صدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، كتاب بعنوان "سماء الفينيق (رحلتي إلى فلسطين)"، للمسرحي والقاص الأردني مفلح العدوان، وهو عبارة عن مشاهدات ويوميات وثق بها المؤلف زيارته لفلسطين.
ويندرج الكتاب تحت أدب الرحلات؛ حيث ربط العدوان من خلال السرد التاريخ المشترك بين الأردن وفلسطين، وتناول رحلته الشخصية من جسر الملك الحسين وصولا إلى مدينة أريحا، وباقي المدن الفلسطينية التي يزورها لأول مرة.
وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو، الذي كتب تقديما للكتاب، رأى أن العدوان اتخذ في "سماء الفينيق" قبة للحكاية، تطل على مكونات الوقت الفلسطيني من حياة وذاكرة، السماء التي تحتضن أجنحة الفينيق جزء من رواية الأرض التي تصعد نحو علياء السرد بكل كبرياء وشموخ، من خلال رحلته إلى فلسطين قادما من المملكة الأردنية الهاشمية فتطل المدن بعفوية خاصة للبوح ويصبح الوقت مسار سرد يستند إلى التاريخ والحاضر ضمن يوميات يصوغها مفلح العدوان بأسلوب مميز وهو ينتقل بين الأمكنة والمدن.
وأشار بسيسو إلى أن العدوان يلتقط مفاتيح السرد من شوق ذاتي ومعرفة وثقافة واسعة وتجربة مميزة في الكتابة، تزاوج بين الذاتي والعام، بين اليومي والذاكرة، لقد أراد لهذه الرحلة أن تكون بيان المثقف في مواجهة سياسات العزل وأن تكون إحدى مرايا الواقع الفلسطيني بكل مكوناته التاريخية واليومية الإنسانية، فصاغ بيانا جديدا للحياة والإرادة في مواجهة جدار الفصل العنصري والاستيطان الاستعماري.
العدوان، في تصريح خاص لـ"الغد"، قال: "إنها فلسطين.. بعيدا عن كل ما يحدث حولنا من سياسات آنية، ومواقف لحظية.. إنها فلسطين، تلك التي نشأت على نشيدها "فلسطين داري.."، وهي مساحة نبض من "بلاد العرب أوطاني.."، لكني حين زرتها، حين وطأت أرضها، حين يممت وجهي شطر مهابتها، كانت فلسطيني أنا.. صرت أنا الوحيد الفلسطيني بين كل من حولي، عدت إلى نشأتها الأولى، تقمصت روح الأجداد المعتقين، استمعت لنداءات الزيتون، وواطنت تلك الجبال الشامخات، جلست قرب شهيد يلفظ أنفاسه الأخيرة، سجلت ذاكرة كهل قد لا يعرفه أحد، لكنه يعلم يقينا كل تاريخ بلاده... زرت فلسطين، كأني لا أعيش في هذا الزمان، دخلتها حاملا وسام النسيان، ليس للماضي، بل لما تتكسر فيه هذا الواقع المهان، ولذا حاولت أن أعيش فلسطين التي قرأت وعرفت ووعيت قبل النكبة والنكسة والهزيمة والانكسار".
ويضيف العدوان "حين شددت الرحال، رحال خيالي، وعزمي، وخطوتين من عمان الى رام الله، كان أكثر ما يؤرقني، لحظة وقوفي على الجسر، ليقيني بأنني النهر، فكيف تكسر قساوة الجسر استمرارية النهر.. ولكن إصراري كان أن أعبر الجسر، لأنه بالنسبة لي هو جسر الوصل، لا فتنة الفصل، وكان التحدي في أن أستثمر كل لحظة من هذا الأسبوع لأكون هناك، فلسطينيا، بكل تفاصيلي، نعم فلسطينيا يعي ما معنى فلسطين، وما تاريخها، وما هو مستوى التحدي الذي يواجهه".
في تلك اللحظات كأني كنت أستحضر كل التاريخ، أرسم كل الشهداء، أعيد إعمار الأمكنة، أستمع الى نبض الحاضرين حولي، أهجس بخوف المستريبين من الأعداء، أتلمس الحجارة، أبتسم للأطفال، أناجي الشوارع، أحاول أن أتجاوز الحواجز، أكظم الغيظ لأصل، أطلق البركان لأكتب ما لم أره، ما قرأت عنه، ما سمعته غيبا، لكني الآن شاهدا، حاضرا، وهذا أمانة أخرى للكتابة، للمستقبل، للماضي، للحاضر، لتكون وثيقة لي أولا، ولكل من هم خارج فلسطين، فمن هم في الداخل، كتبوا شهادتهم بالدم وبالصبر، والنضال الحقيقي المجيد.
ويوضح المؤلف "كتبت ما كتبت.. ولكنني ما زلت أشعر أنني لم أعبر إلا عن جزء ضئيل زخم الحضور الفلسطيني، العربي، في تلك الرحلة، لذا، فتلك الأماكن التي منعوني من زيارتها، وصلت اليها، رغما عن أنف العدو الصهيوني، ومن ذاكرتنا، وتاريخنا، فقد كان معيني، ورفيقي "الفينيق الكنعاني"، ذلك طائر الأسطورة الذي تحقق معي، على حاجز قلنديا، وجاء من باطن الغيب والأسطورة ليقول لي جناحي ملك يديك، ولك معراجك المتحقق من رام الله الى القدس، لأصل هناك في رحلة مفترضة أطرق فيها لأبواب، وأصلي، أطرق فيها الأبواب وأتحدث مع كهول القدس وشبابها، أطرق فيها الأبواب أمشي في الطرقات... كان معراجا مهيبا مع الفينيق، لأزور القدس التي منعوني عنها، لكننا نملك ما هو أقوى منهم وأبقى، ذاكرتنا، وتاريخنا، وأساطيرنا، وإيماننا، وتصميمنا. هذا ما كان.. فكان كتاب سماء الفينيق.
كتب الزميل باسم سكجها مقدمة للكتاب بعنوان "مفلح العدوان.. وأيام الوَلَه الفلسطيني الحميم"، وهو عبارة عن نص أدبي حميمي، يقول فيها:
"وكأن لي اسما آخر، وكأن اسمي كان، أو صار: مفلح العدوان.
ولكن مفلح من مشارف عمان، وأنا من نَسل يافا، ودَم القدس.
ولكنني هو، أنا الذي تجمعت جيناتي عند ساحل مفتوح على البحر الواسع، وهو الذي تكون قلبه على شرق آسر يأتي بالشمس، ولا يبخل بالقمر، ويطلّ على القلب، يُطلّ على فلسطين".
سكجها بين أنه لا يكتب مقدمة للعدوان "لكنني أهدي نصّي للقراء، لأن اللغة تمثّلني، والأجواء تستغرقني، والأماكن تستحوذني، فكأنني، كقارئ، تقمّصت روح ذلك الفينيق الذي رافق مفلح، وحرسه من أي شر، وشحن في روحه كل ذلك الحب، وشحذ قلمه وعقله، وشد من همّته، ليأتي بهذا الكتاب الآسر، أو لعلّني، وكأنني، وأنني، كنت السماء التي غلّفت أيام مفلح الفلسطينية بهذا الوَلَه الكنعاني الحميم".
وأشار سكجها إلى أن القارئ هنا، هو الكاتب الذي مُنع من زيارة مكانه المقدسي، فيستحضر بيت المقدس حلماً محسوساً، ملموساً، مجسوساً، حيّاً حتى دقات القلوب، وشهقات النفس، وهو الذي عاش نابلس والخليل وبيت لحم، وجال في الذاكرة، واستحضر قصص الماضي، لتتجلى معه صورة الآن.