الكتب والمؤلفات التي تبحث في الجمال والسعادة والفرح، هي بمثابة رفض لتمدد القبح وسيادة الحزن، خاصة في العصر الراهن الذي يشهد الكثير من المتغيرات، ويعاني البشر فيه الوحدة، وتتفشى في أفقه الصراعات والمشاكل، لتأتي تلك الكتابة المفعمة بالأمل لتكون بمثابة بلسم من أوجاع العصر. وفي هذا السياق يأتي كتاب «كونوا بخير... نظرة مختلفة في النفس والناس والوطن»، للدكتور عبد الرحيم إسماعيل الزرعوني، الصادر عن الدار العربية للعلوم- ناشرون. الكتاب من المؤلفات التي تغوص عميقاً في النفس البشرية، وتمارس فعل التأمل في الوجود والحياة والمخلوقات من أجل التوصل إلى المعنى الكامن في الأشياء، وكيفية مجابهة ومواجهة صعاب الحياة في أزمنة متبدلة ومتغيرة، حيث انسحبت الكثير من القيم، وحلت مكانها أخرى، وصارت الأوجاع هي العنوان العريض في عصر الصراع والحروب التي أثقلت كاهل الفرد، فالناس في الوقت الراهن يعيشون في انعزال عن بعضهم، بسبب انشغالهم بمواجهة أعباء الحياة اليومية، وذلك الأمر له تأثيره الكبير في الإنسان وعلاقته الاجتماعية بطبيعة الحال.
ويحمل الكتاب رؤية فكرية للمؤلف، تعبر عن تنقيبه عن كيفية العيش بسعادة، حيث يشير الكاتب إلى أن مؤلفه هو عبارة عن «محاولة صادقة لاستكشاف الوجه الجميل من الحياة، ودعوة واعية لنظرة مختلفة في النفس والناس والوطن. حتى نجد للسلام الداخلي طريقاً إلى قلوبنا قبل أن نطلبه واقعاً في مجتمعاتنا وبين الدول والشعوب. هذه دعوة للتأمل، وإعادة التفكير، وإضافة الوعي إلى السلوك، وبناء الوطن على الحبّ والإخلاص والصدق والتسامح. دعوة إلى تحكيم العقل، ومراجعة المعتقدات، وتقييم المواقف، وسبر أغوار المشاعر الإنسانية بحثاً عن الحق والخير والجمال، بين ركام الفوضى ودخان الحروب، ونار الأحقاد»، ويقول الكاتب: «أنا أؤمن بأن الخير هو مكنون البشر وفطرتهم، وأن الوطن يزخر بالجمال. وما القبيح إلا عارض زائل أو غبش في عين الناظر». ويوضح المؤلف الأسباب التي دعته لإصدار الكتاب، بالقول: «هي شيء من صوت الرعود الصاخبة في فكري وشرر يتطاير من اصطدام المتناقضات في وجداني، وأنات من وقع آلام الأمة، مع شيء من الغناء العذب على ضفاف أحلامي الخضراء، التي أؤمن أنها ستنتصر في نهاية المطاف»، ويعتمد الكتاب على لغة بسيطة ورشيقة ولكنها مفعمة بالحيوية، حيث يريد الكاتب أن يشرك القارئ في ما توصل إليه من رؤى وخلاصة لتجربته الإنسانية والوجدانية وخبرته في النفس والناس ووطنه الإمارات. الكتاب يقع في 159 صفحة من القطع المتوسط، ويحمل مقدمة وإهداء رقيقاً «إلى الباحثين عن السعادة، إلى المؤمنين بالخير والباذلين له، إلى الذين يزرعون الورود ويوقدون الشموع ويبتسمون في وجوه عابري السبيل»، ويضم الكتاب مواضيع متنوعة منها: «سوريا التي رأيت»، «يا إلهي الشوارع لا تطاق»، «من أنت»، «زايد باني الإنسان»، «هل أنا على حق»، «أوراق الشوق»، «الحياة الرشيقة... لماذا؟»، «التأمل الفريضة المنسية»، «روبن وليامز»، و«داعش والغبراء». عنوان الكتاب «كونوا بخير»، يحمل دلالات المحبة ورغبة الكاتب الملحة في أن تكون السعادة هي هدف البشر، وذلك يتحقق من خلال السلام الداخلي والطمأنينة التي تجعل الشخص يقبل على الحياة بحب، كما أن تصميم غلاف الكتاب هو أيضاً من العتبات النصية المفضية إلى عوالم المؤلف كدعوة للحب والتسامح والجمال، إذ يحمل الغلاف صورة لجسر يمتد وسط غابة من الأشجار الخضراء الملتفة، فالجسر هو الرغبة في التواصل والالتقاء بين البشر، بينما الأشجار تحمل دلالة الجمال والخير. تأمل الكتاب يدعو الإنسان لمراجعة نفسه بين الفينة والأخرى، ليتوقف عند الكثير من المواقف التي مر بها من أجل تعديل مساره وتصويبه وتصحيح أفكاره، ويقول الكاتب: «بين فترة وأخرى، ووسط معترك الحياة وفي خضم أحداثها المتسارعة، أجد نفسي محتاجاً للتوقف برهة... أرجع خطوة إلى الوراء، وآخذ نفساً عميقاً وأستجمع شتات نفسي، وأراجع ما مضى وما أنا مقبل عليه، أراجعه وفق مقاييسي التي أؤمن بها، ومنطلقاتي التي جعلتني أمضي في هذا الطريق أو ذاك. ومن أبسط تلك المقاييس والمنطلقات، وأكثرها تشاركاً مع الآخرين، هو كوني إنساناً، إنساناً فحسب». ويشير الكاتب إلى أن حقيقة المرء كونه إنساناً قد غابت عن أذهان وقلوب الكثيرين من البشر، مما جعلهم يتحولون إلى وحوش كاسرة، وتحولت الجنات الوارفة إلى غابات موحلة، وأحالت المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد كله إلى قطعة قدت من الحجر، فالكتاب يحمل دعوة للتأمل وإعادة التفكير وإضافة الوعي للسلوك، وتلك مسألة يؤكد المؤلف على أهميتها كمعين للبشر في حياتهم من أجل أن تصبح الحياة سهلة وبسيطة وجميلة بلا تعقيدات أو منغصات. ويلفت الكتاب إلى أن الإنسان بمجرد أن يتذكر إنسانيته، يستحضر كل معاني النبل والتسامح والتواصل، في سبيل تحقيق الأفضل للمجتمع الإنساني، وصولاً إلى السعادة التي ينشدها الأسوياء من البشر، والتي أضحت مقياساً عالمياً تقاس به رفاهية الشعوب، ومستوى جودة الخدمات المقدمة للإنسان، ويشير الكتاب إلى المكانة التي وصلت إليها الإمارات في تحقيق الرفاه والسعادة، حيث صنفت الإمارات في سنة إصدار الكتاب 2015، في المرتبة السابعة عشرة كأسعد دول العالم، والأولى بين دول منطقة الشرق الأوسط، بحسب الاقتراع الذي أجرته مؤسسة «غالوب» العالمية حينها، ويؤكد الكتاب أن أهم ما يميز الإماراتيين كبشر هو استطاعتهم الشعور بالأحاسيس التي تلفهم، وقدرتهم على التعبير عن تلك المشاعر. باني الإنسان ويفرد الكتاب مساحة للحديث عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الوالد المؤسس، حيث يصفه الكتاب بأنه بحر عميق، كثيرة شواطئه، فهو صاحب حكمة في صياغة الرؤية المستقبلية للدولة، رؤية ثاقبة في بناء الإنسان، ذلك المكون الأساس من لبنات الحضارات التي تنشد البقاء، فقد كان الوالد المؤسس ولا يزال صاحب قصب السبق في مضمار بناء الإنسان المؤمن الحر المنتمي والمنتج، وأقواله وأفعاله التي نراها ماثلة أمامنا الآن تجعل منه أيقونة يستدل بها على القيادة التي آمنت بأن عمارة الأرض والإنسان هي رسالتها المقدسة، ويستعرض الكتاب عدداً من المقولات الخالدة للشيخ زايد، التي كانت بمثابة منهج ودليل وخريطة طريق في بناء الدولة وتطورها وازدهارها.