عمان- عبر المراحل العمرية المختلفة، يعمل الآباء في عملية التربية والتنشئة على توجيه الأبناء وزرع القيم والمهارات اللازمة في نفوسهم، وإيجاد مساحة خاصة تسهم في تطوير الشخصية، بالتالي النظر الى المستقبل بعين ثاقبة ومختلفة. ولأن “خير جليس في الزمان كتاب”، فإن من المهم تعويد الطفل ثقافة القراءة منذ نعومة أظفاره، وأن تكون الكتب في مكتبته المنزلية الصغيرة جزءا لا ينفصل عن اهتماماته وتفاصيل يومه، واطلاعه على ثقافات العالم أجمع من خلالها. العديد من الدراسات أشارت الى أن القراءة أمام الأطفال في مرحلة الطفولة لها أهمية كبيرة وأثر إيجابي سواء على مستوى تنمية المهارات اللغوية والإدراكية أو على المستوى العاطفي والوجداني، لأن القراءة تجعل الطفل يتفاعل مع أحداث القصة بشكل أكبر. ويحث مختصون على ضرورة أن يتواجد في البيت مكتبة خاصة بالأطفال، ما يشجعهم على القراءة وعلى التنافسية فيما بينهم بقراءة عدد من الكتب والاطلاع على محتواها، والسعي نحو قراءة كل ما هو جديد واقتناء المزيد. مدير تحرير مجلة “وسام”- وزارة الثقافة محمد جمال عمرو، يؤكد لـ”الغد” ضرورة أن يختار الطفل كتابه المفضل، وأن يفكر في تأسيس مكتبته الخاصة، فهذا مصدر سعادة للأهل والمربين، كيف لا وهو يقبل على الوسيط الورقي في ظل منافسة غير مسبوقة مع الوسائط الإلكترونية الأخرى، وفي زمن العزوف عن القراءة، لكن الإعجاب بهذه الخطوة يجب ألا يلفتنا عن محطات تربوية لا بد من التوقف عندها. ويضيف “نتفق ابتداء أن الطفل يستمد ثقافته وأدبه من موارد ثلاثة، هي: الأسرة وما ارتبط بها من مجاورين وأقارب، والمدرسة وما ضمت من مدرسين وتلاميذ، ووسائل الاتصال المختلفة؛ كالكتب، والمجلات، والتلفاز، والإذاعة، والحاسوب، والألواح الذكية،… ما يعني أن الكتاب مورد يستقي منه الطفل ثقافته، إلى جانب الأهل والمربين، فهل لهم دور مباشر أو غير مباشر في توجيه الطفل للكتاب الذي يطالعه أو يقتنيه؟”. يقودنا السؤال، وفق عمرو، إلى مواصفات الكتاب الجيد من حيث الشكل والمضمون، ويندرج تحت ذلك حجم الكتاب وألوانه ورسومه ونوع الورق وحروف الطباعة وموافقة المضمون والقاموس اللغوي للمرحلة العمرية، وما إلى ذلك، الأمر الذي يفرض علينا التدخل بأسلوب مقبول للطفل عند اختياره الكتاب، فكل ممنوع مرغوب عنده، فإن منعناه من اقتناء كتاب ما، فلن يهدأ حتى يحصل عليه ليكتشف سبب منعنا له. وينوه الى أهمية تشجيع الطفل على اقتناء الكتب، بل وتخصيص جزء من مصروفه اليومي لشرائها، وعلينا أن نثني على فكرته بإنشاء مكتبته الخاصة، لكن تحت أعيننا مرشدين ناصحين لا أوصياء نفرض عليه الكتاب الذي يقتنيه، ولعل مما يحفزه كذلك أن نطلب منه تبادل تلك الكتب المقتناة مع أصدقائه وأقرانه، وأن يخصص لهم وقتا للمطالعة في مكتبته الخاصة. المختص في الإرشاد النفسي والتربوي الدكتور علي الغزو، يلفت الى أن الوعي بأهمية الكتاب بأيدي الأبناء مسؤولية تقع على عاتق الأهل، وهذا لا يعني أن ابتعادهم الكامل عن عالمهم التكنولوجي المهم أيضا لتطويرهم ومواكبة جيلهم، لكن الكتاب يفتح الآفاق ويخلق شخصية فريدة لديها مخزون ثري باللغة تساعد على تشكيل نظرة مختلفة تجاه الحياة والانفتاح على تجارب العالم. ووفق الغزو، فإن على الأهالي تعويد الصغار ثقافة الكتاب كجزء أساسي من تفاصيل يومهم، ومن الجيد توفير أرفف خشبية في غرفهم لتكون أولى خطوات المكتبة الخاصة التي ستضم فيها ما يهوى ويجذبه من كتب حول العالم. ويؤكد أن على الأهالي والمدرسة المساعدة على تنمية هذه العادة لدى الأطفال وتحبيبهم بالكتاب وتنمية مهارة القراءة من خلال التحفيز والتنافسية والجلسات الحوارية. وينصح بأن تعم هذه العادة في المنزل ليستفيد منها الجميع، فالقراءة تساعد على الاستقرار النفسي للعائلة، ويمكن أن تكون أداة للدعم النفسي. المكتبة المنزلية، موضوع تم طرحه خلال جلسة نقاشية في إمارة الشارقة، على هامش مهرجان الطفل القرائي في دورته 14، إذ تناول الكاتبان في أدب الأطفال، جيكار خورشيد وديمة العلمي، أهمية تطوير مهارات القراءة لدى الأطفال في سن مبكرة، لأهمية ذلك في تشكيل عقول ومستقبل الصغار. وأجمعا على أن القراءة للأطفال تبدأ منذ نعومة أظفارهم بهدف جعلها متعة متكاملة يرتبطون بها لتصبح روتينا يوميا، يجدون فيه حلا للتحديات التي تواجههم ويطورون من خلالها مهاراتهم ومواهبهم. وكانت الجلسة الحوارية بعنوان “كان ياما كان: استفد من وقت القراءة”، أدارتها لمياء توفيق، وناقشت التحديات التي تواجه الأهل أمام سعيهم لتعزيز حب القراءة لدى أطفالهم، وكيفية اختيار الكتب المناسبة لكل فئة عمرية. وقال جيكار خورشيد: “أجمل هدية نقدمها للطفل هي الكتاب، فحب الكتاب والقراءة لا يعلم بشكل أساسي، بل يكتسب من خلال العادة. ومن المهم جداً أن نجعل لكل طفل مكتبته الخاصة في المنزل، وأن يكون لدى الأم والأب وقتاً مخصصاً بشكل يومي للقراءة، فحينها يمكن للطفل أن يبدأ باكتساب هذه العادة والاستفادة منها، إلى جانب اصطحاب الصغار إلى المكتبات ومعارض الكتب لتكون أسلوب حياة دائما، كما أن أسلوب نقاش الأطفال في المواضيع التي تهمهم يعزز لديهم تعلقهم بالكتاب”. وأضاف: “كل طفل لديه اهتمامه الخاص، فإذا وجد حلا في كتاب معين يتعلق بهذا الموضوع، فحينها يُبنى لديه اعتقاد راسخ أن الكتاب وسيلة في غاية الأهمية لحل أي مشكلة أو تحد يواجهه”. وحول آلية اختيار الكتب المناسبة للأطفال، يقول خورشيد: “لكل فئة عمرية أسلوب، فالأطفال من عمر 2-5 سنوات لا بد للأهل أن يختاروا لهم الكتب بعناية، أما الأشخاص من الفئات الأخرى فيمكن منحهم مساحة من الحرية في اختيار الكتب، ولكن لا بد من نقاشهم حول موضوع هذا الكتاب وطبيعة محتواه، خاصة أمام الكم الهائل من الكتب المتوفرة في هذه الأيام”. ومن جهتها، أشارت ديمة العلمي، إلى أن تعزيز حب القراءة لدى الصغار يبدأ من لحظة كونه جنيناً في بطن أمه، حتى يتعلق بها ويؤسس لعلاقة مستدامة بينه وبينها، وفيما يتعلق بالتحديات أمام تشجيع الأطفال على القراءة، فربما أكبر تحد هو التطور التكنولوجي وألعاب الفيديو، ولكن يمكن مواجهة هذا التحدي بجعل القراءة متعة بحد ذاتها، وليس مهمة مفروضة على الطفل، لذلك مسؤولية الأهل تكمن في انتقاء الكتب المشوقة، تحديداً في الأعمار المبكرة، وأن تكون القراءة في المنزل عادة يومية. وقالت: “دائماً ما أعطي أطفالي مساحة لاختيار كتبهم، فهذا بحد ذاته جزء من متعة القراءة. التكنولوجيا اليوم بإمكاننا أن نوظفها لزيادة تعلق الأطفال بالقراءة، فعلى الرغم من تفضيلي الكتب المادية تحديداً للأطفال حتى سن 6 سنوات، إلا أنه لا بد أن نكون واقعيين أمام التقدم التكنولوجي الكبير اليوم، فيمكن أن نستخدم هذه المصادر التكنولوجية، وتحديداً التفاعلية التي تضع الصغار في عالم ممتع من القراءة عبرها”.