نَهـرُ الضِّيـاءْ
روحٌ يَــضوعُ وَقَلبٌ بالنَّــدى فُطِمــا وَمُقْلَتــــانِ يَـــضُمُّ الــكَونَ نورُهُمـــا
وراحَـتانِ هُما النُّعمـــى وَمـا سَكَنَتْ طُفولَةُ الحُــــبِّ والأَطياب نفْحَهُمـا
وَهَيـــبــةٌ أَودَعَــتْ في كُــلِّ ذاكِــرةٍ وقارَهـا مُنــــذُ دارَ الدَّهـــرُ وانتَظَـما
وَسيرةٌ بَوْحُها نــورٌ عَلــى شَـــجَرٍ مِن اليَقينِ بأَكنـــافِ الخُلــودِ نَمـــا
أَنبتَّها من رَحــيقِ الطُّهـرِ فانبَــعَثَتْ خُطاً يَؤمُّ شَــذى آثـارِهــا الأُمـمــــا
**
طَلَعْـــتَ كالنــورِ مِـــن مَكـنونِ آمِنةٍ وَمِـن عَـباءَةِ يَومٍ بالسَـنــــا خُتِمـــا
أســـرى فـــبلَّلَ للبيـــداء غـرَّتهـــا وَأَيــقَظَ البحـرَ والأعمـــاقَ والقِمَـــما
وَراحَ يــدفَــعُ فَــوقَ المـاءِ مَركِبـَهُ مُبشّراً، بِثـــيابِ العِـــطرِ مُحـــتَشِما
يُرخي المَجاديــفَ والأمــواجُ تحمِلهُ إلى مَواقيتِــــهِ العَـذراء حيـثُ سَما
يَومٌ أَطَـلَّ علـى الدُّنيـــا فَطَهَّــرَها وَبَثَّ في روحِهــا الآمـــالَ وابتَسَــما
**
أَلْقَتْ بَـناتُ النَّــدى أَثــوابَهُنَّ عَـلى سورِ الغَمامِ وَذَوَّبــنَ الَمـــدى نَـغَــما
بِهِ الصَلاةُ علــى خَيِر الـوَرى عَبَقَتْ يَعُبُّ من نَبعِها الدّفـــاق مَن حُرِمـا
تَضجُّ بالـذِّكْرِ أَبــراجُ النُّجـــومِ وَذا إِبليسُ تَحْتَ مَرامي جُنــدِها رُجِــما
وَهَلَّ جِبـــريلُ خَفّـاقاً تَحُــفُّ بِـهِ حَرائِرُ الغَيبِ نَسـراً بالضــياءِ هَمــى
يُــوَدّعُ الأَبجَديــاتِ الّتـــي سَلَفَــتْ وَيـزدَهي بِجَلالِ الضـــادِ مُعْتـَصِمــا
والآي مِن وَحيــهِ تُتْـلى مُرتَلــــــةً مُذْ كانَت اللّفـــظَ إعجــازاً وكان فَمـا
لِعَرشِـها تَهبِــطُ الأَنـوارُ خاشِعَــــةً تَرومُ بالغارِ أُفـقاً طـاهــــراً وَسَمــــا
لِأَيِّ غَيــثٍ تَمُـــــدُ الأرضُ أَذرُعَها وَيَبْذرُ الفَجْــرُ في أَحـيائِها الخِيما..؟
وَتَرتَقـــــــي بِـدَواة الضـوءِ ســارِيةً زَيتونةُ النّورِ تَبري روحَـــها قَلـَما..؟
أَيا قريشُ انْهَضي مِن عُمقِ كُلِّ كَرىً وانـزع أَيا غافِلاً مِن صَدرِكَ الوَرَما
واكسـر قُيودَكَ يا زنـدَ الرَّقيقِ فَـقَدْ أَتـــاكَ من يُعتِقُ الأَعــرابَ والعَجـما
**
مُوحداً جِئْتَ بالـــدّينِ الّذي صَفَعَتْ رِياحُهُ ناطِــحاتِ الشِّركِ فانْهَـدَمـا
محمــدٌ يا رسولَ الله مــا رَحَلَــــتْ شمُـوعُ هَديــكَ مِن لَيـلٍ وإِن بَهما
بُعِثْـــتَ والأرضُ تَشكو ظُلمَ ساكِنِـها وَالنّاسُ تعصُـرُ مِن أَعذاقِها الظُّلَمـا
تَجُــرُّ أَيّامَهــا جَـــرّاً وَتَـــجلِدُها عَلى الَهجيِر وَتحْسو بالكُؤوسِ دَمـا
أَقمتَ في نارِها لم تشتكِ وجــعا ونلت فيها الأسى، والدَّمع، والألما
وغالَبتكَ ريــاحُ الشــــكِّ عاتيــــــةً وَلاحقتكَ على أَنــوائِها التُّهـــما
وَما أَتيتَ لَهــا يَومـــاً بِمُبتَئـِـــسٍ وَما نَفثـتَ عَلـى أَثـوابِها سأَمـــا
أَشفقتَ أَن تحصُــدَ النَّكــباءُ باذِرَها وَأَن تَعـــودَ عَلى أبنائـِها حِممـــا
غَسَلـــــتَهـا باليَــدِ البـيضـاءِ مُتّئِـداً ورُمتها حُـرَّةً تستنهِـضُ الهِمـــما
وَضّاءَةً مِن كُهوفِ الـــذُّلِّ طاهِــرَةً أَطْلعْتَها تَرتَدي مِن خُلقِـكَ الشّـيَما
**
يا أَجمَلَ النّاسِ خَلــقاً فـاقَه ُخُلُـقٌ أَناخَ مِن حُسنـِه الميزان إذ حَكَمـا
ويــا نَبيّاً أَبيّاً، طاهِــرا،ً وَرِعـــــاً مُنَزَّهاً، عَن غِوايـاتِ الهَوى عُصِـما
يَتلو عَبيْرَ أَزاهيـرِ الحَديـثِ لُقــىً دُريّةً مَـنْ وَعى أَسـرارَها غَنِـمــا
وَتستَفيـق عَلى أغصانِ أحــرُفِـــهِ حَمائِمٌ طُفنَ في آفـاقِ مَـن قَـدِمـــــا
وَيستريح عَلـى شُطآنِ نَبـــرتــــِهِ رَوعُ القُلوبِ فَتُمسي والأَمينُ حِمى
فَوجُ الحِسانِ عَلى مَسـرى فَصاحَتِــهِ يَزفُّ بَينَ سـَواقي نُطقِهِ الِحــكَـما
يُرفرِفُ النّورُ في أَقراطِهـــا قَمـــراً وَينْهَضُ الوَردُ مِـن أَردانِها حُلُمـــا
تُحيي ظِماءَ النُّفوسِ الجُدبِ زفــرَتُها وَفي مُروجِ التُّقى تَستنبِتُ القِيَمـا
أُميّةٌ أَذْهَلَ الأَلبــابَ منطِقُـــهــــــا وَلَمْ يُجاوِزْ لَها رَكْـبُ الُّنهى قَدَما
تَرَكْتَ فينا كِتابـا حِكْمَــةٍ وهـــدى فلا ضلال لِمـن يَحـــيا بِظِلّهِــما
**
رَحيبَةٌ هذهِ الدّنـيـا إِذا حَـمَلَـــــتْ بِصَدرِها حُبَّ مَن أَهدى لَها النِّعَما
وَكَمْ يَضيـقُ فُـــــؤادٌ في أَزِقّتــِـــها إِذا نَأى عَن طَريقِ الحَـقِ وَانفَصَما
فَيا حَبيبَ اليَتامى وَالحُقوقُ بِــــــهِ فاضَتْ يَداها، وَيا مَن أَنصَفَ الرَّحِما
حَرائِرُ الخُلدِ في ذِكــراكَ ذُبنَ جَــوىً يُرسِــلنَ طَرفَ حَياءٍ للّـذي غُـــرِما
وَجّنــةٌ تَحَتها الأَنْهــــارُ جــــارِيَةً يسبيـهِ مِن حُسِنها ما ذاعَ أو كُتِمـــا
وَلــي بِحُبِّكَ أَسبابٌ أَبيـتُ عَلـــــى أَبــوابِـها نازِفا ً مِن تَوبَتــي نَــدَمــا
كَمْ عِشْتُ أَجْمَعُ أَيّامي وَأَطْرَحُـــهــا وما وَجَدتُ عَلى أَصـــفارِها رَقَمـــا
حتى عرفْت دِياراً أَنتَ تسكـنـهــا فَنِلت مِنْ بِرِّها الإِحْسـان والكــرما
هذي هَداياي فاعذرْ شاعراً قصــرتْ حُروفُهُ عَنْ جَلالِ، الوَصفِ إِذ عَظما
وَفيكَ ماسَتْ دَلالاً، وارتَــوت ْشَــرَفاً وَأَشرَعَـتْ للمَعالـي زَهـــوَها عَلَمـا
فَأَنْتَ نَهرُ الضّياءِ العَــذبِ في لُغَـــة ٍإليكَ مَدّتْ يداً واستنطَقَـتْ قَلَــمـا
وَخابَ مَنْ لَم تَكُــنْ في الأَرضِ قدوَتهُ وَفازَ مَن بِسجايا هَديكَ اتَّسَـــما...