وأشار الشلبي إلى أن هيكل هو "الهرم الرابع"، الذي رحل في العام 2016، ما زال يؤثر في الحياة الفكرية المصرية والعربية، ليس بصفته إعلاميا وسياسيا بل بصفته "شاهدا على التاريخ"، الذي راقبه، ووصفه عبر كتاباتها السياسية والتاريخية المتمثلة بـ"إيران فوق بركان"، "الطريق إلى رمضان"، "وثائق القاهرة"، "ملفات السويس"، "خريف الغضب"، "رحلة إلى آسيا"، "زيارة للتاريخ"، مبينا أن كل هذه الكتب تؤكد ما كان يقوله هيكل عن نفسه بالقول "كل ما حاولت إعطاءه بانوراما تاريخية لمرحلة عشتها بنفسي مدعمة بالوثائق".
ورأى الشلبي أن المؤلفة عفراء الفتلاوي في دراستها توصلت إلى "15"، نتيجة تستحق النظر والتأمل لفهم حقيقة هذا الرجل الذي أشبع العالم بأفكاره وآرائه العميقة والمؤثرة والتنبؤية في أغلبها، إذ ختمت المؤلفة دراستها المدعمة بكل مواصفات البحث العلمي العميق والبسيطة بالقول "لقد بدأ هيكل صحفيا وأصبح سياسيا ثم إستراتيجيا، فمؤرخا (...)، كتابات هيكل ليست قصة تروى عن الماضي، وإنما قصة في صنع المستقبل؛ وهذا هو الفارق بين هيكل والمؤرخين الذين سبقوه والذين جاءوا من بعده".
وأشارت المؤلفة إلى طرح هيكل على نفسه أسئلة مؤرقة ما فتئت تتردد لعل باعثها الرئيس هو رداءة الحاضر وفشل محاولات النهوض، إذ حاول طرح مادة جديدة للنهوض العربي في محاولة لفهم ووعي أسباب قصور المجتمع العربي، والعجز عن إنجاز الوحدة العربية، عازيا ذلك إلى التجزئة وعدم الشعور بالمسؤولية، والتضحية بالمصالح الوطنية والقومية إلا من خلال المصالح الخاصة، فقد رسم هيكل وباتقان الخطوط العامة والخاصة لأيديولوجية عربية مصرية تخدم الشعب وتنقذه من مأساويته التاريخية، على أمل أن يبدأ الشعب العرب بممارسة دوره الحقيقي بكل حرية وذلك من خلال فهم الحدث التاريخي وعلاقته بالحاضر والمستقبل.
وقالت عبدالفتلاوي إنها التزمت بهذا الكتاب بالمنهج الموضوعي أسلوبا في الكتابة مع الالتزام بالتسلسل الزمني قدر الإمكان، وحرصت في الفصل الرابع من الدراسة على إدراج جميع مؤلفات هيكل وحسب التسلسل الزمني لإصدار هذه المؤلفات حرصا منها على وحدة الموضوع وطبيعة الدراسة، وقد اقتضت الضرورة تقسيم البحث إلى تمهيد وأربعة فصول وخاتمة، حيث تضمن التمهيد "قراءة في تحولات الوعي لمفهوم التاريخ ومكانة المؤرخ في العصر الحديث في المجال العربي والعالمي".
وبينت المؤلفة أن الفصل الأول ركز على التكوين والمؤثرات التي ساهمت في تكوين شخصية هيكل منذ البدايات الأولى لمراحل حياته، مرورا بالولادة والنشأة والتعليم، ويضم هذا الفصل خمسة مباحث أولها مراحل حياته، والثاني هيكل في العهد الملكي، والثالث هيل في العهد الجمهوري، والرابع العهد الجمهوري الثاني، وتحولات هيكل في الكتابة السياسية، وكتاباته التاريخية في المرحلة الصحفية، وفي المبحث الخامس فكان عن العهد الجمهوري الثالث.
فيما تناول الفصل الثاني مميزات الكتابة التاريخية عند هيكل، من خلال مجموعة من المباحث، الأول يستهدف المفهوم والأسس والمحتوى التاريخي عند هيكل، والثاني يتضمن دراسة في مفهوم التاريخ عند هيكل، مع دراسة الأسس التاريخية في كتاباته، والمبحث الثالث هو بحث في هيكل المؤرخ وأخلاقيات الكتابة التاريخية ومهام المؤرخ، أما المبحث الرابع فهو يتحدث يتناول الكتابات السياسية بين الأسلوب الصحفي والأسلوب التاريخي في كتابات هيكل، والمبحث الخامس درس النقد التاريخي المعرفي في كتابات هيكل من حيث النقد والاستقراء التاريخي وتحليل النصوص.
أما الفصل الثالث فيتضمن آليات الكتابة التاريخية عند هيكل، من خلال البحث في الكتابة الوثائقية المنشورة وغير المنشورة العربية والأجنبية، وكذلك توظيف مقابلاته الشخصية والحوارات والرحلات والتي كانت توثيقا حيا لأحداث مهمة دونها هيكل في كتاباته.
وأشارت عبد الفتلاوي إلى أن الكتاب اعتمد على عدد من الوثائق المنشورة وغير المنشورة التي استطاعت الحصول عليها من أرشيف جريدة الأهرام، وكذلك عن طريق المكتبة المركزية في جامع القاهرة، ومكتبة كلية الآداب في الجامعة نفسها، وبعض المكتبات العامة والخاصة ودور النشر في القاهرة وقد اعتمدت على كتب هيكل التي ألفها خلال حياته، فكانت رافدا أساسيا في الدراسة إذ قامت بتجميعها وتحليلها. واستطاعت إجراء مجموعة لقاءات موسعة عن شخصية هيكل والتي عاصرها مدة من الزمن.
وأضافت أنها اعتمدت في هذه الدراسة أيضا على عدد من المصادر العربية التي تناولت بالدراسة والتحليل نتاج هيكل، كان من أبرزها كتاب المؤلف سيار الجميل المعنون "تفكيك هيكل"، مكاشفات نقدية في إشكاليات هيكل، والمطبوع في المملكة الأردنية الهاشمية في العام 2000، والذي يعد من أهم الكتب التي انتقدت أسلوب هيكل بشكل واسع، وقد تضمن الكتاب عرضا شاملا لطبيعة العلاقة بين الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وهيكل وفق المشروع القومي بينهما، فضلا عن انتقادات واسعة لهيكل في قراءته لتفسير التاريخ، وإشارة نقدية كبيرة لطبيعة كتابات هيكل الصحفية.