أدب الأطفال ورواية «عبدُه والبحر» للقاصة دينا بدر علاء الدين
القاص والناقد / محمد رمضان الجبور قد لا نبالغ إذا جزمنا أن الرواية أو القصة من أبرز الأنواع الأدبية المقدمة للطفل، ومن أكثرها إرضاءً لغروره، وهي من أكثر الأجناس الأدبية رواجاً وانتشاراً، ولذلك أسبابٌ عديدة، فالطفل بطبيعته يبحث عن المتعة والتسلية، يجذبه الخيال، يحاول أن يبتعد عن المنهاج الدراسي الذي أجبر عليه، بالهروب إلى القصة. وبالنظر إلى الساحة الأدبية نرى قلة الأعمال الأدبية الموجه للطفل، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة، من أبرزها، صعوبة الكتابة للطفل، صعوبات النشر والتكاليف الباهظة التي يتحملها المؤلف ، قلة عدد الذين يكتبون للطفل، عدم الاهتمام بأدب الطفل الاهتمام الكافي وغيرها من الأسباب، ورغم ذلك نرى بين الفينة والفينة من يتصدى للكتابة للأطفال، فالقاصة دينا بدر علاء الدين قد رفدت رفوف المكتبة العربية برواية للفتيان والفتيات عنونتها بـ (عبده والبحر). وقد جاءت الرواية الصادرة بدعم من وزارة الثقافة في ثمانٍ وأربعين صفحة من الورق السميك المصقول، وقد زيّن غلافها لوحة جميلة جاذبة لطفل يجلس قرب البحر، وقد طغى اللون الأزرق على معظم الغلاف الأمامي والخلفي في دلالة لما تضم الرواية من أحداث. وجاء عنوان الرواية بخط كبير وواضح وباللون الأزرق أيضاً.تدور أحداث الرواية حول طفل يتيم الأم يتزوج والده من امرأة تدعى روعة تبدو في بداية المشوار كلها عطف وحنان، ثم تتحول إلى امرأة متسلطة عنيفة تجاه الطفل اليتيم عبده، فيعقد الطفل عبده صداقة قوية جدا مع البحر، ويشكو همومه إلى صديقه البحر، وتجبره الظروف على العمل في عدة مهن، فوالده ليس إلا عامل نظافة، لكنه محبوب من الجميع بأخلاقه وأدبه، إلا أن زوجة والده جعلت منه طفلاً مشرداً بعد أن سببت له العديد من المشاكل. حاولت القاصة دينا بدر من خلال هذا العمل الروائي للأطفال أن تطرح مجموعة من القضايا الهامة بأسلوب قصصي جميل وهادف، فبالإضافة إلى عنصر الخيال الذي اعتمدته القاصة في تشويق الطفل المتلقي من صداقة عبده مع البحر وبثه لمشاكله وهمومه والطلب من صديقه البحر العون والمساعدة، نرى أن القاصة قد ركّزت على تمرير قيم تربوية هادفة، مثل الحلال والحرام، والسرقة، والنظافة، والأدب، والأخلاق الحميدة، فهي تصور الجوانب الإيجابية المفيدة، التي قد تساعد الطفل في صقل شخصيته، وتساعد في نمو الطفل نمواً جسمياً وعقلياً واجتماعياً. فمن مهام كاتب الأطفال، الاهتمام بالتربية، وتعليم الطفل العادات الحسنة والآداب العامة ، وتمرير بعض المعلومات العلمية دون التعمق في ذلك : «البحر : كثير من العلماء يغوصون في أعماقي، لاكتشاف أسراري، إنني احترمهم، واقدر شجاعتهم، لانهم يدركون أهميتي، ودوري الفاعل في الحياة « تحاول القاصة من خلال السرد وتسلسل الأحداث المنطقي بناء شخصية الطفل، الشخصية الرئيسية والمحورية في الرواية، بحيث تكون هذه الشخصية فاعلة وإيجابية، متعاونة، تُحب الخير للجميع، ولا تتوانى عن فعل الخير وكل ما هو صحيح، فشخصية الطفل اليتيم عبده، ترسم لها القاصة مجموعة من المشاهد التي تعزز الشخصية الإيجابية المتعاونة ، فهو يزور الحاج إبراهيم في دكانه ويساعده في التنظيف والترتيب، ويزوره في بيته مطمئناً عليه « في صبيحة اليوم التالي ذهب « عبده» إلى المدرسة، وفي طريق العودة عرّج على بيت جارهم الحاج إبراهيم، ليتفقد أحواله، فرح الحاج إبراهيم لزيارته وقال : أين أنت يا ولدي، منذ مدة طويلة ما رأيتك. عبده: لقد تغيرت الأحوال يا عماه، وأصبحت لا أجد وقتاً لزيارتك فلا تعتب عليّ « تُعرج على القاصة على قضية قد تكون الأهم والأخطر في مرحلة الطفولة إلا وهي الصحبة الفاسدة...الصحبة الضارة، التي قد تُغير من سلوك الطفل وتجعله ينخرط في هذه الصحبة ناسياً كل ما تعلم من مبادئ وأخلاق، فالكاتبة تُحذر الأهل والأطفال بأسلوب سردي ممتع من الصحبة الفاسدة، وترسل رسالة إلى الأهل بعدم ترك الأطفال في الشوارع مهما كانت الأسباب حتى لا يكون مصيرهم مصاحبة الأطفال الذين انحرفوا عن الطريق الصحيح، فالطفل عبده عندما طرده والده من المنزل كاد أن يكون ضحية لمثل هؤلاء الأطفال الذين انحرفوا عن الطريق الصحيح « وبحذر يشوبه الخوف أقترب منهم فأفسحوا له مكاناً وأجلسوه بينهم، قدّم له أحدهم سيجارة قائلاً : خذ هذه عبده : أنا لا أدخن السجائر. الشّاب ضاحكاً : ومن قال إنها سيجارة ؟ عبده مستغرباً : ما هي إذن ؟ الشاب : إنها سيجارة من نوع خاص، تجعلك تشعر وكأنك في عالم آخر، خذ وجرّب. عبده : لا...لا أريد. « فالقاصة توظف الحوار لما للحوار من أهمية في الرواية فمن خلاله تتكون ملامح الشخصية وتُكسب الموقف أو المشهد قوة الإقناع لدى الطفل فالحوار طريقة من طرق التواصل المفيدة والجميلة لدى الطفل خاصة،كما أنه يعبّر عن ثقافة الشخصيّات وآرائها، فمن خلال الحوار السابق نرى أن القاصة تنبه على قضية مهمة نتائج ترك الطفل دون رقابة من الأهل، وكيف أن الصحبة الفاسدة تؤثر سلبياً في أخلاق الطفل. الأدوات الفنية التي تمتلكها القاصة، والثقافة العميقة أهلّت القاصة لإخراج هذا العمل الأدبي بالصورة التي تليق به، فلغة القاصة لغة تتسم بالإيجاز والقوة، جمل قصيرة واضحة ومعبرة وتحمل هدفاً واضحاً، مما يساعد في زيادة الثروة اللغوية للطفل وينميها، واستخدام القاصة للغة العربية الفصيحة والسليمة تُعود الطفل على استعمال هذه اللغة كتابةً وحديثاً، ومن الجماليات التي اتسمت بها هذه الرواية وجود عنصر التشويق في أكثر أجزاء الرواية. هناك عناصر أخرى ساهمت في نجاح هذه الرواية للفتيان والفتيات، فقد أجادت القاصة في رسم الشخصيات بحرفية وإتقان، واهتمت بعنصر الحبكة، فظهرت في الرواية مجموعة من العقد الثانوية بالإضافة إلى العقدة أو الحبكة الرئيسية، وهذا يدل على تمكن القاصة من أدواتها الفنية وتظل هذه الرواية إضافة نوعية لرفوف المكتبة العربية للطفل، نتمنى للقاصة دينا بدر علاء الدين المزيد من النجاح.