لمحة عن كتاب المجموعة القصصية «النساء لا يفعلن ذلك»
عرار:
سليم النجار بدت التجربة القصصيّة لغزلان تواتي كعالَم قصصي متعدد الأصوات، ومتنوع الرؤى والأفكار، ومشتبك القضايا والموضوعات الاجتماعية. تقدّم المجموعة القصصية «النساء لا يفعلن ذلك» الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع-عمان- 2022 عنفوان الحياة القصصيّة وأفكار حارّة من أزمنة الناس وفضاءاتهم المعيشيّة، وتحتفي غزلان بتفاصيل الحياة اليوميّة بعيدًا عن النزعة الأخلاقية والدراما الرومانسية. لجأت القاصّة إلى البساطة، بساطة القصّة لا بساطة الواقع، بساطة السرد القصصي لا بساطة اللقطة الاجتماعية، بساطة الصياغة. غزلان ساردة متعدّدة ومتحوّلة، فهي في قصص مثل «القضية 311» ليست ساردة تقليدية، فلم تكن تبحث عن لقطة قصصيّة فارقة، بل سعت إلى تقديم صورة إنسانية درامية تستحق الالتفاتة، خاصّة أنها تطرح قضية تثير الاستغراب، كما أنّ اللافت في القصة، أنّ القاصة قدّمت المشهد الدرامي كما هو، دون تدخل قسري منها. «هكذا استمر في تحريك لسانه وتأكيد أدلّته، بذل الجهد لساعتين كاملتين مؤكدًا أنّ القاضي قد سئم منه لحظة، فرفع قليلًا صوته طالبًا منه الاختصار». وهناك نمط آخر يفتح أمام القارئ رحاب الفكر والتأمل، حيث يتمحور السرد في الغالب حول شخصية أساسية تعاني الوجود وتتراوح بين الاستسلام والرفض واستنباط الأسئلة، حيث جاء في القصة: «هناك ممّا يجنونه من قراءة القرآن، في المآتم أو ربما في بعض المناسبات السعيدة، لم يكن حظه أن تختاره العائلة للقيام بهذه المهمة العظيمة، أفضل من حظّه في تسجيل اسمه وتاريخ ميلاده». تمثّل قصة «العسل المُرّ» منظورًا لسارّة بصرية ترصد ثلاث مستويات تتجاور في النص أو تتداخل بحسب السياق، وهذه المستويات هي: مستوى الرؤية البصرية، والذي يرصد الفضاء القصصي، «تلك، لربمّا صورتها، لربّما فرحت بها»، ومستوى الرؤية الذهنية، «لكنّها في تلك الحال قطرة لا معنى لها»، ومستوى الانفعال والمسكوت عنه، «لا داعي للقسوة، تعرفين أنّي أحبّك، ولا أعني ما قلته قبلًا، ردّت كأن الأمر لا يعنيها: قبل قليل كنتُ مثل أمي بلا شرف، والآن أصبحت حبيتك، وتحبني!» وفي قصة «أصبحت امرأة»، تتبدّل مستويات السرد وتتداخل الأفكار بشكل تساؤلي، وكأننا أمام مشهد مسرحي مكتمل العناصر، مخرج وكاتب نص، وفضاء مسرحي مفتوح على اتساعها للسماح لأكبر قدر من المشاهدين بالرؤية، ولعلّ توظيف هذه التقنية المسرحية، يضفي مشهدًا قصصيًا جميلًا، خاصّة أن العلاقة مع الفضاء المسرحي والجمهور، علاقة غير تقليدية، ويُخرِج القصة من عوالمها التقليدية على صعيدي النص والتلقي، يجعلنا نضع القصة في سياقها التمثيلي لروح العصر. «تدخّل الناس، كَثرُ اللغط، لا أحد يسمع أحدًا، ولا حتى نفسه، «إنهنّ النساء لولا وجودهنّ ما حدثت الفتن» عبَرت هذه الكلمات حنجرة من يمتلك صوتًا أعلى، هو الآخر لم يسمعه أحد، لم يسمع نفسه» نظرًا لكون الكتابة القصصية عند غزلان تواتي هي في الغالب، سَفرٌ نحو العوالم السفلى من المجتمع وتوغلٌ في تناقضاتها ومفارقاتها الصادمة، فقد اختارت قصة «اللّقاء» لسرد رؤية الشخصية التي يتم من خلالها تحريك الفعل وخلقه، وقيادته نحو القيمة الفنيّة والمعرفيّة، والتي تتجلى من خلال القصة. كما لجأت القاصة لرسم صورة شخصية متخفيّة، لكنها في الأخير هي شخصيّة، مع فارق التصنيف إن كانت ثانويّة أو رئيسيّة، لها حيّز محدود في القصة أو مفتوح، وفي كل الحالات هي شخصية لها الحضور الذي أن يكون أو لا يكون من خلالها النص القصصي، وقد استطاعت القاصّة توظيف الشخصية كفرد خيالي، أو كدور يؤدّيه المؤدي، «شهرزاد هههه هي بالحكايات، وأنتِ بالصّابون». تنفتح القاصّة غزلان تواتي في قصتها «الحورية» على السيرة الذاتيّة والمذكّرات، ومن نافلة القول أنّ مسألة تداخل الأجناس الأدبية تعد من أهم العقبات التي تواجه الناقد والباحث في مفهوم المذكرات الشخصيّة، فأدب السيرة الذاتية يعد شكلًا من أشكال الإبداع الأدبي الواقعي والخيالي للأدباء، والقائم على الحكي الاستعادي النثري، حيث يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، ويركّز من خلاله على حياته الفرديّة وتاريخ شخصيته، والقاصة في هذه القصة استخدمت السيرة الذاتية التي تتخذ شكل المذكرات الشخصية، «كانت تؤكّد ما قالته لها صديقتها ليلى قبل أعوام، الكلام الذي أحسّته وقتها لا منطقيًا، بل ضربٌ من الجنون»، كما لجأت القاصّة في تدوين كل ما رُوي ودُوّن من وقائع إلى المذكّرات الشخصية، «سرعان ما تتخلّص من هواجسها بتذكّر كلامها مع إسماعيل وهو يردّد: أنت حورية كحور الجنة، كلّما تعبُر مكتبها متجهة نحوه أثناء زياراته الشهرية قبل الخطوبة».