كتاب نقدي جديد يعاين «الحضور الكنعاني في روايات صبحي فحماوي»
عرار:
عمان
صدر حديثاً كتاب نقدي للدكتور جميل كتاني، من فلسطين 1948، بعنوان (الحضور الكنعاني في روايات صبحي فحماوي) الذي صدر له أربع روايات كنعانية هي: «قصة عشق كنعانية»، و»أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية»، و»هاني بعل الكنعاني»، و»كليوبترا الكنعانية» تحت الطبع. وصدر الكتاب عن دار جليس الزمان، في 154 صفحة من القطع الكبير، وجاء إهداؤه إلى «الحفريات التي أُسكتت آثارها الكنعانية وتم تزويرها لتكون آثاراً يهودية في فلسطين». ويكتب المؤلف د. جميل كتاني: سعت هذه الدراسة للكشف عن الحضارة الكنعانية بكل أبعادها وتجلياتها كما ظهرت عند الكاتب صبحي فحماوي. وقد سلطت الدراسة الضوء على ثلاث روايات هي: قصة عشق كنعانية (2009)، وأخناتون ونفرتيتي الكنعانية (2020)، وهاني بعل الكنعاني (2022). كان المُسوّغ لاختيار هذه الروايات تحديدًا أنها سلّطت الضوء على الحياة الكنعانية، فكشفت عن حضارتها العظيمة؛ وعن وسائل العيش التي ميّزت الكنعانيين، وعن معتقداتهم الدينية من خلال آلهتهم التي عبدوها وآمنوا بها. كما أبرزت هذه الروايات التقدّم والازدهار والرقيّ الذي وصل إليه الكنعانيون في مجالات التجارة، والصناعة، والفن المعماري، والزراعة، وغيرها من ضروب الفنّ والحضارة. وبحسب كتانة فإن الكاتب فحماوي هدف من خلال رواياته الثلاث إلى الكشف عن أنماط الحياة الكنعانية بكل تفاصيلها وأساليبها؛ فبيّن مزايا هذا المجتمع الذي تحلّى بمكارم الأخلاق؛ من تسامح، ومحبّة، وخير، وحبٍّ للأرض والوطن. لقد قام الكاتب بالربط بين الماضي والحاضر باقتدار ليخلقَ تناغُمًا وتواصلاً بين واقع الإنسان الفلسطيني المعاصر وبين تاريخ أجداده الكنعانيين، وليُظهِرَ مدى تعلق هذا الإنسان بترابه وأرضه. إضافةً إلى إماطةِ اللثام عن الغبن، والتعتيم، ومحاولات إسكات التاريخ الفلسطيني. فقد تصدّى الكاتب، من خلال الرواية، للدعاية الصهيونية وللمؤرخين التوراتيين، الذين أنكروا وجود تاريخ وحضارة كنعانية-فلسطينية على أرض فلسطين، زاعمين أنَّ أرض فلسطين مُلْكٌ للشعب اليهودي منذ أقدم العُصور، كلُّ ذلك من أجل شرعنة اغتصابهم لأرض فلسطين منذ أواسط القرن العشرين. تطرق الفصل الأول إلى الملامح العامة للحضارة الكنعانية؛ فأبرز تفوّق الكنعانيين في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والبناء. فقد برعوا في التعدين، وصناعة الخزف والزجاج، والنسيج وصناعة الثياب. كما برعوا في فن العمارة، وصنعوا المواد الثمينة وتاجروا بها؛ فكانوا يشترون المواد الخام، وخاصة الذهب، ويُنتجون منها مختلف التُّحَف للتجارة، وكانت لديهم بصورة خاصة مهارة في صنع الحليّ المفرغة التي قد تكون من أوراق الذهب أو من فتائل معدنية. استعرض الفصل الثاني عتبات النص في الروايات الثلاث، كوسيلة للدخول إلى مضامين هذه الروايات وأبعادها المختلفة. وعتبات النص هي كل ما يمتّ بصلة إلى النصّ المدروس؛ كالعنوان، والهوامش، والغلاف، والإهداء، والمقدّمات، والتصديرات، وغيرها. أمّا الفصل الثالث، فقد تطرق إلى التوظيف الأسطوري في الروايات الثلاث. فقد وظّف الكاتب الخصائص الكامنة في الأسطورة، المبنيّة على التغيّر، والخيال الجامح، وتجاوز الواقع، وأنسنة الجماد ومظاهر الطبيعة. فقد استطاع صبحي فحماوي أن يستغل الأسطورة بوعي تام، وأن يضفيَ الطبيعة الأسطورية على أحداث رواياته، مبرِزًا الصراع بين الخير والشر، والموت والحياة، وعلاقة الإنسان الفلسطيني بالمكان. كما استحضر الماضي الأسطوري من أجل التعبير عن معاناة الإنسان الفلسطيني المعاصر في صراعه مع أعدائه الغزاة لأرضه. وقام بتوظيف الأسطورة للكشف عن الحضارة الكنعانية، وعن الرقيّ والتقدم الذي وصل إليه الكنعانيون من خلال عقائدهم ومعتقداتهم بما يخص الحياة والموت والوجود من جهة، وبما يخص علاقتهم بأرضهم ووطنهم ومعيشتهم اليومية من جهة أخرى. أما الفصل الرابع، فقد تطرق إلى جماليات المكان الفلسطيني، حيث شكّل المكان ركيزة من ركائز العمل الفني في الروايات الثلاث. وتعود أهمية المكان فيها إلى محاولات الكاتب إحياء الفضاء الكنعاني-الفلسطيني، بكل ما يحمله ويجسّده من حضارة، ورقيٍّ، وعمران، ونشاط صناعيٍّ وتجاريٍّ. كلّ ذلك بهدف استحضار هذا الماضي العريق للحضارة الكنعانية، التي برزت من بين الحضارات المشرقية القديمة، فقدّمت صورة ناصعة من صور الفن المعماري، والنشاط الإنساني المليء بالحركة والنشاط. كما هدف الكاتب إلى تأكيد تواجد الفلسطينيين في هذه البلاد كورثة طبيعيين لأجدادهم الكنعانيين، خلافًا للمزاعم الصهيونية والتوراتية التي تجاهلت وجود الحضارة الكنعانية، فقامت بتزييف الحقائق التاريخية من أجل التسويغ للمشروع الصهيوني-التوراتي الاستيطاني، المتمثّل في طرد الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم. وجاء الفصل الخامس ليُبرز الجوانب الحضارية للشعب الكنعاني، بما تشتمل عليه من أخلاق، وثقافة، وفنٍّ معماري، وتقدُّم تجاري وزراعي. جاء ذلك ردًّا على المزاعم التوراتية، التي شوّهت صورة الإنسان الفلسطيني قديمًا، ولا تزال تشوّه صورته في الزمن المعاصر. ونفيًا لهذه الافتراءات الصهيونية، التي سعت إلى إسكات الصوت الفلسطيني، وإلغاء وجوده التاريخي في أرض فلسطين، قام الكاتب بالتوكيد على أنَّ الكنعانيين هم «شعب الله المختار»، وليس اليهود، كما روّجت لذلك التعاليمُ التوراتية. في الفصل السادس، قام صبحي فحماوي بتوظيف العديد من الأساليب والتقنيات التي جعلت من روايته الكنعانية تلامس الواقع المعاصر. فالقارئ لروايات فحماوي الكنعانية يجد نفسه أمام زمنَين متوازيين؛ الماضي البعيد من جهة، والحاضر المعيش من جهة أخرى. فقد قام بالربط الموفَّق بين التاريخ الكنعاني وبين ما يواجهُ الإنسانَ العربيَّ عمومًا، والإنسان الفلسطيني على وجه الخصوص، في الزمن الراهن. كلّ ذلك جعل من الرواية الكنعانية عند فحماوي نابضة بالحياة والتشويق، باعتبارها رواية حداثية، لا تكتفي بسرد الأحداث الماضية، وإنما تتخذ منها مادّة للتعبير عن القضايا المعاصرة، سواء أكانت اجتماعية أم ثقافية أم سياسية. اللافت للنظر، طَرْحُ الروايات الثلاث لقضايا سياسية تتلخص في ضرورة توحيد الصف الداخلي من أجل الانتصار على العدو.