|
عرار:
يذهب الناقد الدكتور رسول محمد رسول إلى عمق الإبداع الإماراتي، ليخرج بنصوص نقدية يبين فيها العديد من النقاط التي ميزت أعمال هؤلاء الكتاب الإماراتيين، وتلك تجربة تضاف إلى أعماله الفكرية والفلسفية التي قدمها. أصدر د. رسول سبعة مؤلفات تناول فيها التجربة الإماراتية كان آخرها كتاب «تمثيلات الآخر في الرواية الإماراتية – قراءات في المتخيل الإبداعي»، وعنه يقول في حواره مع «بيان الكتب»، إنه « تمثيل الآخر المختلف كونياً وعالمياً من جانب الذات الإبداعية الإماراتية، ينطلق من التسليم بوجود هوية الذات المحلية». كيف جاء اختيارك لتجربة بعض الروائيين الإماراتيين، لإيضاح صورة الآخر في الراوية الإماراتية؟ بدأت بمشروع الكتابة عن صورة الآخر في السرد الروائي الإماراتي بعد أن أمضيت قرابة ست سنوات في أبوظبي، وكنت جزءا من مجتمعها، سواء في العمل بالجامعة أو في بعض المؤسسات الثقافية. المجتمع الإماراتي منفتح على الآخر المختلف، «العربي أو الأجنبي»، وانفتاحه هذا أصبح خلال عقود مساراً في حياته، ما يعني أن «الآخر» فيه يصنع لحظة العيش كما يصنعها ابن البلد. وفي 2006، بدأت أقرأ المتن السردي الروائي على مهل، كنت أجد متعة في قراءة النص الروائي الإماراتي، لكن تلك المتعة تحوّلت إلى فكرة مشروع. فالنص الروائي معطاء، إنه يعطي نفسه للقارئ كما الناقد، لكن مسألة الكتابة عن تمثيلات الآخر في الرواية الإماراتية لم تكن تخلو من مخاطرة، لذلك بحثتُ عن دراسات سابقة في الشأن، ولم أجد ما يشفي الغليل، عندها وجدتُ أنني أمتلك الجرأة المعرفية والجمالية لخوض غمار البحث في هكذا موضوعة تبدو للآخرين خطيرة. ولكن تلك الخطورة باتت وهماً، فما في النص الإماراتي - الروائي شجعني على الكتابة والبحث في تشخيص مسألة الآخر، وانطلقت من قاعدة أساسية مؤداها بأنه لا يوجد نص روائي لا يمر على تمثيل صورة الآخر فيه، وهذا يعني لا صدفة جمعتني مع هكذا موضوع، بل معطيات النص التي كانت باعثاً لي للكتابة في المجال. وفي خلال ذلك، كنتُ أبحث عن صورتي أنا «الوافد» إلى مجتمع خليجي - إماراتي كما بنته المخيلة الروائية، صورتي كـ»آخر» في تمثيلات السرد الإماراتي، وكذلك صورة نظرائي الوافدين، فوجدت التنوُّع من كاتب إلى آخر.. وجدت التمثيلات الإيجابية كثيرة ولا تحصى. كتبت مقدمة طويلة قبل الاستعراض النقدي للنماذج الروائية، فهل تعتبر مثل هذه المقدِّمات أساساً في الكتب النقدية؟ نعم بدت لي مهمة جداً، لا سيما عندما يخوض الباحث مضماراً جديداً كما تجربتي في تناول فكرة الآخر في المخيال السردي الإماراتي، ولذلك كتبت بعد المقدمة، عن تمثيلات الذات والآخر بالمجتمع الإماراتي. وكان ذلك نزولاً من المتخيل المسرود نحو الواقع - الواقعي في مجتمع الحالة الذي تتمثله الروايات المدروسة فيه. وأرى أنه إذا كانت العلاقة بين الأنا والآخر، علاقة ملموسة قبل أن تكون متخيَّلة إبداعياً. فالأجدر الذهاب إلى الرؤية الفلسفية التي يشتغل بها مجتمع الحالة المدروس بالكتاب، ألا وهو المجتمع الإماراتي، واستنتجت يومها أن تمثيل الآخر المختلف كونياً وعالمياً من جانب الذات الإماراتية، منطلقه التسليم بوجود هوية الذات المحلية والقومية والدينية، كما أنه ينطلق من التسليم بوجود هوية الآخر المختلف قومياً ودينياً. والأهم من ذلك أن هذا النمط من التمثيل، يؤسِّس كيانه أيضاً على الهوية الإنسانية الكونية والعالمية المشتركة بلا تفريط بالاختلافات الجوهرية بين البشر. أفكار نقدية تناولت بأعمالك النقدية أكثر من فكرة، عن التجربة الإماراتية مثل صورة المرأة في الرواية الإماراتية، فهل تعتبر كتابك هذا سلسلة من عدة جوانب تتناول فيها الأعمال الأدبية الإماراتية؟ هذا صحيح. قرأت ستين نصاً روائياً إماراتياً، فوجدت نفسي كقارئ وناقد إزاء كمّ هائل من المعالجات التي توافر عليها السرد الروائي الإماراتي، وهي موضوعات غير مدروسة على نحو منهجي معزَّز بإطار فلسفي وفره لي تخصصي في الفلسفة الحديثة. ووجدت تشجيعاً رائعاً لي أبدته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة في الإمارات، تحديداً، عندما اقترحت عليهم الكتابة عن صورة المرأة، وعن صورة الآخر في الرواية الإماراتية. وعندما صدر الكتابان، وجدا ترحيباً، وهو ما شجعني على النزول إلى عوالم الرواية الإماراتية أكثر، فدخلت إلى عوالم الجسد المسرود في كتابي (الجسد في الرواية الإماراتية) وهي دراسة ريادية في مجالها ليس في الإمارات فحسب، إنما في العالم العربي أجمع في ما يخص الرواية الإماراتية. بعد ذلك جاءت كتبي القرائية على التوالي، التي تناولت الرواية الإماراتية والخليجية والعربية.ركائز ما الأسس التي تجعل من العمل النقدي مكتملاً؟ إنها: وضوح الرؤية المنهجية، القراءة الجادة للنص المدروس أو النص موضوع الحالة، التخلي عن أية رؤية مسبقة في التوجُّه نحو النص. والأهم من كل ذلك، الإيمان بأن الإبداع ظاهرة فريدة لا تتكرر. أصدرت روايتك الأولى، فهل تتوقع أن روايتك ستفوز بإحدى الجوائز الأدبية، باعتبارك اتجهت من النقد إلى الرواية؟ أبداً، لا أفكِّر في الفوز بأية جائزة، لم أكتب لكي أفوز؛ فالنص الإبداعي يحقق فوزه بذاته عندما يولد ليقرأه الآخرون، وتلك هي الجائزة الكبرى. ولا أثق ببعض الجوائز العربية لأنها موغلة بالطائفية المذهبية، وتتقدم على المذهب الإبداعي. وذلك انحطاط ما بعده انحطاط. «مذكراتي» ما جديدك للأيام القادمة؟ وأنا أستعد للموت، وهو حق طبيعي، أنتظر صدور كتابي (عطر الكتابة السردية)، وأعيد بعض كتبي للنشر ثانية تلك التي صدرت قبل عشرة أعوام أو أقل، أما على الصعيد الفلسفي فعندي كتاب جديد عن الفيلسوف الألماني إمانويل كانط عنوانه (كانط في ذاته) لم ينتشر بعد، كذلك أنتظر فرصة لنشر كتابي الجديد (هيدغر قارئاً كانط)، وهو قيد الإنجاز. أما (مذكراتي) فسأتركها للتاريخ لأنه الكفيل بها. «تمثيلات» غنية بالدلالات والقيم الإنسانية الرفيعة يرى الناقد د.رسول محمد رسول أن «الآخر» في السرد الإماراتي، كان مغيباً عن الفحص النقدي والقرائي لعقود طويلة، مقارنة بالسرد العربي، ولذلك قال في مقدمة كتابه «تمثيلات الآخر في الرواية الإماراتية – قراءة في المتخيل الإبداعي»، أن النُّصوص العربية الروائية التي تناولت إشكالية الآخر في تمثيلها الإبداعي لاقت اهتماماً نقدياً خلال العقود الماضية، بينما لم تكن النُّصوص الروائية الإماراتية تحظى بالاهتمام ذاته، لا عربياً ولا خليجياً ولا إماراتياً، سوى في الفترة المتأخرة. مغامرة إبداعية جاء كتاب رسول المتخصِّص، كبادئة ريادية منظَّمة منهجياً في فضاء الرواية الإماراتية. وذكر أن مهمته كانت محفوفة بالصعاب، وأيقن أنه يحرث في أرض بكر، لذا أسلم عنان طموحه إلى المغامرة. ومغامرته هذه تجلت عبر كتابه الواقع في 110 صفحات من القطع المتوسط، والصادر عام 2016 عن وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وفيه تناول رسول تجربة عدة روائيين إماراتيين، ولكل تجربة من هؤلاء الروائيين عنوان يوضح المجال الذي تناوله وشكل فصلاً من فصول الكتاب، والتي تتمثل في : الذات كآخر مغترب.. إذ قرأ في هذا السياق في رواية «بين طرقات باريس» لفاطمة الحمادي، والآخر والفتك الوجودي بالذات -قراءة في تمثيلات «الغرفة357» لـ علي أبو الريش، والآخر المختلف في حضوره الثابت: ناصر جبران في رواية «سيح المهب»، آخرية العبيد: قراءة في رواية «ريحانة» لميسون صقر، الآخر في كينونته الأسرية: قراءة في تمثيلات «حلم كزرقة البحر» لأمنيات سالم، والخشية من الآخر المختلف: قراءة في رواية «ملائكة وشياطين» لباسمة يونس. وأخيراً: الذات الآثمة والآخر الضحية: قراءة في رواية «شاهندة» لراشد عبدالله. من الواقع جاءت اختيارات الناقد لهذه الروايات، من بين روايات أخرى قرأها ووجد فيها إشارات بسيطة وعرضية للآخر، ومن هنا وقع اختياره على روايات تمتد لنحو أربعة عقود لأجل رصد حالة تطور الوعي بالآخر، على الصعد المجتمعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، والواقعة في صورها المنظورة، وذلك من منطلق رؤيته بأن الخطاب الإبداعي مهما تعالى على الواقع ونأى بعيداً عنه، يظل يتنفس من رئة الواقع في حراكه اليومي المعتاد، لينهل منه تمثيلاً إبداعياً وجمالياً. منهج اتبع رسول في كتابه منهج النقد التحليلي، موضحاً أنه لم يعن إصدار حكم قيمة على تجربة ما من التجارب الروائية التي نظر فيها، وإنما جاء النقد كما قال هو «الفتح المنظم لإمكان المعنى ولمسلات الدلالة فيه»، وضمن علاقة ليست فقط ذهنية أو فكرية أو جمالية بل أيضاً واقعية ومجتمعية. ذلك أن اليقين لم يعد متراصا في معنى أحادي، فكل شيء سائر إلى التداخل والاشتباك في معرفة الإنسان والوجود والعالم. إضاءة *دكتور رسول محمد رسول. روائي وناقد وأكاديمي متخصِّص بالفلسفة الألمانية. عمل أستاذاً في عدد من الجامعات. وهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقي. كما أنه عضو جمعية العراق الفلسفية ومستشار سابق في جائزة الشيخ زايد للكتاب. لديه الكثير من المؤلفات في مجال الفلسفة والنقد والفكر، منها : فلسفة العلامة.. من جون سانت إلى جيل دولوز، الغرب والإسلام: قراءات في رؤى ما بعد الاستشراق. أصدر رواية «يحدث في بغداد» و»أنثى غجرية»- مخطوط. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 19-02-2017 07:53 مساء
الزوار: 671 التعليقات: 0
|