|
متى يرحل عواجيز الثقافة؟ خالد السرجانى فى أوروبا والدول المتقدمة معظم المثقفين عندما يصلون إلى سن محددة يفضلون الانسحاب من المشهد العام والظهور فقط عندما تستدعى الحاجة، وتكون مساهمتهم فقط من خلال إبداعاتهم، وهى فى معظمها تقتصر على كتابة سيرهم الذاتية لكى تستفيد منها الأجيال الجديدة. أما عندنا فإن المثقف «من دولم» يظل جاثما على المشهد العام حتى يقضى تماما على أى فرصة لظهور أجيال جديدة أو عناصر تستطيع أن تستكمل المسيرة الأمر الذى يؤدى إلى تجريف الحياة العامة وتكلس المؤسسات الثقافية. أكتب ذلك بعد خبطتين فى الراس، تضافان إلى خبطة ثالثة لم تفق منها الثقافة المصرية حتى الآن، وهى تكليف أحد كبار الكهنة بوضع استراتيجية ثقافية للمستقبل ثم نفاجأ بأنها لا تزيد على مقال صحفى ليس له أى علاقة بكلمة استراتيجية. أما الخبطتان فأولاهما التعيينات التى تمت على تشكيل المجلس الأعلى للثقافة، والذى لابد من أن يتغير اسمه إلى «مجلس العواجيز» مع كل التقدير لأعضائه من حيث الدور «السابق» فى الثقافة المصرية. وثانيتهما إعادة الدكتور فوزى فهمى صاحب الدور الثقافى المركزى فى عصر حسنى مبارك لكى يرأس مرة أخرى اللجنة المشرفة على اختيار الكتب الصادرة فى مكتبة الأسرة. ولكى لا يفهمنى أحد خطأ فإنى لا أحول الأمر إلى صراع أجيال ولكنى أسعى إلى تجديد الأجيال حتى لا تنجرف إلى الهاوية مؤسسات الدولة الثقافية التى يسيطر عليها جيل ولد فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى وواجه هزائم فى مجاله من التيارات المتشددة وعجز عن أن يجعل «الثقافة» و«المثقف» كلمتين مقبولتين شعبيا. كنت أتمنى أن يشرك الأستاذ السيد ياسين شبانا مثقفين معه فى وضع الخطوط العامة لما أطلق عليه السياسة الثقافية لمصر، وكنت أتمنى أيضا أن يعتذر بعض أعضاء المجلس الأعلى للثقافة عن عضوية المجلس. يتجاهل كهنة الثقافة وعواجيزها أنه لابد من إحداث قطيعة معرفية مع الماضى، وأن هذا الأمر يتطلب أجيالا جديدة تملك نمط تفكير مختلفا عن تفكيرهم. ويتجاهل هؤلاء أن التمرد عليهم سنة من سنن الحياة، وأن أوروبا والعالم الغربى حدثت عندهم ثورة معرفية بعد ثورة شباب 68، وهذه الثورة كانت على الأيقونات التى مثلها مثقفو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. فإذا كانت ورقة العمل المقترحة ترى أنه من «المظاهر الحادة للأزمة محاولة نفى الأجيال القديمة باعتبار أن أوانها قد انقضى، ولعل شعار (تسقط دولة العواجيز) يعبر عن هذا الاتجاه خير تعبير. ومعنى ذلك أن النشطاء السياسيين- ربما بغير وعى منهم- يدعون إلى صراع مفتوح بين الأجيال بدلاً من أن يقيموا حواراً فعالاً بين الأجيال»، تنقل فيه الخبرة بهدوء وسلاسة من الأجيال القديمة إلى الأجيال الشابة. فإن هذا النص يتجاهل أمرين الأول أن التجديد الكبير فى الفكر الغربى حدث فى ظروف مشابهة تماما لما نحن فيه الآن وأقصد هنا حركة 68 سواء أكانت تمردا أو ثورة شباب حسب التسمية التى تروق لك كانت تطالب بتخلى الأجيال القديمة عن القيادة. أما الأمر الثانى فهو أن جيل الكهنة هو الذى يسعى إلى جعلها صراعا مفتوحا بين الأجيال، من خلال الإصرار على أن يستمر ممسكا بمقاليد ومؤسسات الثقافة المصرية على الرغم من كل الإخفاقات التى حققها خلال نصف القرن الماضى، فلو كان سمح بعمليات إحلال وتجديد فى المؤسسات والمناصب لفتح الباب أمام حوار الأجيال الذى تدعو إليه الورقة، لكنه لم يترك خيارا آخر للأجيال الجديدة سوى أن تطالب برحيل دولة العواجيز، وعلى رأسهم عواجيز الثقافة المصرية. نقلا عن ” المصرى اليوم” الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الجمعة 15-08-2014 06:04 مساء الزوار: 4934
التعليقات: 0
|