Konversationen började idag
16:28
Atef Ez El Din
القناع المستعار
مدخل الى ديوان ( قصائد بلا عناوين )
للشاعر اللبنانى : بلال عقل الصنديد
الناقد / عاطف عز الدين عبد الفتاح
هذه دراسة نقدية موجزة فى ديوان ( قصائد بلا ديوان ) للشاعر اللبنانى بلال عقل الصنديد ؛ وقد صدر الديوان عام 1994 ؛ ويلاحظ قارئ الديوان أن قصائده بلا عناوين ؛ اذ أن الشاعر أغفل العنوان ووضع رقما للقصيدة كرؤية فنية من الشاعر رغم أهمية العنوان كعتبة للنص ومفتاح شفرته .
يقول الشاعر بلال عقل الصنديد فى مقدمة الديوان مدافعا عن رؤيته فى صدور الديوان بلا عناوين :
( العنوان يتقمص فكرة جميلة تتصدر الأبيات ؛ فيخفى خلفه مفارق القصائد وفواصل الكلام ؛ ومعابر الأبيات ؛ فهل تنشدون فى عناوينكم التستر ؟ لعمرى أن فى ستركم هذا عرى لا أحسدكم عليه ؛ فهو قناع مستعار فى طلاوته الظاهرة جمال بائن وسحر خائن يخفى خلفه بشاعة مستترة وحقيقة مريرة وغش غير محمود )
يقول الشاعر فى مفتتح " القصيدة الأولى " وقافيتها بحرف القاف :
( أجادلك ب " نعمك " ... وأغالطك بال " لا "
يا ثائرة .. على الحلول الوسطى .. وعلى الوفاق
يا امرأة متطرفة ..
تتأرجح ..بين الأرض والسماء
بين اللقاء ..والفراق
ليس بحبها اعتدال
عشقها انتحار .. حبك احتيار
وهواها من غير مذاق )
استخدم الشاعر ضمير المخاطب ؛ فيخاطب الشاعر محبوبته قائلا : ( أجادلك ب " نعمك " ... وأغالطك بال " لا " ) ؛ كما استخدم الشاعر الطباق ؛ وهو الجمع بين الشئ وضده فى الكلام ؛ مثل ما جاء فى مفتتح القصيدة ليعكس لنا الخصام والنزاع بين الحبيبين :
(نعم ولا .. ثائرة والوفاق..اللقاء والفراق ...الأرض والسماء ...متطرفة واعتدال )
ان المجادلة مع المحبوبة فى مفتتح القصيدة يجعلنا أمام حالة توتر ؛ فبينما تختار المحبوبة " نعم " ؛ فان الحبيب يختار " لا " ؛ وهذا يعكس عدم التفاهم بينهما ؛ فعندما يبدأ الشاعر ب " أجادلك " لا بد للقارئ أن يتشوق لمعرفة الجدال وأطرافه وسببه ؛ وهذا ما يطلق عليه النقاد المتخصصون اسم " التوتر الدرامى "
ويهمنا ان نتوقف قليلا أمام كلمة " جدال " التى استخدمها الشاعر الذى يعمل مستشارا قانونيا .
جدال : مصدر جادل والجدال مناقشة على سبيل المخاصمة ؛ مقابلة الحجة بالحجة .
واستخدم الشاعر بعض كلمات القاموس السياسى مثل : ( ثائرة والوفاق ومتطرفة ) ؛ وهذا يعكس اقتدار الشاعر فى ادخال هذه المفردات الى قصيدة رومانسية لتكون جزءا منها لا نشعر معه بغرابة الكلمات
ان الوفاق "فى القانون الدولى " اصطلاح يطلق على مختلف الاتفاقات الدولية فى أى صورة كانت ؛ والوفاق هو اتفاق فى الرأى والعمل ؛ وهذا يعنى التعايش والتقارب
ونلاحظ براعة الشاعر فى استخدام حرف الروى " القاف " لأن هذا الحرف يجود فى الشدة والحرب والخصام ؛ وحرف القاف يتناسب تماما مع الجدال والمشاكسة والمغالطة وهو ما يطلق عليه النقاد المتخصصون " ائتلاف القافية بمعنى البيت "
يقول الشاعر :
( أعجز أمام سور فهمك ... أضنيتنى
ألا ينفع معك ...أى افتراق
تحررى من قيد المثالية
اخرجى من أسرها
وجربى طعم الانعتاق
لاتقفى خلف زجاجها
ترين الحقيقة ...ولا تلمسيها
والزمن ما دام ...بسباق )
يستخدم الشاعر ضمير المخاطب شاعرا بالعجز مع المحبوبة التى لا تريد أن تفهمه ؛ ونلاحظ براعة الشاعر فى استخدام "السورالوهمى المجازى " الذى أنشأه الشاعر ليعكس لنا عجزه فكأن المحبوبة أقامت هذا السور لاعاقة اى محاولة للفهم مما يجعلنا نتذكر سور الصين العظيم وسور برلين الذى كان يفصل بين المانيا الاتحادية والمانيا الشرقية وكان يطلق عليه "السور الحديدى ".
يشعر الشاعر بالارهاق عند اقتحام سور فهم محبوبته ؛ فيستخدم لفظة " أضنيتنى " ، وفى هذا الصدد يقول الناقد المصرى الدكتور رمضان الحضرى فى مقالة " قصيدة النثر " :
( ان امكانيات اللغة العربية فى التكثيف والايقاع والصور والأخيلة واتساع الرؤية واتقان الصياغة وصحة التركيب لا بد أن يتناول موضوعا واحدا ويقدم فكرا ويصنع توازنا بين ذات المنتج وذات المتلقى ؛ ولا يمكن أن يتوافر ذلك فى لغة كما يتوافر فى اللغة العربية )
ويطالب الشاعر محبوبته بأن تتحرر من قيد المثالية كى تتواصل معه وتفهم ما يعانيه الحبيب من مشقة وارهاق ؛ ويجب أن نتوقف قليلا أمام تعبير الشاعر " تحررى من قيد المثالية " ونلاحظ مهارة الشاعر فى استخدام لفظة " قيد " ليعكس من خلالها مدى رغبة الحبيب فى الاقتراب من المحبوبة .
يقول الشاعر :
( أن تهتز رياض القلب
وأن تنفح بالطيب
جنائن التفاح الأحمر والدراق
هكذا الحب يا أميرتى
حلاوة الوعد ...وقلق الصد
وتلك هى ....حالة العشاق )
ومن خلال هذه الأبيات يأمل الشاعر أن يعيش _ من خلال تجربته الشعرية _ حالة العشاق ؛ وأن يتواصل مع المحبوبة مما يجعل رياض قلبه تهتز فرحا ؛ وهذا هو الحب كما يراه ؛ والذى حاول أن يوصله للمحبوبة لكنه وجد " سدا " مانعا
وديوان ( قصائد بلا عناوين ) للشاعر اللبنانى بلال عقل الصنديد يجعلنا أمام شاعر جدير بأن تحتفى به الساحة الشعرية العربية ؛ وأن يهتم بابداعه النقاد المتخصصون
الناقد / عاطف عز الدين عبد الفتاح