|
عرار:
زينب السعود عندما نشأت الواقعية كحركة فنية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اهتمت بتصوير الجوهر الداخلي للأشياء مبتعدة عن الفانتازيا والرومانسية معتمدة على الإبداع الفني الذي يعتني بتركيب عالم يشبه الواقع وينأى عن الخطابية والمباشرة والنصح الموجه. ويفرق النقاد بين الواقعية والمثالية حيث تكشف الأولى عن المضامين المغلقة وتتجاوز فكرة التوثيق المجرد والنقل المصبوب في قالب جامد. وقد عرفنا صورة البطل الكلاسيكية من خلال الأدب الواقعي الذي تكون فيه الشخصية الرئيسة الفاعلة في العمل تتمتع بخصائص النموذج الأصلي للبطل الذي يكون جزءا من الواقع يتحمل ما يأتيه من ألم ومعاناة ويتفاعل مع جميع المشاعر الإنسانية المبثوثة في الحكاية. في روايته (قطة فوق صفيح ساخن) الصادرة عن دار جفرا، يخوض الكاتب مراد سارة في بؤرة من الأحداث الواقعية بل في صورة واقع كان شاهدا بنفسه على الجزء الذي تضمنته الرواية، وهو واقع نكبة فلسطين وتشرد جزء كبير من أهلها واضطرارهم لخوض تجربة اللجوء الممتلئة بكثير من البؤس والألم ومشاعر الخيبة القاسية بما آلت إليه أحوال شريحة كبيرة من أبنائها.هذه الواقعية التي تمعن رواية (قطة فوق صفيح ساخن) في خوضها لم تمنع الكاتب مراد سارة من خوض شيء من الخيال الفانتازي بجعل بطلة قصته المتنقلة بين مفاصل الأحداث الناقلة لكل تفاصيلها بشفافية مطلقة قطة. (هرهورة) القطة التي ولدت في صندوق كرتوني على أعتاب مركز المؤن التابع لوكالة غوث اللاجئين، بطلة رواية مراد سارة التي نقلت لنا الأحداث ودخلت إلى أماكن لا يستطيع أحد أن يخبرنا عما يحدث فيها من أحاديث وتلون في المشاعر إلا إذا كان ذا قدرة خارقة على دخول جميع الأمكنة دون حسيب أو رقيب. والقطة (هرهورة) لم تكن مجرد راو عليم مختبئ ينساب جسدها بين الكانتونات المسماة بيوتا المسقوفة بالصفيح الذي لا ينفع صيفا أو شتاء سوى أنه يحجب لون السماء واتساع الفضاء عن عيون ساكنيه. بل كانت هي الشخصية الرئيسة التي أراد مراد سارة إيهامنا أنها واقعية وحقيقة تماما معتمدا على وضوح ما ترويه لنا من قصص وحكايات اللجوء المختبئة تحت ذلك الصفيح الذي تم اعتباره السقف الجديد الذي يأوي إليه الفلسطيني المهجر عن بيته وأرضه، وهذه القطة (الثيمة) لا تبتعد بالرغم من كل محاولات الإقصاء فهي تعود دائما إلى مكانها كأنها جبلت من عجينة الوفاء، وهذا ما أراد الكاتب أن يقوله بل هذا ما صرح به. وإذا كانت المذاهب النقدية الحديثة تميل إلى اعتبار فكرة البطل قديمة قابلة للتطور بما يناسب التدفق الإبداعي لذهن الكاتب فإن رواية (قطة فوق صفيح ساخن) جعلت من الحدث ذاته بطلا يلقي بظلاله القوية على بقية عناصر النص، وكان وجود شخصية (هرهورة) رمزا مهما استدعاه مراد سارة ليؤكد على أن هذا البطل (القطة) الذي أسبغ عليه عقلنا التراثي كثيرا من الصفات وامتزجت القطط عبر تاريخنا الاجتماعي بكثير من المقولات والحكم ولعل أهمها وصف القطط بأنها (بسبعة أرواح). وهذه رمزية كبيرة حملها الكاتب لشخصية بطلته (القطة) التي تغوص في عمق أهوال المخيم وتشاهد الموت بنوعيه: الجسدي والمعنوي وتسمع أنين المرضى والخائفين والمقهورين الواقفين أمام مركز المؤن صورة الذل التي ابتكرها الغاصبون كنوع من التغيير في خريطة الألم والقهر. شخصية القطة التي بسبعة أرواح مكنت الكاتب من سرد معاناة اللجوء والمخيم وتوثيق أهات الألم والحزن التي صادقت الوقت وتصالحت مع الحياة الجديدة التي صار عنوانها (المخيم). فهل يمكننا اعتبار شخصية البطل في رواية (قطة فوق صفيح ساخن) شخصية غير مألوفة أو خارقة؟ سيما أن مراد سارة نأى تماما عن البطل (الكاتالوني) الذي يتشح بصفات الرومانسية النمطية. والحديث عن شخصية البطل في رواية (قطة فوق صفيح ساخن) يحيلنا إلى سؤال الرواية الكبير عن الخصم الذي تسبب بمأساة اللجوء الكبيرة. لقد تمرد النص قليلا على الفكرة السائدة المعتمدة على الحركة المنمطة للشخصية الرئيسة لتتحول قيمة الشخصية (القطة) في مسح الصورة وجعلها أكثر وضوحا، والغوص عميقا تحت أسطح (الزينكو) التي التصقت -في الوعي الجمعي- بمخيمات اللجوء وصارت هذه الشخصية غير الخائفة من التنقل والحركة هي الناقل الأمين لكل الحكايات فهي بطل (بسبعة أرواح). الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 30-08-2024 11:02 مساء
الزوار: 208 التعليقات: 0
|