|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قراءة في مرجعيات الفضاء التشكيلي لقصة عنقاء / للكاتبة والناقدة د. سوزان أسماعيل.. بقلم حيدر الأديب
عاشقة
الصحراء :
كيف تؤدي القصة القصيرة جدا هويتها؟!
قراءة في مرجعيات الفضاء التشكيلي لقصة عنقاء / للكاتبة والناقدة د. سوزان أسماعيل / سوريا
بقلم حيدر الأديب
أصل النص موضوع القراءة
ـ ’’ عنقاء ’’
نظروا إليَّ كحبّةِ قمحٍ، طُحنْتُ ... صرْتُ خبزًا لجوعِهم.. حينَ نضوج، نمَتْ أشواكُهم السَّوداء.. انتهيْتُ كعودٍ جافٍ لا أملَ لي سوى الاحتراق.. تناثرَ رمادي في عيونِ الأحفادِ.
القراءة
لا ريب ان العمل الأدبي هو (حزمة حقيقية من العلاقات) و(عمل) هو كشف اسقاطات وارتباطات مسار هذه الحزمة واستنطاق سياقاتها فلم يعد الأمر متعلقا بلغة ومدلولات ومن وراء هذه اللغة تبدو المظاهر العلائقية للنص (فلسفية / نفسية / تحليلية / إحالية) كل هذا وهي لا تنفك في محايثة النص
سأحاول قول شيء ما عن هذه القصة عبر مداخل مختلفة فالنص يحاور مرجعيات النقد لا النقد يسقط توقعاته على النص نذهب مع النص حيث ذهب في سقوط امطاره نستنطق تلك المساحات المخضرة نطرح عليها انتشاءنا ومسافاتنا منها اختلافا واتفاقا وحده الناقد يبسط كفيه الى النص ليبلغ فاه وما هو ببالغه فالنص حركة جمالية في جسد الوجود والناقد مبتلى بامشاج تلك الحركة يبقى الناقد رهين الظلال ونصف الكأس
هذا القراءة هي مسافة ودية الى حكمة النص ورشها بتأملات كاشفة لحركة الذات والدلالة والمدلول في عوالم اللغة والمعنى كنشاط تأويلي يطل على أصل المفاهيم التي تتقوم بها اركان وسمات وتتقانات القصة القصيرة جدا هذه المفاهيم التي لم تزل تتشكل في التجريب الأبداعي والنقدي ولم تحسم ولن تحسم لن الأدب ستغذى على التجريب ويضره الصواب جدا لأن الصواب اختيار خجول امام محتملات على عد أصابع البشرية وكل إصبع تجربة
هي اذن دعوة الى فلسفة استجواب لتوجيه الأشارات والرموز والعلامات في (القارئ / النص) كي تصبح منظومة دلالية توصل القارئ الى سقف براءته في عوالم ظهورهوياته في النص او اتهامه في قمع هذه الهويات تحت سلطة الأسقاطات أو الأوهام والأهواء وهو يقود النص باتجاه خطاباته
ان تأويل النص هو تاويل للوجود وبالتالي تاويل للذات
لماذا تأويل وليس معرفة؟ تأويل لأن المعرفة ترتبط بالعالم المعطى بشكل مباشر بينما التأويل المسافة التي تقترب الذات فيها من كينونتها اما الأشكال المعطاة من قبل العالم بصورة مباشرة فهي محايثة لمدلولها الجزئي
التناص السيمائي
جاء في كتاب القصة القصيرة جدا رؤى وجماليات ان (التناص فاعلية تهتم بالعلامة وتدخل في اتصال ادبي معها فتعيد توزيع وتنظيم مجموع العلامات )
(منفردة / مركبة) في مرسلات تتمكن من موقعة ذاتها داخل خطاب ما
كيف نفهم هذا؟
تمضي القصة في سياقين متجاورين أحدهما سياق العقوق والأخر سياق العطاء ويطالعنا تناص في كل سياق يعيد الذهن الى الجذر القيمي المعالج في القصة (الحبة / الشوكة)
الحبة والشوكة هنا علامتان مشفّرتان تشفيرا ثقافيا لدى الذات المكونة لهذا النص فالذات هنا تشكيل تأويلي لا يتعامل مع الأشياء كمعطى ثابت ولا يقترح لها فهمه بل الذات تأويل الشيء في علائقه معها ومن هنا فــ (الحبة / الشوكة) هي إشارات والاشارات لا تشير الى الأشياء بل تدل على مفاهيم والمفاهيم ركن من اركان الفكر وليس الواقع اذن الإشارات هي استرجاع مواد الواقع في سياقات خاصة (مفهوم / مغزى) وليس (كلمات /علائق)
(كحبّةِ قمحٍ، طُحِنتُ وصرْتُ خبزًا لجوعِهم.) يتناص هذا المقطع مع قوله تبارك وتعالى (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) فكلا السياقين هما عطاء مثمر دائم والتشبيه هنا قائم على إعطاء المشبه كل امتيازات المشبه به ففي الآية المباركة اتبعها بسبع سنابل ولم يقل سنبلات دلالة على الكثرة وأشار للحبة واراد الكل وهذا ملمح لحذف كل تجسيمات التمثيل المادي كون الحبة والسنابل في تعاطي مفهوم النماء والكثرة وكذلك فعل النص في (صرت خبزا) دلالة على هذا الانماء والثبات فيه
(حينَ نضوج، نمَتْ أشواكُهم السَّوداء..) هنا تناص مع سياق تبديل النعمة لا مع الجزاء بالمثل لان الوالدان لا يمارسان احسانا على اولادهما ولا يطلبان بذلك اجرا بل هما نعمة لذا يتبادر الى الذهن (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بإنفسهم)
بهذا تحقق القصة واحد من تقنيات القصة القصيرة جدا وهو التناص ولكنه تناص سيمائي ومبنية على سياقين سويا وفق تضاد (عطاء / جحود)
التناص السيمائي لا يمارس انزياحا عبر اللغة ولا يتلاعب باللغة ولكنه يعمل في مجال اشاري يحيل الى مساحات جاهزة ومن هناك يستعيد نوايا المقاصد
المعجم الاستعاري
يقول والاس ستيفنز (ان الاستعارة تخلق واقعا جديدا يظهر خلاله الأصل وكأنه غير واقعي)
يمكن الإمساك بهذا المعجم كما يلي (حبة قمح / نضوج / جوع / اشواك / سوداء/ عود / جاف / امل / رماد / احتراق / عيون / احفاد)
يتوزع هذا المعجم على مستويات هي
1- المستوى الرمزي / حيث المعاني الرمزية الخاصة بهذا العالم
2- المستوى التأويلي الباطني / الخاص بالعالم الروحي
3- المستوى المجازي / الخاص بالذاتي او القيمة الأخلاقية
ما تفسير هذ المعجم؟ هذا المعجم الاستعاري فعل تنظيم يعيد توزيع منطوق الذات في مقصدية خلاقة
وحدها الاستعارة تجد الذات فيها كينونتها لأن الذات في حالتها الواقعية محايدة على مسافة واحدة من الأشكال المهيأة للمعنى
المفارقة
أحد الأسس الجمالية للقصة القصيرة جدا هي المفارقة وهي معطى لغوي تتحكم فيها متضادات ثنائية ينحرف بالنص الى حدث على حساب الحدث الأصلي مصحوبا بالأثارة والتشويق وتقع في ثلاثة أنواع كما يذكرها الدكتور جاسم خلف الياس (المفارقة الدرامية والمفارقة الملحوظة والمفارقة اللفظية)
المفارقة لا تعول على المتن السردي في كفاءتها فقط لأنه يدفعها للتشكل ويوفر لها ذريعة التموضع في لحظة خاطفة ولذا هي تعول على قدرة القارئ في انتاج أشكال المعنى المفارق
الجملة المفارقة هنا (تناثرَ رمادي في عيونِ الأحفادِ) وفهم هذه المفارقة يتوزع الى مستويين الأول فهم محتوى الحقيقة المحمولة في جسد العبارة والثاني هو المقصدية من هذا وظهور هذا التركيب
الفهم هنا استراتيجية يستعان بها لفهم المركب (الجوهري / القصدي) من المفارقة
الجوهري (رمادي) والقصدي هو إحالة الى سنة جريان العقوق في الحفدة
هذه المفارقة حاسمة هنا لأنها نتيجة سياق والسياق هو من حافظ وحرس تشظي مدلولاتها الى غير عنوان العطاء المجحود بنعمته (العقوق) فالنص قبل ان يعبر عن معنى يخطط للمعنى وتخطيطه هنا هو شكل سياقه
التكثيف والشعرية
يتحقق التكثيف في الصورة والشاعرية والحذف والاختزال والتبئير والفراغات والمجازات والغياب والاحتمالات
التكثيف هو نقل الكم المفرداتي الى الكيف النوعي في مغزى يمارس حذفا على مستوى الفكرة واللغة
يتضح جدا من هذالنص تماسكه التركيبي وتراصه في تتابع دون ترهل أو فراغات أو تعكز
ومن هنا فان هذه القصة هي (القصة - القصيدة) لأننا نلاحظ فيها البعد الأيحائي أكثر من التواصلي اذ غلبت ابعادها الاستعارية على الكنائية وهذا يحسب لها
كذلك ايقاعية التشكيل المسافر من السرد الى الإيحاء وموسيقية الجملة الهادئة
هذا يعني ان الدكتورة سوزان هنا توظف قدراتها الشعرية في وظائف السرد وهي تلقمه ممكنات التخييل والتجاور وتعدد مستويات الدلالة
وقد كانت القاصة حذرة في عدم إنهاك جملتها القصصية حد التغاير النوعي نحو الشعرية بل مارست اشتراطات السرد ونموذج قصتها هو نموذج تعلو فيه اللغة الشعرية كما قلت لكنه مرصود بميثاق حاسة السرد
حيدر الأديب / العراق
الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الأحد 24-05-2020 08:57 مساء الزوار: 962
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 14-11-2024 |
قراءة في رواية «النبطي المنشود» لصفاء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
ميزان النقد في رأي المجتهد بقلم نجم ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
قراءة في كتاب «معاصر السمسم بين الماضي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 22-09-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 06-09-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-06-2024 |
«شذرات نقدية».. إصدار جديد للكاتبة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 09-04-2024 |
«زهوة تلتقي طيفا» للكاتبة ميسون عوني | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 09-03-2024 |
قراءة في رواية صفاء أبو خضرة «اليركون» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 14-02-2024 |
أدب المقاومة الفلسطينيّة عند سناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 19-01-2024 |
«العبور على طائرة من ورق»... رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 19-01-2024 |
قراءة في ديوان «المشكال» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
قراءة في رواية( عشرُ صلواتٍ للجسد) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 24-07-2023 |
لمحة عن كتاب «سحابا ثقالا» للكاتبة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 04-06-2023 |
قراءة في كتاب «للأشياء أسماء أخرى» لروند ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 28-05-2023 |