وقع الروائي والقاص هاشم غرايبة، أول من أمس، في مقر المكتبة الوطنية، مجموعته القصصية "جداتي الحكيمات"، الصادرة عن دار البيروني، عمان. غرايبة، قال في الحفل الذي شارك فيه كل من د. يوسف ربابعة، ربيع محمود ربيع "إن الرواية تحمل الكثير من التنوع وتداخل الأجناس الأدبية، بينما القصة القصيرة تعتمد على التكثيف في اللغة والمشهد". د. يوسف ربابعة، قال خلال حفل التوقيع "إننا نجد أنفسنا في غمرة حكايات الجدات أسرى لأحداث نعرف منها وننكر، وفضاء تنماثل معه حينا وننفصل أحيانا أخرى، فحوارة وجداتها هي حكاية كل القرى التي تعيش اليوم على ذكريات الماضي، وعاشت قبلا على قصص شكلت وجدانها وثقافتها وخرافتها وحقيقتها ودينها وسواليفها آناء الليل وأطراف النهار، منذ فلوة الإبراهيم وابنتها شمس التي خلعت زوجها محمد العلي، مقابل اثنتي عشرة مجيدية". ورأى ربابعة، أن هذه الحكايات لبست ثوب الرمز حين تحولت لشكل يخفي مضمون ما يريد غرايبة أن يوصله لنا، متسربا كالماء الهادئ من بين ثنايا أصابعنا، كما هو المؤلف بكل هدوئه حين يريدنا أن نكون، وحين يريدنا أن نخرج من عباءة الماضي، ونقد الحاضر، للنظر نحو المستقبل بأمل أكبر. وأضاف ربابعة "يتداخل الواقع بالمفترض والحقيقة بالخيال والدين بالأساطير في هذه الحكايات، لتنبئ عن رسالة أدبية قد تحققها فينا تلك الكلمات، لذا فإن الرجوع لمنهج التحليل فيما وراء الأدب يكشف لنا عن حجم الرسائل التي أراد غرايبة أن يرسلها لنا مغلفة بالمتعة والتشويق". وأوضح ربابعة أن غرايبة الذي حفظ الحكمة عن جدته، كيف عاشت الجدات والأمهات، كيف نفهم شعورهن الغامر بنا، كيف يقفن على حافة الحلم والتضحية لنكون كما نريد، لا كما يردن. وقرأ ربابعة مقطعا من قصة تتضمنها المجموعة، يقول فيها غرايبة "أمي مثل جيلهم من أمهاتكم.. كانت آخر من يأكل، وأول من يستيقظ. وأبعد ما تكون عن النار إذا اصطلينا، وأقرب ما تكون من النار إذا جعنا.. أمي، بحضورك كانت السماء قريبة، وبابها سهل الانفتاح في ليلة القدر، وفي غير ليلة القدر، وكنت تمدين لنا خيطا من رائحة الجنة بدون تبجح. وكانت الدروب أوسع، والقامات أعلى، والفضاء أرحب، ومباهج الحياة متباهية باستقلالها. بعدك يما من سيغني لفرحي ويلتاع لوجعي بلا منية، من سيزرع لي في قلبة "وردة، ويسقيها من دمع العين؟". يمه، من سيقص على أطفالي الحكايات حتى يناموا، وإلى من سيلجأ صغيري إذا حرد! ومن سيدله على درب بيت "الجدة" الدافئ، إذا ضاقت به الدورب! أمي مثل أمهاتكم، كانت تحترف القلق على أبنائي إذا مرضوا، وإذا لم يمرضوا... وإذا سافروا وإذا لم يسافروا، وإذا امتحنوا أو لم يمتحنوا. أمي مثل أمهاتكم أحبتنا بلا حدود ولا شروط، ولم تكن مشاعرها تبلى كما يبلى الثوب. أمي مثل جيلها من أمهاتكم أيضا، كانت تقول للصغير: حوطتك باسم الله، وللكبير مودع بالله، وللصبايا يا ما شاء الله.. وكان الله حاضرا في قلبها مجدا ومحبة وبركة، يما، ماذا أفعل بمفتاح الدار وقد خلت من أهلها الدار؟". فيما رأى ربيع ربيع، أن البنية السائدة في المجموعة هي كسر القيد -القيود والاشتراطات الفنية- من حيث البناء والموضوع، وهذا الكسر لا يعني غياب الشروط الفنية بل يعني أن الكاتب غير خاضع لها. وأضاف ربيع "إذا كانت الشروط الفنية الصارمة ابنة المدينة هذا العالم المعلب والمؤثث بطريقة هندسية، فإن عدم الخضوع لهذه القيود يتيح الحرية الكاملة لابن القرية ليعبر عن فضائه وأحلامه المليئة بالأشياء الهامشية، علما أن القرية الحاضر الأقوى في المجموعة". وبين ربيع "أن القارئ عندما ينتهي من قراءة المجموعة سيكتشف أنها تسير في خط زمني مستقيم يمثل دورة حياة الإنسان: في البدء حكايات الأجداد التي تشكل ذاكرة القرية، ثم قصص الطفولة والولادة، ثم الشباب وتجربتي السجن والحب، ومن ثم القصص التي توحي لك بالشيخوخة مثل قصة "البعث" قبل الأخيرة من حيث التصنيف". وأشار إلى القصة "البعث"، التي يعلن فيها المتكلم عن رغبته في العودة إلى رحم الأم، وهي تحيلنا إلى المشهد الأخير من روايته "جنة الشهبندر" الذي ينتهي بعودة البطل إلى رحم أمه؛ إذ كان الرحم عادة ما يرمز إلى الأرض والعودة إليها، وهذا ما تكشف عنه القصة الأخيرة فيلجأ الكاتب إلى تقنية الميتا-قص فيكشف عن هويته وأبطاله في أعماله السابقة في رسالة مفادها: الكتابة هي أفضل محاولة في سبيل الخلود! ويذكر أن هاشم غرايبة قاص وروائي ومسرحي صدر له العديد من المؤلفات منها في مجال الرواية "بيت النشوة"، "المقامة الرملية"، "الشهبندر"، "بترا- ملحمة العرب الأنباط"، "أوراق معبد الكتبة"، و"القط الذي علمني الطيران". كما صدر له في مجال القصة القصيرة منها "هموم جنسية صغيرة"، "قلب المدينة"، التي ترجمت إلى الألمانية، "حبة قمح، وعدوى الكلام"، وترجمت بعض قصص هذه المجموعة إلى اللغة الإنجليزية. وفي مجال الكتابة للأطفال، صدر له: "نهيق غراب أسودسنة"، "غزلان الندى"، "السمكة الضاحكة"، وهي عبارة عن تعريب لقصة الإيطالي البرتو مورافيا. وفي مجال المسرح كتب مسرحيات عدة منها "كان وما زال"، "الباب المسحور"، "مصرع مقبول ابن مقبول"، "الوقوف على عضو واحدة"، "الغابة الشيطانية"، للأطفال "الإعاقة راحة".