وفي إطار ما يمكن وصفه بحالة من الشد والجذب والمد والجز، خرجت رئاسة الوزراء عن صمتها وردت على ما تضمنه كتاب الشاعر حيدر محمود من عتب يشي بأن ابنه المستشار في رئاسة الوزراء لم يجدد له في إطار تصفية حسابات ضيقة. وقالت إن نجل الشاعر متهم بالتسيب والإهمال وتجاوز النظام وعدم أداء الواجبات الموكولة إليه، والتغيب عن العمل والسفر دون موافقة أو إذن مسبق.

محمود، كان قد نشر مساء الخميس كتاباً بخط يده، موجهاً إلى رئيس الحكومة هاني الملقي، يبدي فيه أسفه وعتبه على قرار عدم التجديد لابنه مستشاراً في رئاسة الوزراء. قائلاً: "شكراً للدولة التي تعين ابن الرئيس وتطرد ابن شاعرها"! وقد بدا للمتابع من اللغة التي استخدمها الشاعر محمود، وما تضمنته من إيحاءات ومضامين رمزية، كالتذكير "بأنه كان وما يزال مشروع شهيد"، أن قرار إبعاد ابنه عن منصبه الوظيفي في الرئاسة، جاء في إطار تصفية حسابات، وليس ممارسة إدارية تخضع للنظام وقانون العمل.

هذه اللغة، المفعمة بالعاطفة والكثير من الرمزية والمعاني المبطنة، التي استخدمها الشاعر محمود، بطريقة تخلو من البروتوكول الرسمي لرجل بمكانته يشغل منصب "عين"، استفزت على ما يبدو الرئيس الملقي، وبوقت قياسي، صدر بيان يحمل توقيع جهات أسمت نفسها بـ "مصادر قريبة من رئاسة الوزراء" فندت أسباب عدم تجديد العقد لنجل الشاعر حيدر محمود، وتوعدت بعدم الرضوخ لما وصفته بـ "ابتزاز الشعراء" ومتوعدة بالمضي في الإجراءات القانونية بحق الموظف المقال، بما في ذلك تحويل ملفه إلى دائرة النزاهة ومكافحة الفساد، لاستعادة كل الرواتب التي دفعت له دون وجه حق.

الرد الذي يرجح أنه خرج من الدائرة الضيقة المحسوبة على الرئيس الملقي، تضمن لغة صادمة وخارجة عن المألوف، تظهر الكثير من صور الفساد المزمن والمتراكم. فالموظف محل القضية الخلافية الذي يشغل منصباً رفيعاً وسيادياً في رئاسة الوزراء، إلا أنه لا يمتثل للنظام، ولا يلتزم بالدوام الرسمي، ويتغيب في سفريات خاصة خارج الدولة دون الحصول على إذن مسبق أو موافقة رسمية!

وجاء في الرد أيضاً "إنه من المؤسف أن يقوم عضو مجلس أعيان بمخاطبة الحكومة بهذه الطريقة وهو الذي يعلم أحقيّة إجراءاتها. إن هذا الموظف (نجل حيدر محمود) لم يداوم منذ أشهر طويلة بل سنوات، حتى أن أصغر موظف في رئاسة الوزراء يعلم ذلك، وهي فضيحة وعار على الدولة أن تستمر بالسكوت على هذا الأمر".

وأضاف أنه "عندما كان يطلب من هذا الموظف القيام بمهام وظيفيّة كان لا يأتي إلى الدوام ولا ينفذ ما يطلب منه. كما أنه تواجد خارج البلاد لفترات طويلة ولم يأخذ موافقة على السفر ولم يداوم".

الرد توعد بإحضار سجل الأيام التي تواجد فيها هذا الموظف خارج المملكة من الإقامة والحدود ونشر ذلك للعموم. كما توعد بتحويل ملفه إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من أجل تحصيل كافة الرواتب التي تقاضاها وهو لا يعمل.

المصادر التي أطلقت على نفسها "قريبة من رئاسة الوزراء" والتي صاغت الرد على خطاب الشاعر حيدر محمود، شددت على أنه "كان الأحرى بسعادة العين أن ينصح نجله بالالتزام بالدوام وألا يلوّث تاريخ والده ومساهماته الشعرية".

وأكدت أنه جرت في الفترة الأخيرة محاولات عديدة للطلب من هذا المستشار الحضور إلى رئاسة الوزراء لتوقيع عقده الذي كان يتضمن شرطا إلزاميا بالدوام إلا أنه أبى أن يحضر ورفض محاولات عديدة لذلك، حتى أنه طلب أن يرسل العقد الى بيته لتوقيعه وبعد ذلك تم سحب سيارته ذات النمرة الحمراء من أمام منزله ولم يتم تجديد عقده.

ووصفت المصادر قرار عدم التجديد لهذا الموظف بأنها من أنظف القرارات التي اتخذتها هذه الحكومة. وختمت بيانها بالتأكيد على أن "الحكومة لن تخضع لابتزاز الشعراء".

وكان خطاب الشاعر قد لاقى صدى واسعاً بين متابعي المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، وبينما أبدى البعض تعاطفه مع الشاعر، فإن الغالبية العظمى من التعليقات رأت أن لا الشاعر ولا رئيس الحكومة يرتبطان بهموم المواطن البسيط الذي يقضي عمره بانتظار قرار تعيين من ديوان الخدمة المدنية براتب زهيد لا يتجاوز 300 دينار.

وكتبت (ع. الخوالدة) تقول: "هذا الشاعر معروف، إن لم ينل غايته ارتد كما فعل مرة"، أما (أ. القضاة) فقال: "عذر الحكومة مثل عذر المومس، فقانون الخدمة المدنية ينص على أن من يتغيب عن العمل 10 أيام يفصل من وظيفته، فلماذا لم تطبق الحكومة القانون على هذا الشخص أسوة بغيره من الموظفين؟". بينما علق (أ.عنانبه) على ذلك بقوله: "وزارات البلد سايبه والشاطر اللي يستقوي عليها وينهش لحمها".

أما (م.دحابرة) فقال: "فهمونا شوي يعني مستشار .. مستشار في ماذا ... والا فيه ناس مفروض تتعين بالوظيفه وتموت فيها .. وتأخذ رواتب عمال على بطال ... بعدين رئيس الحكومه حقه ينظف الناس اللي ما منهم فايده ... ويعين اللي بشوفه مناسب... لما بيجي غيره .. يعمل زيه .. تغيير دماء يعني .... ترامب عين بنته وزوجها في البيت الابيض ... وطرد كل اللي مش عاجبينه من وظائفهم ... ما حدا اعترض ... البلد خربانه .. وقرفنا من الجميع ... عندي عشرين مشكله ... تم اتخاذ قرارات خاطئه فيها من القضاء ومن الحكومه .... عمري ما تنازلت .. اشتكي من اجراء ... انا عندي كرامه ... وفيه ناس كثير عندهم كرامه .... بس يأتي الوقت المناسب .. بتصرّف ."

وعلق (م.العمري) بالقول: "كلكم حيتان، والله ما في حدا طاهر بهاي البلد، الشاطر بده يهبر، والضايع هو اللي مالو حدا". فيما قال (ص. القاضي) بلغة تهكمية مخاطباً الشاعر حيدر محمود: "ابنه أبدى من ابنك بالوظيفة".

يشار إلى أن الرئيس هاني الملقي يواجه عاصفة حادة من النقد الذي يوجهه له خصوم سياسيين وحزبيين من خلفيات مختلفة، كما أنه في الوقت ذاته يواجه سخطاً شعبياً متزايداً بسبب السياسات المالية غير الشعبوية التي اتخذها تحت وطأة املاءات وصفة التصحيح الاقتصادي الصادرة عن البنك الدولي. وقبل أيام قليلة، نشر موقع إخباري ذائع الصيت مقالة تنبأ فيها الكاتب أن يواجه الملقي قريباً مصيراً يشبه مصير دولة عبدالكريم الكباريتي، وأن يصبح طي النسيان، في إطار ما قالت المقالة إنه برود ملكي تجاه شخص الملقي الذي وصفته المقالة بأنه "متعال" على العامة والجمهور، ولا يحسن الاحتكاك مع الجمهور، واصفة إياه بأنه يغسل يديه سبع مرات في اليوم بعد أي مصافحة!