جديد الأخبار
عرار العرب ولكل
العرب
"التبراع " في الشعر الحساني..إبداع المرأة ووسيلتها للبوح .. بقلم مناته بنت محمد حيدرة " الشعر مرآة المجتمع" والشاعر صورة لنفسه ومجتمعه , من هنا كان الأدب الحساني منذ نشأته الأولى وسيلة من وسائل التعبير واستغلال الكلمة في شتى صنوف الحياة , فترك الشعراء الحسانيون بعطاءاتهم بصمة خالدة وصورة ثلاثية الأبعاد عن طبيعة العصر الذي نبغوا فيه , تحدثوا عن العادات والتقاليد , عن الأعراف والأخلاقيات , تغزلوا ووصفوا ووجهوا كل من موقعه وانطلاقا من منظومته المعرفية والإجتماعية فجسدوا أوجه الاختلاف في الثقافة الحسانية التي تتغير من جهة لأخرى ومن مكان لآخر وقد ظلت المرأة الموريتانية بطبيعتها المحتشمة وخجلها الفطري رهينة قيود مجتمع لا يترك لها فسحة للتعبير عن خلجات نفسها عن أفراحها وأتراحها , بل يزيد في تضييق الخناق على عواطفها درجة لا يمكن معها الكشف عن محبوبها , قبل أن يطلع الشعر الحساني هنا بدور تاريخي في كسر تلك القيود وتحطيم تلك التابوهات الاجتماعية فاتحا لها نافذة مشرعة لتقول ما تريد أن تقوله فكان " التبراع" وسيلتها الأولى لفعل ذلك ... إنه فن "الثورة" النسائية في وجه المجتمع وقيوده
مجلة عاشقة الصحراء
عرار للتراث الشعبي العربي والعلاج بالاعشاب" البرية"::
مجلة المبدعون العرب التي تعنى بقضايا
التربية والتعليم والثقافة::
وكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية
تقول إحداهن :
باطن ذي الزيره * كط ابياظتل لمريره
هنا يظهر كم تجشمت شاعرتنا من عناء لتقول هذه "التبريعة" التي اختزلت فيها كل رسائل الحب لذلك المكان_" باطن ذي الزيره" _ المكان الذي جمعها مع الحبيب أياما لا تنسى حيث تركت على أرصفة الطريق إليه أجمل ذكرياتها
وتثور أخرى في وجه ذلك الصمت المطبق الذي فرضه عليها مجتمعها لتقول :
فات بعد أيام * يا سعد الجاهم من قدام
وكأنها تسترجع ذاكرتها لتفرض عليها التوقف عند لحظة زمنية معينة هي لحظة الإنصياع لسلطان الحب _( فات بعد أيام) , تلك الأيام التي لم تفارق بال عاشقتنا المهووسة بماضيها
يأخذ " التبراع" كأحد فنون الشعر الحساني الخاصة بالمرأة الموريتانية شكلا مغايرا لكل أشكال وأنماط الأدب الحساني الأخرى , فهو يعتمد في نظمه على شطرين فقط أي " تافلويتين " في قاموس الشعراء الحسانيين , ويشترط أن تكون الأولى منهما من خمسة متحركين بينما تكون الثانية من ثمانية , حتى أن البعض يقول بأنه مزيج بين بت " حثو اجراد " وبت " لبتيت التام " وهما بحران شعريان يتميز بها الأدب الحساني
كما يشترط في أن يصدر إبداعه من امرأة حتى يسمى "تبراع" لأنه بقي دون غيره من أنماط الشعر الحساني خاصا بالمرأة الموريتانية التي تتخذ منه وسيلة للتعبير والبوح عن أسرار نفسها وكأنها تريد أن تقفز على أسوار عالية وضعت أمامها بحكم المنظومة التي تعيش وتتعايش فيها
وبين هذا وذاك يظل " التبراع" أجمل فنون الشعر الحساني لما يتركه في نفس المتلقي من مسحة إبداعية تطرب لها النفس وتسعد بها , ومتنفسا شعريا للمرأة الموريتانية تبوح فيه بما يحلوا لها وهي لائذة بسلطان الشعر ومحتمية به من كل صنوف التضييق عليها