تعد التقديمات أو التصديرات للكتب النقدية المترجمة وغير المترجمة شكلا آخر من أشكال نقد النقد وهي على أنواع فقد تكون تقديما يضعه المترجم لكتاب نقدي غربي وقد تكون مقدمات يضعها النقاد لمؤلفاتهم أو مؤلفات غيرهم من النقاد.
فأما التصديرات للترجمات النقدية فإنها كغيرها من الدراسات النقد نقدية، لا تنطوي على آلية ما من آليات التمنهج بنقد النقد. وتظل عملية كتابتها لا تتعدى إنجاز مراجعة أو عرض أو تلخيص بلا قصدية امتلاك منهج لأجل إتمام مقاربة نقد نقدية إلا في النادر القليل.
لذلك نجد اختلافا جليا في هذا الشكل من الكتابات النقد النقدية التي هي أما تحليلية تستعرض مضمون الكتاب النقدي المترجم، أو هي إعادة مراجعة تسعف القراء وتضعهم في الصورة من الكتاب المترجم كمادة نقدية وكشكل كتابي يتم توضيح هوامشه ومتونه .. 
 ولهذا الأمر جانبان الأول ايجابي وهو قيام المترجم بدور الوسيط التواصلي بين القارئ والمقروء وذلك حين يمتلك رؤية نقد نقدية تمنحه فرصة إعادة إنتاج ما ترجمه بعد أن يكون قد هضمه واستوعب تجلياته الظاهرة والباطنية. وهذا ما يفضي إلى المساعدة في التلقي بمتعة ولذة. 
والجانب الثاني سلبي كون التقديم أو التصدير يقضي على روح التحدي عند القارئ ولا يدعه يجد بغيته بنفسه أو يجرب إمكاناته الذاتية في الدخول إلى الكتاب بلا وسيط يساعده في الوصول إلى فهم الرؤى والطروحات.
وما يهمنا في هذا الصدد هو هذا الجانب الايجابي الذي فيه اشتغال كتابي ينضوي في خانة نقد النقد إذ قد يفضي الرصد للمنهجية المتبعة في التصدير للترجمات مثلا الى أن تبحث في المؤلف والنص معا كما عمل محمد عناني مترجم كتاب (المثقف والسلطة) الذي قدم لترجمته تصديرا يساعد القارئ العربي على معرفة من هو المؤلف ادوارد سعيد وما أفكاره متناولا المفاهيم التي كثرت دلالاتها عند سعيد مثل التمثيل والفكر المنطقي وطبقة الانتلجنيسيا وعلاقاتهم بالسلطة والمفكر ومثله فعل مترجما كتاب (النقد الثقافي تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة) اللذان بينا كيف عثرا على الكتاب وما الكتب الغربية التي تندرج في سياق موضوع الكتاب وأسلوب المؤلف وأبواب الكتاب مع عرض لأهم محتوياته وإشكاليات الكتاب التي أثارها كالاستعارات والعلامات 
واتبع مترجما كتاب (قضايا الشعرية) منهجا استقصائيا يقدم للقارئ فرشة تجمع بين الدراسة السياقية كالنظر إلى المؤلف (نشأته ودراسته وانتقالاته) وعلاقته باللسانيات وبين الدراسة الفنية من ناحية أسلوب المؤلف في الشرح والتحليل والتمثيل وكيف أن ياكبسون على عكس اللسانيين البنيويين الأمريكيين قد أولى عناية يسيرة بالمعنى وهو يدرسه دراسة لسانية وقدَّم المترجمان إشارات مقتضبة حول أهم المفاهيم التي طرقها ياكبسون كالتعارض الثنائي والتوازي والوظيفة الشعرية وغيرها. 
وتكاد أغلب التصديرات الترجمية تجمع على إتباع منهجية جامعة بين الفنية والوصفية والتاريخية كأن تقوم على تلخيص فكرة الكتاب النقدي المترجم والتعريف بمؤلفه، وهو ما اعتمده مترجما كتاب( النقد الادبي ومدارسه الحديثة) في تصديرهما للكتاب المترجم أو يتعرضا لقيمته النقدية وخصوصية موضوعه. 
وعلى الرغم من ذلك إلا إننا لا نعدم وجود تصديرات ترجماتية تنم عن إتباع واع لمنهجية تلائم ممارسة نقد النقد كتوظيف منهج التأويل أو منهج الاستنطاق ومن ذلك ما ذهب إليه عبد الرحمن تواب في ترجمته لكتاب (مدخل لجامع النص)، إذ سلط الضوء على ما ورائية قضية الأجناس الأدبية وعلاقتها بالشعرية، مستنطقا أهم سمة في الكتاب وهي التكثيف في اجتراح مفاهيم الجهاز النظري مع مراجعة لدلالة العنوان وتبيان ما يمكن أن يكون من مزالق الترجمة بإزاء الكيفية التي سار عليها في وضع الهوامش والعلامات والأرقام 
ودلل د. عبد الجبار المطلبي في ترجمته لكتاب (قضايا النقد الادبي) على مقصدية الترجمة لهذا الكتاب التي تأتي من منطلق مراجعة المصطلحات الموظفة في النص النقدي المترجم وهو الذي بيّن أيضا ما في الكتاب من البنيات المنطقية والفرضيات التفسيرية والإجرائية، مؤكدا أهمية الكتاب المترجم ودوره في استقراء النقاد والبحث في أسس النقد وطبيعته وأحكامه وقد عاضد مؤلف الكتاب في إمكانية أن يكون المتصدر للنقد ليس بناقد وأن بعض ما يكتب في النقد هو مجرد ادعاء لا يقوم على أسس نقديةوما مقصدية الاشتغال النقدي في الترجمة هنا إلا توكيد قطعي أن المترجم هو فاعل التلفظ والقائم بالتعاضد النصي، بإزاءالمقاصد المتضمنة..
وقد لا يكتفي المترجم بالتصدير فيأتي بتصدير آخر يقدمه قارئ نقدي آخر ليكون معاضدا له وبمثابة إعادة مراجعة للنص النقدي المترجم، كما فعل المترجم محمود احمد عبد الله في ترجمته كتاب (تفكيك دوركايم نقد ما بعد بنيوي) للمؤلفة جينفير م.ليمان، فقد افتتح الكتاب بمراجعة ما بعد نقدية كتبها الأستاذ محمد حافظ دياب تحت عنوان( درس دوركايم والنص اليتيم) استعرض فيها منجزات دوركايم في علم الاجتماع وأثره في وضع نظرية اجتماعية تستبصر تحولات المجتمع الأوربي حتى جعل من علم الاجتماع علما على المستويات كلها.. متناولا راهنية المشهد الذي عليه علم الاجتماع اليوم وأثر العولمة في تشكيل غائية هذا العلم مع المرور على أهم المفاهيم السوسيولوجية للمجتمع المدني.
ومن ثم اتبع المترجم هذا التصدير بمقدمة عنوانها (دوركايم والتفكيك والبنيوية) نافيا عن نفسه أن يكون بصدد وضع مراجعة نقدية شاملة لكننا نجده قد دلف إلى ذلك واقترب منه كونه اتبع منهجية نقد نقدية تتسم بالاستنطاق من خلال قصدية عرضه لحيثيات علم الاجتماع وعلاقتها بنظرية دوركايم المعرفية التي تضاد الذات وتتوجه للذات الجمعية 
ولم يتوان من المرور على ثنائيات دوركايم ومنهجه العقلاني من أجل فك الصراع بين الثنائيات الآتية: المثالي /الوضعي، الفرد /المجتمع، النفسي/الاجتماعي، الآلي/العضوي، الليبرالية /الاشتراكية، استقلال أم مؤالفه معرفية، النظري/ التصنيفي، التحليل الكمي والكيفي، والدوركايمية والتلقي، وكل ذلك تم على وفق قصدية التعاطي النقد نقدية بدليل أن المترجم ثبت نقاطا حول قراءة المؤلفة لفكر دوركايم مبينا أن العمل الحالي يقع ما بين مرحلة دوركايم ما قبل البنيوية ومرحلة ما بعد البنيوية وتحديدا التفكيكية 
ووجه انتقادات أخرى كثيرة للمؤلفة منطلقا من براغماتية التحاور مع النص النقدي المترجم وأن الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحات جينفير ليمان في قراءتها للدوركايمية يطرح سؤالا عن نص دوركايم هل هو نص يتيم لم يولد من ذاته
ولعل هذا النمط من الاشتغال النقد نقدي كثيرا ما نلمسه في تصدير الكتب المترجمة تحت إشراف المركز القومي للترجمة في مصر.
وبالمقابل قد نجد ترجمات لكتب نقدية بلا تصديرات أو تقديمات مستغنية عن ذلك انطلاقا من رؤية منغلقة تتكئ على الجانب السلبي الذي اوضحناه آنفا. ومن ذلك ترجمة كتاب( دروس ميشيل فوكو) التي خلت من وضع تقديم سوى تمهيد عرّف فيه المترجم بالمؤلف والكتاب على إيجاز مقتضب جدا لا يتجاوز بضعة اسطر. وكذلك لم يضع مترجم كتاب( القارئ في الحكاية التعاضد التأويلي في النصوص الحكائية) تقديما بل اكتفى بما سماه ملاحظات حول الهوامش وترقيم الأسطر وبعض المفردات مما يخص الترجمة بينما عزف مترجم كتاب( الكتابة في درجة الصفر) عن كتابة سطر واحد..
وما هذا التفاوت في الاشتغال على نقد ترجمة النصوص النقدية الغربية والتصدير لها؛ إلا إثبات لشكل من أشكال تبدد النقد ما بعد الحداثي عندنا ما بين غياب الرؤيا المنهجية لنقد النقد وبين التباس حدودها وتعدد هويتها وتضاد اشتغالاتها كمصطلح ونظرية.
وهذا ما يستدعي الحاجة إلى بزوغ مشروع مؤسساتي عربي ما بعد نقدي يضبط الجهاز الاصطلاحي الترجمي ويؤطر هذا اللون من التعاطي النقدي في محددات منهجية ورؤيوية توحد الجهود وتوجهها وبما يضمن لها الفعالية والديمومة ويمنحها السيرورة والنماء بعيدا عن التشتيت والتعارض والاختلاف

مصدر : جريدة الدستور