نظمت دارة الفنون – مؤسسة خالد شومان حوارية بين د.عادلة العايدي-هنية ونقيب الفنانين التشكيليين الأردنيين ورئيس القسم الثقافي في جريدة الرأي حسين نشوان حول استعادة فخر النساء زيد كواحدة من أبرز الفنانات المعاصرات في القرن العشرين.
وجاء اللقاء بمناسبة إطلاق د.العايدي-هنية لسيرة "فخر النساء زيد: فنانة العوالم الباطنيّة"، بالتزامن مع معرض فخر النساء زيد الاستعادي في متحف Tate Modern وكونستهالي برلين ومتحف سرسق في بيروت. 
في البداية تحدث الأمير رعد بن زيد نجل الفنانة فخر النساء زيد، معبرا باسمه وباسم عائلته عن عميق الشكر والامتنان للفنانة السيدة سهى شومان ولمؤسسة خالد شومان للدعم المتواصل لإحياء ذكرى الفنانة فخر النساء زيد في المتاحف والمحافل العربية والعالمية دون كلل ولعقود متواصلة.
كما شكر الأمير د.عادلة على عملها الدؤوب في البحث المعمق لإخراج هذا الكتاب عن حياة فخر النساء زيد في جميع مراحلها وبيان مبادئها واتجاهاتها الفنية والفكرية. وأضاف "كانت الدكتورة مميزة بصدقها وتعبيرها وواقعيتها في كتابها. وأرى ذلك في تحليلاتها التي توصلت إليها عبر البحث المعمق في أرشيفها الخاص من مراسلات ووثائق وصور، حيث توصلت إلى نتائج قيمة تؤكد حب فخر النساء لسبر مكنونات الفضاء والإنسان والطبيعة، ومشاركتها وتفاعلها مع محبي الفن المعاصر، سعيا إلى بلورة أفكارها وقيمها الفنية".
من جانبه بدأ نشوان اللقاء بالتعريف بالفنانة فخر النساء زيد التي ولدت في منطقة تمثل جسرا بين الشرق والغرب، فحملت من ذلك المكان بعض ما يمكن أن يؤسس لعلاقة متسامحة بين الشرق والغرب، فكانت دائما تعتقد أن هذا العالم يمثل وحدة واحدة. لقد عاشت الفنانة حياة مديدة فهي من مواليد مطلع القرن العشرين في السنة الأولى، وكان من نصيبها أن ترى حربين عالميتين؛ وأضاف نشوان: "ولكم أن تغمضوا أعينكم وتجولوا ما يحيط بنا لما يمكن أن يستعر في أعماق الفنان برهافته وحساسيته إزاء ما يحيط من نار حولنا وغبار، فكانت هي قد حملت قرنا من الزمان تراثه هي الحروب".
وذكر نشوان أن المسألة المهمة التي تتصل بفن فخر النساء زيد هي أنها جالت في أنحاء العالم، وسافرت ورحلت واستطاعت أن تفرض حضورها في كل المحافل الدولية في ذلك الوقت، وهي الفتاة التي درست الفن في العشرينيات وكانت من أوائل الفتيات اللائي درسن الفن في الشرق الأوسط.
ثم سأل نشوان عادلة عن فكرة الكتاب والمحتوى والتحديات التي واجهتها خلال الاشتغال عليه، وكذلك الفكرة التي انطلقت منها لتأليفه وكتابته.
وأكدت عادلة على أن الكتاب سيرة حياة ومسيرة فنية، ذو أسلوب علمي سلس ومفهوم، وكان الخيط الأساسي فيه إعادة بناء حياة فخر النساء زيد عبر 9 عقود، وربط حياتها بمحطات مسيرتها الفنية. وركز البحث على أهم المعارض والمحطات واللوحات وما كتب عنها من نقد فني ونقد صحفي على مدار حياتها في تركيا وأوروبا والوطن العربي، إضافة إلى قيامها بتحليل جديد للوحاتها ومراحل مسيرتها المختلفة. 
أما نقطة الانطلاق فأوضحتها الكاتبة بقولها: "تمت دعوتي للمشاركة في بينالي اسطنبول 2015، للمشاركة في ندوة عن فخر النساء زيد، عندها فتحت الكتب والأوراق القديمة، كان التباين كبيرا بالنسبة لي بين فخر النساء كما أتذكرها، وبين فخر النساء الفنانة التي كان لديها نجاحات وكانت من رواد الفن الحديث، وبين ما هو مكتوب في بعض الكتب الذي هو عبارة عن نظرة استشراقية وكذلك دونية لها كامرأة".
وتضيف الباحثة: "ذهبت للمؤتمر، ثم ذكرت أنه يحبذ تشجيع إصدار كتاب عن فخر النساء زيد لإعادة تعريفها للقارئ الجديد ولكن بالأساليب الحديثة، ثم توقفت عند إبداء تلك الرغبة، ولما سمعت عن إقامة معرض في برلين ولندن وبيروت فكرت أن هذه هي أفضل فرصة لجذب اهتمام دار نشر لتدعم الكتاب، وأشكر هنا كلا من الصندوق العربي للفنون والثقافة الذي دعم كتابتي بمنحة تفرغ ومؤسسة خالد شومان التي دعمت بحثي لوجستيا في عمان".
وطرح الفنان نشوان سؤاله الثاني حول شخصية الفنانة فخر النساء زيد، متسائلا: "كما نعلم فإن كل فنان له مزاج مختلف؛ كيف يتعامل مع اللوحة ويبنيها، وكيف يفهم فكرة الجمال، وفخر النساء بدأت في السنوات الأخيرة تميل للتعليم، فكيف كان منهجها بالتعليم، ومن أبرز تلميذاتها، وكيف كانت تتعامل معهن إنسانيا؟".
أجابت عادلة: "تجربتي كانت مختلفة، فقد كنتُ طالبة بالمدرسة وأذهب بمفردي وآخذ معي دفترا وأعمل طوال الأسبوع ما تعطيني إياه من واجبات، ثم لما انتقلنا لمرحلة أكبر عندما طلبت مني الرسم على لوحة القماش"، وأشارت هنية إلى أن سعي فخر النساء زيد للتعليم تمثل في "أنها كانت متأثرة بأستاذها الفنان الفرنسي روجيه بيسيار الذي كان يعلِّم بالطريقة نفسها، وهي طريقة غير أكاديمية، وحاول أن يزحزح ما هو راكد أو كامن في شخصية الطالب. كان مراد فخر النساء تنمية الإنسان، فالطالبة المهتمة بالرسم كانت تساعدها لتنمية هذا الجانب، والطالبة المهتمة بالقراءة أو الفكر كانت تنمي لديها هذا الجانب إضافة إلى تنمية مهاراتها الفنية، وهكذا".
وحول سؤال نشوان للدكتورة عادلة إن كانت تعتقد أن القراءة الاستشراقية ضللت الناس وورطتهم في مناطق بعيدة عن قراءة اللوحة الحقيقة، أو إن كانت هي ضد فكرة الاستشراق كلها؟ أجابت الباحثة: "أولاً نحن نرى العديد من الفنانين الذين تأثروا بالفن الإسلامي أو الفارسي أو البيزنطي أو فن المنمنات وغيره، وبنوا مسيرات فنية قديرة جداً، وهذا تم بإرادتهم هم؛ بمعنى أنهم هم قرروا الخوض في هذا الاتجاه"، مضيفة: "المشكلة مع فخر النساء زيد أنها لم تنتهج هذا النهج إطلاقا. بدأت كرسامة أكاديمية متأثرة كطالبة بفن عصر النهضة الأوروبية, ثم أصبحت فنانة معروفة ترسم لوحات من الفن التعبيري الحديث  في تركيا، وكانت من الفنانات الرائدات هناك، ثم عرفت في لندن نجاحاً كبيراً مع تحولها للفن التجريدي، وكان التتويج في فرنسا في الخمسينات. فكانت ناجحة بكل المعايير فلا أنتهج خطاب الضحية ، لكن المشكلة أننا عندما نريد أن نفهم عملها بناء على ما كتب في ذلك الوقت، نرى أن بعض الكتّاب في فرنسا انتهجوا هذا النهج الاستشراقي، وفتحوا الباب على مصراعيه ليجعلوا الناس الذين لا وقت لديهم للفهم والتحليل يمشوا على خطاهم، وفي هذا الكتاب قمت بتفكيك هذا الخطاب، وبيان كيف انتشر".
وأكدت هنية: "فخر النساء كانت تتكلم الإنجليزية والفرنسية بلهجة أخاذة، وكونها امرأة وأجنبية، ولوحاتها من مقاييس هائلة التكوين، بحيث كانت تقزم من عمل الآخرين رغم أنها كانت تنتمي للمدرسة الفنية نفسها، مدرسة باريس الجديدة أو مدرسة الفن التجريدي الغنائي.. كل هذا خلق ربما نوعاً من الارتباك عند الناقد الغربي المحدود المتعود على أشياء ممنهجة ومبسطة في ذلك العصر قبل العولمة وانتقاد الذهنية الاستشرافية".
وختمت الدكتورة عادلة اللقاء الحواري الذي قدم فيه الجمهور أسئلته ومداخلاته، بروايتها لاختراع الفنانة فخر النساء لنوع جديد من الخامة الفنية في الستينيات، وصنعت تماثيل تجريدية من الضوء واللون والحركة، بمعاونة تقنية من الفنان عصام السعيد الذي دلّها على المادة الكيميائية لصب قوالب من البوليستر التي كانت تلونه وتصف داخله عظاما حيوانية تشكل مجسمات فريدة من نوعها أسمتها "باليوكريستالوس" أو صخور من الزجاج، والتي عرضتها أول مرة سنة 1969 ولم يتبق منها إلا عددا قليلا. 
وتعتبر هذه السيرة التي نشرت في حزيران (يونيو) 2017 عن دار نشر (آرت بوكس) اللندنية السيرة الفنية الأولى للفنانة، ومن السير القليلة المطبوعة حول فنانين من الشرق الأوسط. كما يذكر أن الفنانة فخر النساء زيد كانت من رواد الفن الحديث في أربعينيات القرن 20 في تركيا، ومن اكتشافات هذه السيرة أن الفنانة كانت أول فنان شرق أوسطي يقيم معرضا فنيا منفردا في قاعة عرض بمدينة نيويورك سنة 1950، وهي أول امرأة تقيم معرضا فنيا منفردا في قاعة معهد الفنون المعاصرة بلندن سنة 1954 وكانت الفنانة الشرق أوسطية الوحيدة التي كان لديها حضورا ناجحا في عواصم الفن الغربي في القرن 20. ثم ساهمت الفنانة في نشر الفن التجريدي بالأردن في الثمانينيات من خلال إنشائها لمعهد فخر النساء زيد للفنون الجميلة بعمّان من 1976-1991   

المصدر :  جريدة الغد