|
عرار:
لا يخلو أسبوع في روزنامة البحرين من فعالية ثقافية أو فنية، فأينما توليّ وجهك شطر المنامة وضواحيها النابضة، ثمة معرض أو مهرجان أو أمسية أو عرض مسرحي أو سينمائي، حيث يعكس هذا المشهد المزدحم تاريخًا مستمرًا من النَّشاط الحي، والمحيي للساحة الثقافية والفنية في البحرين. في قلب العاصمة، مسرح وطني يضم ألف مقعد ومقعد على غرار ألف ليلة وليلة، فحتى اختيار عدد المقاعد له قصة ببلد المليون نخلة، وهي كناية عن حجمه الكبير الذي يعد من بين أكبر المسارح في الوطن العربي، حيث لا تهدأ خشبة المسرح والصالة الثقافية من "البروفات" والعروض المستمرة للمبدعين البحرينيين بمختلف حقول الفن، وآخرها أمسية الاحتفاء بالفنان القدير خالد الشيخ، الذي لم يستطع حبس دموعه عند أدائه وصلة غنائية، ألهبت ضيوف الحفل وانتشر هذا المقطع بشكل كبير بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي. أما الأسواق الشعبية القديمة فإنها الشاهدة على تاريخ وتراث الوطن، لأنها تحمل ذاكرة المكان لمن يفد سائحًا أو زائرًا، لا يتوه في زواريب الأزقة الضيقة بسوق المنامة أو سوق المحرق، وإنما يجذبه شغف الاستكشاف لركن بهارات السوق ومحلات الأقمشة القديمة والعطورات والذهب والحلويات التي تمثل دمغة الصناعة الوطنية ثم استراحة بسيطة بمقهى شعبي يرتاده كبار السن والمتقاعدين تدويّ فيه ضحكاتهم وتشيع البهجة. المنامة ليست عاصمة إدارية للبحرين فحسب وإنما ميناء حضارات وثقافات، كانت ترسو فيها سفن التجارة من طريق الحرير، وتنقل للبلد المتنوع بمختلف مكوناته الاجتماعية والثقافية والدينية ثقافات متنوعة من مختلف البلدان. معرض الرياض أُسدل ستار معرض الرياض الدولي للكتاب 2019، الذي أُقيم تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والذي يحمل شعار "الكتاب بوابة المستقبل"، بمشاركة مملكة البحرين كضيف شرف لهذا العام. وتعكس هذه المشاركة وسط نحو 913 دار نشر ومؤسسة ونص مليون عنوان كتاب ومليون زائر، وأكثر من 80 فعالية ثقافية، حضور البحرين في قلب المشهد الثقافي العربي. بذور الثقافة سيرة البحرين في المضمار الثقافي مستمرة منذ عقودٍ طويلة، قٌبيل تأسيسها كدولة حديثة، حيث تمكنت من التأثير في النماء الثقافي خلال العقدين الأولين من القرن العشرين، بتأسيسها أندية ثقافية وكانت البحرين أول دولة خليجية تستقبل الفن من خلال تضمين مقررات للتوعية الثقافية والفنية منذ بدء التعليم النظامي في 1919، الذي تحتفل هذ العام بمأويته، وأول من فتح مسرح السينما في 1937، بالإضافة إلى إصدار البحرين أول مجلة شهرية أدبية اجتماعية وهي صوت البحرين في العام 1950، وأول صحيفة ثقافية في الخليج العربي "صحيفة الخميلة" في العام 1952، وهي جريدة أسبوعية أدبية فنية، مما يعد هذا أبرز ما يُضاف إلى سلسلة الإنجازات الثقافية التاريخية في البحرين. وبدأ الحراك الثقافي في البحرين منذ فجر النهضة، بتأسيس أسرة الأدباء والكتاب في 1969، الذي يحتفل هذا العام بيوبيله الذهبي، مرورًا بتأسيس عددًا من الجمعيات المهتمة بالثقافة والأدب والفن، التي أصدرت بدورها بعض الصحف والمجلات ذات توجهاتٍ مختلفة، وحتى رئاسة أديب البحرين المرحوم إبراهيم العريض لأول مجلس تأسيسي في العام 1972 الذي وضع دستور البحرين آنذاك. استدامة ويتجلى الاهتمام الحكومي بالحركة الثقافية من خلال استدامة تنظيم فعاليات ومعارض متنوعة كمعرض البحرين السنوي للفنون التَّشكيلية الذي انطلق منذ 45 عامًا، ومهرجان التراث السنوي الذي يُقام تحت رعاية ملكية منذ انطلاقته في العام 1992 إلى جانب مهرجان البحرين الدولي للموسيقى. هذا وبالإضافة إلى تنظيم معرض البحرين الدولي للكتاب كل عامين منذ 2001، وتنظيم مهرجان ثقافي موسمي تحت عنوان "ربيع الثقافة"، الذي يستضيف كوكبة من المثقفين والفنانين منذ العام 2005، علاوةً على تنظيم مهرجان صيف البحرين الذي يستدرج ملامح ثقافية من حول العالم على مختلف الأصعدة منذ العام 2008، ومهرجان "تاء الشباب" المستمر منذ 10 أعوامٍ، وهو ذلك المهرجان الشبابيّ الثقافيّ الذي يهتم بمختلف جوانب الثقافة والفنون. ساحة المفكرين ربيع الثقافة الذي تشهده ساحة البحرين الثقافية والفنية خلال الوقت الراهن، يحرص كل عام على تصميم جدوله، ليضم برامج شيقة مع نخبة من الفنانين الرُّواد من مختلف دول العالم، ويشمل مختلف المجالات والأنشطة الثقافية والفنية من ندوات وورش تتميز بمخرجات وأفكار نيرة في الشأن الثقافي، وكذلك أحدث العروض الفنية التفاعلية التي تعكس ثقافات متعددة وحضارات مختلفة، وأمسيات شعرية، ومعارضٌ فنية متنوعة، ومكتبة ثقافية فنية شاملة، تسلط الضوء على تراث البحرين ومعالمه الفريدة. مملكة البحرين وهي تحتضن "ربيع الثقافة" فإنها تؤكد وتجدد حرصها على إقامة فعالياتٍ جاذبة لعاشقي المسرح، ومحبي الغناء والموسيقى التي تعد لغة الشعوب، مما له بالغ الأثر في كسب الجماهير ودمج الثقافات، لتحظى بحضورٍ واسع من المواطنين والمقيمين من الجاليات الأجنبية والسياح، لتصبح البحرين في هذا الوقت بالذات ، ساحة جميلة تلاقت فيه الحضارات، وأجمعت أفكار المثقفين، وابدعت انامل الفانين، عبر "ربيع الثقافة" ذو 14 ربيعاً من عمره المديد، ليثت أن مملكة البحرين، كانت وما زالت الحاضنة المميزة، والملجأ الجميل لمختلف الحضارات والشعوب. "منامة القصيبي" مهرجان ربيع الثقافة الرابع عشر، لم ينسى ذلك الرحل الكبير الذي كانت له صولات وجولات في الساحة الثقافية، المحلية كانت أم الإقليمية والعربية، وهو غازي القصيبي رحمه الله، حيث خلد المشروع اسم الراحل الكبير من خلال "منامة القصيبي" الذي افتتح مؤخراً، بدعمٍ من مؤسسة الوليد للإنسانية، والتي يرأس مجلس أمنائها صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، وهو صرح ثقافيّ يسرد حياة الشاعر والسفير والوزير والإصلاحي الراحل غازي القصيبي، ويعكس الإرث الفكري لتلك الشخصية السعودية التي عُرف عنها حبها الجمّ للبحرين، وذلك استمرارًا لما أزهر به المهرجان في العام 2006 من افتتاح بيت الشعر في المنامة والذي يتفرع عن مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث. دعم الشارقة وفي هذا السياق، وإيمانًا بكفاءة الفرق المسرحية البحرينية، حُظِي مهرجان أوال المسرحي الذي يشرف على تنظيمه اتحاد جمعيات المسرحيين في البحرين بمبادرة كريمة من "شيخ الثقافة" صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، وبدعمٍ من هيئة الثقافة والآثار في مملكة البحرين، وهذا ما يدل على مدى الاهتمام بالحركة الثقافية والاقتناع بقدرات النخب البحرينية. جزر حوار هذا وبلا شك فإن مملكة البحرين مستمرة في جهودها لزيادة رصيد مشاريع مملكة البحرين المُسجلة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، كجزر حوار التي تمتلك مقومات تؤهلها لتكون موقعًا طبيعيًّا هامًّا على مستوى دول العالم، ذلك تعزيزًا لمكانة البحرين كبلد حريص على التراث الثقافي والطبيعي، ذلك بعد أن سُجِل موقع قلعة البحرين الأثري وموقع طريق اللؤلؤ على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو". حاصدة "الثقافة" إن ما تشهده مملكة البحرين من فعاليات ثقافية وفنية دائمة ومتنوعة، وجاذبة لكل الثقافات والحضارات، جاء بفضل ما تتميز به المملكة من تاريخ عريق، وحضارة غنية تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، ذلك التاريخ المشرق جعل من البحرين، مركزاً للإشعاع الثقافي والفكري، وواحة للتسامح والتعايش بين جميع الثقافات والأديان،وبلداً منفتحاً على الحضارات الإنسانية والثقافات المتنوعة ، بإسهاماتها المعاصرة في إرساء السلام الإقليمي والدولي، وحماية التراث الثقافي والحضاري الإنساني، لذلك كانت البحرين ولا تزال حاصدة للثقافة والفنون، وملتقى للمثقفين والمفكرين من شتى بقاع الأرض، الذين اختاروا البحرين ليحصدوا فيها ثمار فكرهم وفنهم، فتلاقت أفكارهم واندمجت في أرض "أوال" الساحرة. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 12-04-2019 12:04 صباحا
الزوار: 1166 التعليقات: 0
|