جاء الكتاب في ثلاثة فصول، يتحدث الأول عن "الأندلس"، نبذة تاريخية، والمعالم الفنية الأندلسية، وقرطبة والجامع الكبير، ومدينة الزهراء وقصور الحمراء، ويحتوي الفصل الأول على صور، فيما جاء الفصل الثاني، بعنوان "فلسفة الجمال في الفن الإسلامي"، ويتحدث عن معنى الجمالف، ومعنى الجمال في الفن الإسلامي، وفن التوحيد، ومعاني الفن الإسلامي، وأيضا يشتمل الفصل على صور، أما الفصل الثالث، وهو بعنوان "الخط العربي"، فيتناول جمالية الخط العربي في الفن الإسلامي، والرقش العربي، وفن النمنمات، وفن العمارة الإسلامية، إلى جانب الصور.
يشير طاهر في التمهيد إلى أن الفن الإسلامي يعتبر من أغنى الفنون العالمية وأطولها عمرا، وقد كتب عنه المسلمون والأجانب نصوصا لا تحصى، ولهذا يجد الباحث والقارئ في هذا المجال كل ما يريده من معلومات ومفاهيم في كثير من المؤلفات القديمة والحديثة التي تعج بها المكتبات الخاصة والعامة.
ويرى المؤلف، أنه لم نجد في التاريخ العربي الأدبي أو النقدي اهتماما مثيرا رافق نمو هذا الفن رغم حضوره المهيمن عبر ثلاث قارات عكس ما نجده في الفقه أو الشعر أو الفلسفة أو فن الغناء وغيرها. لهذا نرى اليوم وكأننا أمام فن جديد لابد لنا من التأمل والتفكير فيه وفهمه وتذوقه، لافتا إلى أن هذه الدراسة للفن الإسلامي جاءت من خلال زياراته المتكررة للآثار الإسلامية في إسبانيا، حيث شعر بقوة ورغبة تدفعانه للكتابة في إحياء التراث الإسلامي وتجميع مفاهيم الماضي والحاضر في آن واحد وأخذ ما كان مفيدا. حيث وجد أن هذا الفن الذي عاش أكثر من ألف عام، قد أغنى العالم بما اشتمل عليه من فنون العمارة والخط والرقش والتصوير والحفر والنسيج والموسيقا وغيرها.
ويعتبر طاهر، أن السر في ديمومة هذا الفن يعود إلى العديد من الأمم التي ساهمت في تكوينه وانتشاره رغم اختلاف قومياتها وعاداتها ولغاتها، وكانت وحدة العقيدة الإسلامية لهذا الأمم عاملا مهما في وحدة الفن الإسلامي وعظمته، مشيرا إلى أنه بعد ظهور الحضارة الإسلامية واتساعها السريع، فكر العرب بفتح الأندلس، وكان أول من عبر المضيق إلى إسبانيا هو طريف بن مالك مع أربعمائة مقاتل في مراكب عدة، من مدينة سبته سنة 91هـ،710م، وكانت عبارة عن جولة استكشافية، ثم عبر طارق بن زياد بعده بجيش كبير في مراكب عدة، وكان ذلك يوم الإثنين الخامس من رجب سنة 92 هجرية، 27 من نيسان (أبريل) سنة 711 ميلادية، وبذلك فتحت إسبانيا أبوابها أمام الحضارة الإسلامية العربية وأصبحت ولاية تابعة للدولة الإسلامية ومركز إشعاع حضاري أنار أوروبا المظلمة يومذاك.
ويقول المؤلف: "إن المؤرخين يذكرون أن ظهور الإسلام وانتشاره بهذه السرعة ليصل إلى أطراف الأرض يعد ظاهرة فريدة في التاريخ لم تحدث سابقا ولا لاحقا، كما أشرق الإسلام وأخذ مكانه في نفوس الناس حتى تنورت بصائر العرب وتوحدوا ثم اندفعوا شرقا وغربا، وقد غمر الإيمان قلوبهم فقادوا العالم إلى أشرف الغايات وأنبل الأهداف، وازدهار الحضارة الإسلامية وبلوغ أوج عظمتها يرجع إلى أنها قامت على مبادئ العدل والمساواة والذي تميز بهما الإسلام، إذ إنه لا تقوم حضارة ولا يزدهر عمرانها إلا في ظل حكم العدل".
ويشير طاهر إلى أن العرب فتحوا الأندلس وبسطوا حكمهم عليها ثمانية قرون وأصبحت مركزا تنتهي عنده الحضارة الإسلامية غربا، وقد بلغ الفن الإسلامي عظمته ورقيه في الأندلس، حيث استعانت أوروبا بمهندسين ومعماريين وفنانيين أندلسيين لبناء قصورها وكنائسها ورخرفتها بالتقاليد الفنية الأندلسية، مبينا أن عمق التأثير الإسلامي واستاعه وإزالته للفوارق بين البيئات المختلفة ذات الأصول المتباينة والتأثيرات المتنوعة واحترامه للأديان، كل ذلك أدى إلى انتشار الفن الإسلامي ومساهمة الشعوب كافة في بنائه.
ويقول المؤلف: "إن بداية اهتمام الأوروبيين بدراسة الفن الإسلامي كانت بعد انتشار حركة الاستشراق وعلى جميع الميادين والأشكال ومختلف الأصقاع، غير أن بعض المفكرين منهم نسب نشأة الفنون إلى الفن اليوناني والروماني وقد تناسسوا الزقورات والجنائن المعلقة في وادي الرافدين، وأهرامات مصر، ومعابد بعلبك، وقصور اليمن وغيرها والتي سبقت عمارتها اليونان بىلاف السنين".
ثم يتحدث طاهر عن الذكرى المؤلمة في قلوب المسلمين عامة والعرب خاصة الأندلس لما أصاب هذه الأمة العظيمة من محن ومآس نتيجة للخطط السياسية الصليبية، وأساليب محاكم التفتيش في العمل على إبادة شعب كامل يعد من أنبل وأمجد شعوب التاريخ، أما عن طراز الفن الأندلسي سواء أكان من الناحية المعمارية أم الزخرفية، فيقول: "لقد وجدنا أنه لا يختلف عن الطراز الفني القائم في بلاد المغرب، يضاف إلى ذلك أن كثيرا من العناصر المعمارية قد انتقلت من بلاد الشام إلى المغرب والأندلس كشكل المآذن المربعة التي نراها في مسجد إشبيلية ومسجد قرطبة، وأيضا انتقال شكل قوس نعل الفرس الذي طوره الأندلسيون وحسنوه والذي نجده ظارها في قصور الحمراء، وكذلك دخل الخط العربي الكوفي عنصرا زخرفيا جميلا يغطي القباب والحيطان بطابع أندلسي مميز".
ويرى المؤلف، أن الأندلسيين لم يكتفوا بنقل الطراز الفني المشرقي وإنما طوروه وابتدعوا عناصر فينة ومعمارية جديدة، حيث أصبح يطلق عليها الطراز الأندلسي، كالأقواس المفصصة والمقرنصة والمتراكبة والمتشابكة وغيرها، كما ظهرت أنواعا من الأعمدة منها، العمود المكون من أعمدة صغيرة عدة، يتمثل في قصور الحمراء.
وخلص المؤلف إلى أن أسلوب الزخرفة البنائية ذات الحفر العميقة من قصر المشتى إلى الأندلس، انتقل وظهر واضحا على العلب وجدران قصر الحمراء والأحواض الأندلسية. ومن الأندلس انتقلت هذه الأساليب إلى أوروبا، حيث كان ملوكها يستعينون بصناع ومهندسين معماريين أندلسيين في بناء قصورهم وعمائرهم، وما تزال آثار هذه القصور ماثلة حتى اليوم، وقد بلغ الفن المعماري والترف في الأندلس حد المغالاة فاق ما بناه خلفاء أهل الشرق، ومنها ما قام به الخليفة الناصر في بناء مدينة الزهراء، حيث كانت مبانيها أفخر ما عرفه ذلك العصر. كذلك ما عمله بنو نصر في عمارة قصر الحمراء الذي يعد آية في الجمال والرونق، أما مسجد قرطبة الذي بناه عبدالرحمن الداخل، فقد ذكر أن العمل استغرقت مدته قرنين من الزمن، فهو أكبر أثر تركه العرب في إسبانيا يحكي قصة أمجاد وعظمة الهندسة المعمارية الإسلامية.