|
عرار:
الشارقة: عثمان حسن يحاول الباحث الدكتور أنس الفيلالي من خلال كتابه (في التراث والحداثة.. مقاربات متقاطعة) أن يقرب القارئ من مسألة الحداثة والتراث بمختلف أوجههما كما يبرز تقاطعاتهما من خلال 17 حواراً أجراها مع باحثين ومفكرين ومبدعين عرب قدموا تصوراتهم لقضايا التراث من زوايا عدة، وبحكم تخصصاتهم المختلفة في علم الآثار والفكر والفلسفة والتاريخ الوسيط والحديث والمعاصر والأنثروبولوجيا والشعر والسرد الروائي وأدب الرحلة وتاريخ الفن والعمارة الإسلامية والموسيقى والتراث الشعبي. يرى د. أنس الفيلالي في مقدمة كتابه أن الحداثة الأوروبية نتجت عن طريق إعادة تأويل التراث وسردياته، وهذا الوعي هو الذي يحدد هوية الإنسان، أي رؤية الفرد لنفسه وللآخر الذي يجاوره، الأمر الذي يعني أن لا مكان للحداثة من دون إيجاد الوعي التاريخي للفرد، والحداثة تقوم على إعادة توليد التراث، بل هي استمرار للتراث، وبصورة أدق عملية تأويل للتراث. *تأثيرات حضارية يطرح صفوان خطيب رؤية متقدمة في النظر إلى ثنائية التراث والحداثة، ويعتبر ذلك مدخلاً مهماً لفهم التشابكات والتقاطعات بينهما، ويبدأ حديثه عن تأثير التراث العربي في التراث الهندي، وهو تأثير عميق، وذلك بفضل العلاقات التجارية والدينية بين العرب والهنود منذ القدم، كما يرى أنه يجب التفكير في دور الإسلام في التاريخ الهندي، حيث اعتنق كثير من الهنود الدين الإسلامي رغبة منهم في الهروب من التقسيم الطبقي الذي تفرضه الهندوسية، وفي مجال الترجمة، فقد ساهمت وسيلة الترجمة العربية لكتب الفلك والجغرافيا على وجه الخصوص في العصر الأموي ثم العباسي، في التواصل أكثر مع التراث اليوناني والفارسي، وكان أهم ما ترجمه العرب في الفلسفة أعمال أرسطو ككتاب «السياسة» الذي ترجمه حنين بن إسحق، كما أن العالم اليوناني القديم باعتباره عالماً واسعاً معقداً لم يكن مستقلاً عن تأثير الحضارات المصرية القديمة والإفريقية والسامية، فكان تأثير المناطق السامية حاضراً في الثقافة اليونانية من بداية الحضارة اليونانية القديمة. *استعارة واستلهام «كل الشعوب والمجتمعات تستعير وتستلهم من غيرها» بهذه العبارة ينظر الباحث الفنلندي صامولي شيلكه إلى مسألة التراث والتطور، هذا الاستلهام وهذه الاستعارة قد تكون سلبية أم إيجابية، غير أن هناك مسائل مختلف عليها في النظر إلى هذه التقاطعات، بين من يرى فيها نهضة وتطوراً في مسائل بعينها هي في نظر الآخرين تخلفاً وتراجعاً، وبين من يرى في أشياء بعينها أخلاقاً أصيلة، هي في نظر البعض ظلماً واستغلالاً، فالطريق الذي سارت فيه البلاد الأوروبية لم يعد متاحاً لغيرها في كل الأحوال، والشيء نفسه ينطبق على التجارب الإسلامية التاريخية، فقد كانت الحداثة الأوروبية عند ظهورها تعتمد على الاستعمار العالمي بفضل الفارق الكبير والمؤقت في القوة العسكرية والإدارية والاقتصادية، الذي أسهم نوعاً ما في تطور المجتمعات التي استفادت من الاستعمار، وحدث ذلك في معظم الأحوال على حساب المجتمعات التي وقعت تحت الاستعمار الأوروبي، وهذا ينسحب على التجارب الأخرى في النموذج العباسي والنموذج العثماني، أما الآن، فلم تعد هناك فرص متاحة لتكرار هذه التجارب، أي لم يعد هناك فرص لتأسيس دول على تلك الشاكلة، فمن يرغب في تحسين الأوضاع عليه التعاون والتجارة مع جيرانه، وأصبح هذا الطريق هو الأقوى والأكثر نجاحاً، هنا، تختلط القيم وأساليب الحياة، وفي أفضل الاحتمالات قد يتولد عن ذلك (الاختلاط) ليصبح نمطاً جديداً أصلح وأنسب لظروف عصره. * بين زمنين يرى المفكر المغربي محمد المصباحي أنه لا يمكن تعريف التراث، لأن التعريف يكون واحداً وثابتاً، بينما هو متعدد ومختلف، بل قد ينطوي على شيء من التقابل، والتراث هو ذات الأمة التي تستقي منه رؤيتها للعالم وكيفيات سلوكها في الحياة اليومية، وهذا يدل على أن ذخائر التراث ليست ميتة، بل هي حية وفي حركة دائبة بسبب تناقضاتها، فمنها العقلاني والأسطوري، الوجداني والواقعي، الروحي والعملي، العمراني والفني، لذلك غالباً ما تنتقل هذه الذخائر التراثية من اللاشعور إلى مستوى الشعور، إما لتوجيه مصيره ومصير الأمة وقدرها، وإما للتشويش عليه. وهناك تعريف آخر للتراث بالإحالة إلى وجوده بين زمنين، وهو أن التراث هو تلك الآثار النظرية والعملية التي استطاعت أن تقاوم غوائل الزمن، وتصمد أمام مهالك التاريخ المدمرة، والعبور من الأزمنة الماضية إلى الأزمنة الحديثة للتأثير والفعل فيها، وهذا قد يدفع إلى تعريف آخر للتراث بوصفه تلك الأفعال التي قام بها الأجداد وتركوها لنا، في مقابل انفعالنا بها في الحاضر. *توظيف ينظر واسيني الأعرج إلى مسألة توظيف التراث في الرواية من خلال وجهة نظر مزدوجة، الأولى اكتسبها من خلال اشتغاله على الرواية، فهو يؤكد أننا نستطيع أن نستلهم ليس فقط من التراث، لأن التراث قد لا يهمنا كثيراً لأنه ممارسة ثقافية وحضارية وفكرية ومجتمعية، لجيل بكامله وانتهى بمفعول الزمن، ربما يصبح كتراكم، لكن من جهة ثانية هناك مشكلات الحاضر العويصة التي تحتاج إلى فهم حقيقي لمسألة الحاضر. وهو ينظر إلى تاريخ الحداثة العربية بوصفه تاريخاً منقوصاً بسبب غياب حوار فكري مع تراثنا الغني بالنصوص الأدبية والفلسفية. أما معن بشور الذي ينطلق من فهم قومي عروبي، فهو يعتقد أن التراث العربي لا يتسم بالجمود والتقوقع، بل يستند إلى إرث فكري وحضاري يحث على طلب العلم ولو في الصين، ولو لم يكن التراث العربي منفتحاً على الاجتهاد بهدف تطويره خاصة، لما كان لهذا التراث أثره الكبير والعميق في الحضارة الإنسانية كلها على مدى قرون بأسرها. ويمثل الدكتور محمود إسماعيل وجهة نظر في فهمه للتراث الذي يجب أن يفيد أمتنا العربية، يعتمد مسألة في غاية الأهمية تستوجب التفريق بين الغث والسمين من التراث، وهذا الرأي يتبناه نخبة ضئيلة من المفكرين العرب المعاصرين، وفي المقابل فهو يرى أن الحضارة هي حصاد إنجاز إنساني عام، فحضارة الإسلام ما كان لها أن تؤسس دون ترجمة حضارات اليونان والفرس والهنود ونحوهم، كما كانت النهضة العربية بمثابة إحياء للتراث الكلاسيكي اليوناني الروماني فضلاً عن علوم وآداب وفنون المسلمين. المصدر : الخليج الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 25-05-2024 08:03 مساء
الزوار: 271 التعليقات: 0
|