاطع قصيدتة كلمة “أُحِبُّكِ” يأخذها الشاعر خلسة بكل خفة ورشاقة ، من فم مطر خفيف يقبل خد زهر الصحراء ، يعزو ويبرر الشاعر عدم بوحه “أُحِبُّكِ” لإمساكها وحبسها في فمه ، كي لا تجفف الشمس حلاوتها و تفقدها طلاوتها وأناقتها ، وهي تتجول وتطوف على خد حبيبته .بكل كبرياء وتباهٍ ولهفة ، كي تكون قبلة اللقاء حارة وصادقة .
“أُحِبُّكِ”
أَسْرِقُهَا مِنْ فَمِ الطَّلِّ
يَلْثُمُ زَهْرَ البَرَارِي
فَإِنْ لَمْ أَقُلْهَا
فَذَاكَ لِأَنِّيَ أَحْبِسُهَا فِي فَمِي
لَمْ أَشَأْ أَنْ تُجَفِّفَهَا الشَّمْسُ
وَهْيَ تَطُوفُ عَلَى وِجْنَتَيْكِ
وَ تَخْتَالُ فِي لَهَفٍ
كَيْ تُقَبِّلَ خَدَّ اللِّقَاءْ
“أُحِبُّكِ”..
يعبر الشاعر في المقطع التالي عن مدى حبه وعشقه لحبيبته ،فيقول هذا دمي حبيبتي .. اعطى للقمر (المتعبد المتبتل ) حمرته …
هذه الاختلاجات الموحية تزيد من التهاب الحب عند الشاعر …. نجدها في شعر الرومانسيين من العصر الجاهلي حتي شعراء العصر الحدیث:
“أُحِبُّكِ”.. هَذَا دَمِي
يَهَبُ القَمَرَ المُتَبَتِّلَ حُمْرَتَهُ
وَ دَوَاتِيَ تِلْكَ
تُتَرْجِمُ مَا وَشْوَشَتْهُ طُفُولَةُ أَجْنِحَةٍ
لِلْفَضَاءْ
مرة أخرى يبرر الشاعر .. لماذا لم يقل لحبيبته أحبك ؟، لأنه مشغولاً ومغرما بها عن سواها ، فيعبر بكل رهافة وشغف عن حبه لها ، على طريقته الخاصة ، بالمسح على كفيها كي ترقد بأمان .. في إشارة لصدقه واهتمامه ، وتدليله الذي وصل به حد الهيام والوله ،لكي ترقد بأمان واطمئنان..
“أُحِبُّكِ” إِنْ لَمْ أَقُلْهَا
فَذَاكَ لِأَنِّي انْشَغَلْتُ بِهَا
إِذْ تُمَسِّحُ كَفِّي عَلَى رِيشِهَا
كَيْ تَنَامَ
يخاطب الشاعر حبيبته قائلا : -(مِثْلَ سُنُونُوَّةٍ فِي الشِّتَاءْ ) في إشارة لرقتها وجمالها وإنوثتها وتواضعها .
ثم يقول :- ( “أُحِبُّكِ”.. أُلْبِسُهَا لُغَتِي ) هذا الحب تداخل واختلط في كياني ، فألبسته وغطيته بثوب خرير لغتي .فلم أعد أجيد إلا لغة الحب والشوق …التي رصدتها ولاحظتها وهي تتوارى وتختفي في عروقي:انها الترياق والعلاج لروحي .
“أُحِبُّكِ”
مِثْلَ سُنُونُوَّةٍ فِي الشِّتَاءْ
“أُحِبُّكِ”.. أُلْبِسُهَا لُغَتِي
وَ أُرَاقِبُهَا تَخْتَفِي فِي عُرُوقِي
كَأَنَّ “أُحِبُّكِ”
منْ أَسبرين وَمَاءْ
نلحظ أن الشاعر مبروك السياري مشبع بالنزعة الوجدانية ، ويمكن اعتبار (أُحِبُّكِ.. تَلْبَسُ لُغَتِي)..شحنة دافقة من الحس الداخلي الوجداني، نص يمارس الشاعر من خلاله طقوس عشق خاصة به ، بهمس آسر مخترقاً عطر اللغة بضوء العشق متكئاً على مفردات خاصة عن الحب يخالجه بكل تجلياته .
اهنئ الشاعر المبدع “مبروك السياري” على هذا النص الرقيق ، متمنياً له مستقبلا شعرياً زاهياً وواعداً ، مع خالص المحبة والتقدير لحرفك وإبداعك .