يَجِبُ أَْنْ نذكر في الْبِدَايَةِ أَنَّ مُصْطَلَحَ الْقِرَاءةِ قَدْ تَجَاوَزَ الْكَثِير مِن َالدَّلَالَاتِ الْمُلْتَبِسَةِ، وَغَدَا مَفْهُومَا يَتَضَمَّنُ الْمُعَانَاة، معاناة الكتابةِ وَالْإِبْدَاعِ، وَسَبْرَ لْخَفَايَا الْكَامِنَةِ فِي النَّصِّ، وَتُقَلِّصُ الْمَسَّاحَات الْمَفْتُوحَة، الَّتِي تَحَمُّل فِي طَيَّاتِهَا مَزِيدًا مِنَ التأويلِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ دَلَالَاتِ النَّص لَمْ تقُلْ بَعِّدْ، وَإِذَا قِيلَ بَعْضُهَا فَإِنَّهُ قِيلَ بِشَكْلٍ غَامِضٍ (!)
وَرُبَّمَا كَنَّا عَلَى قَدْرٍ مِنَ الْإِجْحَافِ وَالظُّلْمِ إِنَّ وَضْعَنَا هَذَا الدِّيوَان تَحْتَ مسمِي الكِتَابَةَ ” النُسَوِّية” لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْإِبْدَاعِيَّةَ بِصِفَةٍ عَامَّة وَالشِّعْرَ بِصِفَةِ خَاصَّةٍ َلَا يَجُوزُ فِيهَا التَّصْنِيف، فالشَّعَرُ هُوَ الْكَلَاَمُ الدَّالَ عَلَى مُعَيَّنِ مُعَيَّنِ، وَهُوَ مِنَ الشُّعُورِ، أَي الْإِحْسَاسِ وَالْمَشَاعِر، يَحْتَوِي عَلَى كَلِمَاتٍ وَأَلْفَاظِ تَعْبِيرِيَّةٍ وَتَخَيُّلِيَّةٍ ليعْطِي إِيحَاءً لِلْقَارِئِ عَنْ طَبِيعَةٍ مَا يَقْرَأُ.وَيَقُولُ الْجُرْجَانِيُّ:” أَنَا أَقُولُ- أَيَّدَكَ اللهُ- إِنَّ الشِّعْرَ عِلْمٌ ٌمِنْ عُلُومِ الْعُرْبِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الطَّبْعُ وَالرِّوَايَةُ وَالذَّكَاءُ”.
تِلْكَ الأحاسيس الَّتِي تَصِلُ إِلَيْنَا بِصِيَاغَةٍ َفنِيَّة لَا تتأتَى إلا مِنْ شَخْصِ يَعِيشُ فِي وَسَطِ جِمَاعَة، يَتَأَثَّرُ بها وَيُؤَثِّرُ فِيهَا.
وَلِأَنَّ مَفْهُومَ الْقِرَاءةِ يَرْتَبِطُ بالمتلقي اِرْتِبَاطَا وَثِيقَا، وَهِي عَلَاَّقَةٌ تَرْتَبِطُ بِالتَّأْثِيرِ وَالتَّأَثُّرِ، يُصَبِّحُ عَلَى المتلقي أَن يسَألَ نفسه وَهُوَ يَنْظُرُ فِي مُحْتَوَى النَّصِّ الَّذِي يَقْرَأُ، مَا أهَمِّيَّةُ الْمُحْتَوَى الَّذِي بَيْنَ يَدِيِّهِ ،وماهي الدَّلَالَاتِ الْمُرْتَبِطَةِ بِالنَّصِّ أَوْ بِمُفْرَدَاتِهِ؟،أَي إنْهَ أَصْبَحَ مُشَارِكَا فِي النَّصِّ انْطِلَاقًا مِنْ تَحْلِيلِهِ إِلَى تأويلِه، وَإِذَا كَانَ الْأثَرُ السِّيكُولُوجِيُّ بَارِزًا
فِي التلقي فإن الْقِرَاءة َالنَّفْسِيَّة تَسْتَشْرِفُ الْجَوَانِبَ الْمُكَوِّنَةَ لِلنَّصِّ، مِنْ قَضَـايَا اللَّاشُعُورِ وَالْكَبْتِ وَالْغَرَائِزِ وَالْعَوَاطِفِ
وَغَيْرِهَا، وَأَصْبَحَ عَلَى المتلقي أَْنْ يَسْتَشِفَّ بِنَفْسُه الظُّـروفَ الَّتِي دَفَعَت الْكَاتِبُ إِلَى كِتَابَةِ النَّصِّ بِالشَّكْلِ الَّذِي هُوَ الْآنَ
، وَأن يَبْحَثَ عَنْ دَلَالَاتِ تِلْكَ الرُّموزِ الَّتِي اِسْتَخْدَمَتْهَا وَضَمنَتْهَا .
وَالشَّاعِرَةُ مِنَ الْبِدَايَةِ فِي إهْدَاءِ دِيوَانِهَا تَقُولُ “: إِلَى دُرَّتَيْنِ مَنَحَنِي اللهُ..إلى إِسْلَام وَأَشْرَف، مثلمَا كُنْتُمَا اِبْتِسَامَتَي الْأوْلَى فِي الْحَيَاةِ، أُهْدِيكُمَا أَوَّلَ قِطْفٍ مِنْ رَيَاحِينِ رُوحِيِّ ..” ، بَيَّنَا أَحَاوَلُ أَنَّ أَكَتَبَ عَنِ السَّنَابِلِ” فَالرَّيَاحِينُ زُهورَ صَغِيرَةَ بَيْضَاءَ لَهَا رَائِحَةٌ جميلةٌ،وَالسَّنَابِلَ هِي الْمُبَشِّرَةُ بِالْخَيْرِ وَالْمُرْتَبِطَةِ بِضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ وَهُوَ الْخُبْزُ،
إذاً فَاِبْنَاهَا هَمٌّا تِلْكَ الرَّائِحَةُ الْعَطِرَةُ الَّتِي تَجْعَلُ لِلْحَيَاةِ الْمُؤْلِمَةِ الْقَاسِيَةِ مُعَنَّى عِنْدَهَا،وَلََوَلَّاهُمَا لَا فَتُقِّدَتْ لِكُلِّ شيءٍ ، وَهِي تَبْحَثُ وَتَأْمُلُ فِي حَيَاةِ كَرِيمَةِ ،وَرَمْزِ السَّنَابِلِ عَطَاءً لِلْجَمِيعِ وَلَيْسَ لَهَا وَحْدهَا.وَالسَّنَابِلُ أَيْضًا مِنْ دَلَالَاتِهَا الْعِزَّةَ وَالْكَرَامَةَ.
وَلََنَقِرأَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: مَلأَى السَنَابِلُ تَنْحَنِيْ بِتَوَاضُعٍ *** والفَاْرِغَاتُ رُؤُوسُهُن شَوامِخُ
وَالْقَصْدُ النَّفْسِيُّ فِي النَّصِّ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيِنَا، لَيْسَ هُوَ مَا يَجْعَلُ الْقَارِئَ أَوِ المتلقي يَلْتَقِطُ كُلُّ الْإشَارَاتِ الَّتِي أَرَادَتْ أَْنْ
تُرْسِلُهَا لَنَا الشَّاعِرَةُ، فَهُوَ يَحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى الْمَزِيدِ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَيجب أَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى قِرَاءةٍ وَاحِدَةٍ كَيْ يَتَجَلَّى أَمَامَهُ وَلَوْ بَعْض الدَّلَالَاتِ فِي النَّصِّ، وَالَّتِي مَنِّهَا يَكُونُ رُؤْيَتَهُ عنه ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّصِّ فِي وَجْهَةِ نَظَرِ الْبَعْضِ ثَلاث قِرَاءَات هِي:
أَوََلَا: قُرَّاءُةٌ جَمَالِيَّة:
وهي تُتْكِئُ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ الْبُنِّى التَّرْكِيبِيَّةِ، وَقِيَاسَ مُدَى تَخَلُّصِهَا مِنَ الطَّابِعِ الْعَامِّ، وَالْاِرْتِقَاءَ إِلَى مُسْتَوَى الْأدَبِيَّةِ ، وتَعْتَمِدُ عَلَى الْأَدَوَاتِ الْبَلَاغِيَّةِ، وَمُدَى قُدْرَتِهَا عَلَى رَصْد ِمَنَاطِقِ الْبَريقِ وَالتَّوَهُّـجِ الَّتِي تُشِدُّ المتلقي إِلَيْهَا وَتَشْغَلُهُ بِعَلَاَّقَاتِهَا الْمُتَدَاخِلَةِ.
ثَانِيَا: قِرَاءةٌ تأويلية:
تَبْدَأُ عَمَلُهَا مِنْ مَنْطِقِهِ الْمُفْرَدَاتِ الْمُعْجَمِيَّةِ، وَرَدَّهَا إِلَى مَرْمُوزِهَا الْمُبَاشِرِ أَوْ غَيْرَ الْمُبَاشِرِ وَبِخَاصَّةٍ أَنَّ الْخِطَابَ الشِّعْرِيَّ أَصْبَحَ مُثْقَلَا بِالرُّمـوزِ وَالْأَسَاطيرِ، وَمَشْحُـونًا بِالْإِسْقَاطَاتِ، مِمَّا يُتِيحُ للدوال أَْنْ تَتَخَلَّصُ مِنْ دَلَالَاتِهَا الْمُعْجَمِيَّةِ، وَالْاِمْتِلَاءَ
بِدَلَالَاتِ جَديدَةٍ، تَنَاسَبَ التَّجْرِبَةُ الْحَديثَةُ وَمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ مَنْ عُمْقٍ وَثَرَاء ..
الْقِرَاءةُ الثَّالِثَةُ: وَهِي تُسَمَّى قِرَاءةُ اِسْتِرْجَاعِيَّةُ:
وَهِي الَّتِي تَبْدَأُ حَرَكَتُهَا بِرَصْدِ الْبُنِّيِّ الرَّئِيسِيَّةِ فِي الْخِطَابِ الشِّعْرِيِّ ، ثُمَّ تَرْتَدِ مِنْهَا- فِي وَعْي- إِلَى مَرْدُودِهَا السَّابِقِ
قَدِيمَا أَوْ حَديثًا، و أَحَيَّانَا تَكَوُّنُ إرهاصـا بِمَا يَتْلُوهَا، وَهُنَا تَكُونُ عَمَلِيَّةُ التَّحْلِيلِ هَذِهِ أَشِبْهُ بِالْحَرَكَة ” الْبَنْدُولِيَّةَ” الَّتِي
تَرْبِطُ بَيْنَ نَقَطَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَدَّر كَبِير مَنِ التَّوَاصُلِ وَالْمُشَارَكَةِ .(2)
فَالْقَارِئُ لِلْوَهْلَةِ الْأوْلَى يَسْتَخْدِمُ الْعَدِيدَ مِنَ الْقِرَاءَات ِلِلنَّصِّ الْوَاحِدِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ تِلْكَ النَّظَرَةِ الْجَمَالِيَّةِ فَيَتَفَاعَلُ مَعَ مَا فِيهَا
مِنْ بُنَى تَرْكِيبِيَّةِ ، وَلُغَةِ تَخَلَّصَتْ مِنَ الدَّارِجِ وَالْعَامِ، وَاِرْتَقَتْ إِلَى الْإِبْدَاعِيَّةِ وَالْأدَبِيَّةِ، بِمَا اِعْتَمَدَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَرَاكِيبِ لُغَوِيَّةِ وَأَدَوَاتٍ بَلَاغِيَّةِ، وَهُوَ يُذْهِبُ للتأويلِ لِيَرْبِطَ مَا بَيْنَ الرُّمـوزِ وَالدَّلَالَاتِ بِمَا اِرْتَبَطَ عِنْدَهُ مِنْ قِرَاءَاتٍ سَـابِقَةٍ، أَوْ فَهُمْ لِهَذِهِ
الرُّموزِ مُسَبَّقًا، أَوْ مَا لَامَسَتْ تِلْكَ الرُّموزِ ذَائِقَتَهُ وَوِجْدَانَهُ مِنْ دَلَالَاتِ جَديدَةٍ ، وَهُـوَ يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْعَلَاَّقَةِ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْكِتَابَاتِ الَّتِي سَبْقَتِهَا، وَيَسْتَحْضِرُ مَا قَالَهُ الشَّعْرَاءُ فِي جُـزْءٍ أَوْ كُلَّ النَّصِّ الْأدَبِيِّ، كَصُـورَةِ شَعْرِيَّةٍ أَوْ كَمَضْمُونٍ لِكُلِّ
الْقَصِيدَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدِيِّهِ .
وَفِي الْبِدَايَةِ يَجِبُ أَْنْ نَنْوِهَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ النَّقَّادِ ذَهَّبُوا إِلَى أَنَّ الْاِقْتِبَاسَ يَكُونُ حِينَ يَسْتَلُّهُم الشَّاعِرُ الْقُرْآنَ وَالسَّنَةَ وَالنَّبَوِيَّةَ،
وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يُعِدُّ تَضَمُّنيا، وَذَهَبَ الْبَعْضُ الْآخَر إِلَى اِعْتِبَار أَنَّ الْاِقْتِبَاسَ يُدْخِلُ فِي دَائِرَةِ التَّضْمِينِ “لِأَنَّ الْاِقْتِبَاسَ هُوَ :
أَنَّ يَتَضَمَّنَ الشَّاعِرُ شَيْئًا مِنَ الْقِرَانِ أَوِ الْحَـديث ، وَلَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَكُلٌ مَنْ هَاتَيْنِ الظَّاهِرَتَيْنِ تَعُودُ إِلَى استقاءِ
الشَّاعِر وَاِسْتِلْهَامَهُ مِن َالتُّرَاثِ ، أَيَّ اِقْتِفَاءِ آثَارِ الْأقْدَمِينَ وَالْاِسْتِنَادِ إِلَى أَفْكَارِهِـمْ،وَبِهَذَا تَكَشُّف هَاتَانِ الظَّاهِرَتَانِِ عَنْ
تَفَاعُلِ الْجَدِيدِ مَعَ الْقَدِيمِ “(3)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَْنِ التَّضْمِينَ وَالْاِقْتِبَاسَ يَقَعَانِ تَحْتَ مُسَمَّى ” التَّنَاصَّ ” وَيُعِدُّونَهُمَا مِنَ الْأَشْكَالِ التَّنَاصِّيَّةِ الَّتِي تُدَرِّسُ النَّص الْجَـدِيدُ فِي عَلَاَّقَاتِهِ أَوْ مُعَارَضَاتُه مَعَ نُصُـوصٍ قَدِيمَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ عِنْدَهُمْ تَفَاعُلَ نصِّيّ عَام،وَتُبْرِزُ فِيمَا
يُقِيمُهُ نَصٌّ مِنْ عَلَاَّقَاتٍ مَعَ نُصُـوصٍ عَدِيدَة ِ، رَغْـمٌ مَا بَيْنَهَا مِنَ اِخْتِلَاَفٍ عَلَى صَعِيدِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالنَّمَطِ ، كَأَنْ نَأْخُذَ قَصِيدَةَ شَعْرِيَّةَ فَنَجْدُ أَنَّ الشَّاعِرَ يُوَظِّفُ فِيهَا مُخْتَلِف مُكَـوِّنَاتِهِ الْأدَبِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ، وَتَتَجَلَّى فِي صُـورِ تَفَاعُلٍ فِيهَا مَـعَ الشُّعرَاءِ السَّابِقِينَ، وَفِي أَمْثَالٍ أَوْ أَحَادِيثُ ضِمْنَهَا أَوْ آيات اِقْتَبَسَهَا، مُسْتَعْمَلًا مَا نَقْلِهِ عَنْ غَيْره لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمُعَنَّى نَفْسِه ، أَوْ مُعْطَيًا إِيَّاهُ دَلَالَات جَديدَةٍ أَوْ مُتَنَاقِضَة تَمَامًا، وَيَتَّصِلُ هَذَا الصِّنْفُ مِن التَّفَاعُلِ بِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الْأَشْكَالِ التَّنَاصِّيَّةِ، يَكُونُ فِيهَا الْحِوَارُ بَيْنَ نَصٍّ وَنُصُوصٍ أُخْرَى نُذَكِّرُ مِنْهَا ” التَّضْمِينَ وَالْاِقْتِبَاسَ
وَإِرْسَالَ الْمِثْلِ وَالتَّعْلِيقِ وَالرَّمْزِ والإيماء وَمَا إِلَى ذَلِكَ “(4)
لََقَدَّ اِعْتَمَدَتْ تِلْكَ الْقِرَاءةِ عَلَى تِلْكَ النَّظَرَةِ الَّتِي تَرَى عَلَاَّقَةُ هَذَا النَّص بِتُرَاثِهِ، وَمَا اِسْتَلْهَمَتْهُ مِنْهُ، وَتُنْحَى إِلَى تأويل تِلْكَ الرُّموز الَّتِي اِعْتَمَدَتْ عَلَيْهَا وَتَضَمَّنَتْهَا فِي مُفْرَدَاتِهَا. وَعَلَاَّقَةُ الشَّاعِرَةِ بِتُرَاثِهَا وَثِيقَةَ فَقَدِ اِسْتَلْهَمَتْ بَعْضُ آيَات
الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَضَمِنَتْ بَعْضُ مُفْرَدَاتِهَا أَوْ مَعَانِيُهَا:
“أَحَاوَلُ أَنَّ أَنْصَفَ الْجَمَال، أَنْتَصِرُ لِحَوَّاء، أَشُرْبٌ مِنْ بَلَدِيِّ الْوَفَاء، وَهَذَا الزَّيْتون الَّذِي تَعْصِرُون، بِأَضْعَفَ إيمَانِي ،أَصَقَلَهُ مِنْ نُورِ اِعْتِقَادِي إِلَى … لَسْت بَغِيَّا وَلَمْ أَكُ يَوْمًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ”
فَهِي كِتَابَةُ تَنَصُّفُ الْجَمَالَ، وَتَدْعُونَا لِقِرَاءةٍ جَمَالِيَّة، وَهِي تَرَسُّلُ إشَارَاتٍ إِلَى وِجْدَانِ الْعَرَبِيِّ وَذِهْنِهِ، أَنَّهَا هِي الطُّهْرُ وَالْعَفَافُ ، وَأَنَّ بَعْضَ إيمَانِنَا كَرُجَّالٍ هُوَ مَا عَصْرَتِهِ هِي بِأَضْعَفَ الْإيمَان ، لتَسْتَلُّهُم في توضيح فكرتها آيات الْقِرَان الْكَرِيم :
في قول الله تعالى :” ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ “” سورة يوسف آية 49 ”
وفي قوله تعالى : “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ” (مريم 28(
” : إِذَا رَف الرَّمَشُ، وَبَرْقَ شَوْقُ الْمُقلِ ، أَخَذَتْنِي عَيْنَاكَ، فِي إِسْرَاءٍ وَمِعْرَاج، وَمُنَافٍ وَوَطَن.. ”
تَسْتَلُّهُمْ حَـدَثَ الْإِسْرَاء وَالْمِعْرَاج وَإن كَانَ بِتَوْظِيفِهِ بِدَلَالَاتِهِ الْجَـدِيدَةِ. ويتضح َتَأْثِيرَاتُ مَا لَهَا مِنْ ثَقَافَةِ دِينِيَّةِ وَمَا تَعَلُّقَ
فِي وِجْدَانِهَا مِنْ آياتٍ تَسْتَرْجِعُهَا أَيْضًا فِي مُفْرَدَاتِ قَصِيدَتِهَا، وَتَوَظفُهَا فِي إِطَارِ عَمَلِهَا الْإِبْدَاعِي فتستلهم
قول الله تعالى :” وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ” التوبة آية 127″
في قولها :” غَائِبُونَ، وَحُضُورَهُمْ فِي الْقَلْبِ لَا يَغِيبُ، يُسَافِرُونَ مَرَسَاهُمْ أَضْلُعِي، لَيْسُوا يَفْقَهُون.. ”
وَلَا شَكٌّ أَنَّ الشَّاعِرَ يَسْتَطِيعُ أَنَّ يَتَنَاصَ أَوْ يَضْمَن أَكْثَرَ مِن ْآيَةٍ فِي نَفْسُ الْوَقْتِ، وَيَصُــوغُهَا بِتَوْظِيفِ فَنِّيِّ وَإِبْدَاعِيٍّ يُلْقَى أثَرُهُ فِي وِجْدَانِ المتلقي، وَذَلِكَ إِنَّ أَحْسَنَ اِخْتِيَار مَا يَسْتَلُّهُمْ ، وَكَانَتْ لَهُ مِنَ الْخَبَرَةِ مَا يَجْعـَلُ هَذَا التَّنَاصَ وَهَـذَا الْاِسْتِلْهَامَ
فِي خِدْمَةِ قَصِيدَتِه وَفِي إِطَارِهَا الْأدَبِيِّ وَالْفَنِّي ِفِي مِثْل قَوْلِهَا:
– أزُليختي وَهِن اليدين ، فارقت أزمنتي، أسرارَ يوسفك ،السماوي الرؤى ، بينا لمريمَ يوسفُ الأبُ ، والمليك على بلادِ الروح..”
– من أنتَ ؟! أو كاهن ترقى الغيوبَ ، لكي تلوذَ بمعبدي، سأجيءُ فجرا يوسفيا ، ليفكّ شفرة ذلك الكابوسَ ، والوهمَ الغريبْ ..”
– هَطِلٌ سَيُغْرِقُ جهْلَنا ، يَتنَامى عند الضوءِ ، حين يصبحُ شارةً ، للقاءِ أخوتيَ الذينَ أحبّهم ، ولقاءِ مَنْ أهوى بهذا الصبحِ إنْ يأتِ ، وأنْ تغفو الزنابقْ ، للنورِ أنْ يصحو ، ليعلنَ للصحارىَ في المدى ، تأويلَ رؤيايَ ، ولمْ يكنْ عندَ المتاعِ الذئبُ..”
” وصاحبايَ يقامرانَ بلوعتي ، وحنين قلبي للحياةِ ، ومن أحبّ ..” إلى غيرها من الْمَـوَاضِعُ الَّتِي اِسْتَلْهَمَتْ فِيهَا مَوْرُوثهَا
الدَّيْنِيِّ وَالْقَصَصِ الْإِسْلَامِيِّ.وَالتَّعَمُّقُ فِي فَهُـمِ الدَّوَافِعُ وَالتَّدَفُّقَاتُ الشُّعُورِيَّةُ يُنْحَى بِنَا إِلَى الْإِطْلَالِ عَلَى الرُّموزِ وَدَلَالَاتِهَا
فِي الدِّيوَانِ، هِي رُموزُ شَابِّهَا مَا شَابِّهَا مِنَ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، وَعَدَم َالْإفْصَاحِ، وَلَمْ تَتِرْك مِسَاحَات وَاسِعَةَ لِلْبُوحِ، وَهِي إِلَى حَدٍ
كَبِيرٍ مُشَوَّشَةِ وَغَيْر مُوَظَّفَةٍ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
نيسانُ: نَيْسَانُ بِفَتْحِ النُّونِ الْأوْلَى هُوَ الشَّهْرُ الرَّابعُ مِن ْشُهُـورِ السَّنَةِ الْمِيلَاَدِيَّةِ حَسْبُ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى الْوَارِدَةِ فِي
الْمَعَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَحَسْبُ الْأَسْمَاءِ السَّرَيَانِيَّةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْمَشْرِقِ الْعَرَبِيِّ .يُقَابِلُهُ فِي التَّسَمِّيَةِ الْغَرْبِيَّةِ شَهْرَ أَبْرِيلٍ وَاِرْتَبَطَ
نَيْسَانُ بِالتُّرَاثِ والحكايا الشَّعْبِيَّةَ وَالْأَمْثَالَ فِي الْمَشْرِقِ الْعَرَبِيِّ.، ومِنَ الْأَمْثَالِ الشَّهِيرَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ حَوْلَ نَيْسَانِ:
– بين العقرب والنيساني ارفع غطاك الفوقاني . – مطرة نيسان بتساوي السكة والفدان والراقد ع الصيصان .
– مطرة نيسان بتحيي الأرض والإنسان . – شتوة نيسان بتحيي الإنسان . – شتوة نيسان بتحيي كل عرق فان .
وَإِذَا تَمَّت الْإشَارَةَ إِلَى نَيْسَانِ فِي الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ هِي دَلَالَةٌ عَلَى الْجَمَالِ وَالرِّزْقِ الْوَفِيرِ، وَقَدْ وَظَّفَتْهَا فِي قَصِيدَتِهَا
أَرْبَعَ مَرَّاتٍ:
– غَرْفةٌ من نيسان في نهر ، لا حلوٌ ولا علقمُ – يا من ولجت إلى نهر نيسان ، حسبك من فاتنة
– هل يملك النهر نيسان ؟ أم يملك نيسان النهر ؟ الله أعلمُ – أعدوا لعشتار نيسانها ، كي يرق مدفوق حواء
فَفِي الصُّورَةِ الْأوْلَى أَرَادَتْ أَْنْ تُشِيرَ إِلَى طَبِيعَتِهَا فِي التَّعَمُّقِ وَإلَى ذَلِكَ الْاِشْتِهَاءِ الْكَبِيرِ فَقَالَتْ ” فِي نَهْرِ ” وَلَم تَقُلْ” عَلَى
نَهْرِ”وَلَا يَنْفِي ذلك الْقَصْدِيَّةُ إِذَا وَضَّعَنَا فِي اِعْتِبَارِنَا رَغَّبَتْهَا فِي إِنْشَاءِ الْقَصِيدِ عَلَى مُعْطَى وَاقِعِي لَاعَنْ فِكْرَةِ مُجَرَّدَةِ
مَادَامَتْ قَدِ اِنْتَهَتْ إِلَى تَغْلِيبِ وَاقِعِ مَحْسُوسِ (5) .
وَنَتَيَقَّنُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهَا: أَعَدُّوا لِعِشْتَارِ نِيسَانَهَا، فَعِشْتَارٌ هِي آلِهَةُ الْجِنْسِ وَالْحُبِّ وَالْجَمَالِ وَالتَّضْحِيَةِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الْبَابِلِيِّينَ، إِلَّا أَن الصُّورَ مازالت تَنْتَظِرُ الْكَثِير مِنَ التَّرْكِيزِ وَمَنْ رَبْطِ الْمُفْرَدَةِ بِمَا تَرْمِزُ إِلَيْهِ وَرُبَّمَا إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْ
خِطَابِهَا التَّقْريرِيِّ الْبَعيد عَنِ الْأدَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.كما في :
:” هلْ يَمْلِكُ النَّهْرُ نَيْسَانَ ؟ أم يملكُ نيسانُ النهرَ ؟ اللهُ أعلمُ
فَالرَّمْزُ الشِّعْرِيُّ مُرْتَبِطٌ بِتَجْرِبَةِ الشَّاعِرِ وَبِأَبْعَادِهَا، وَبِالْْمَرْجِعِيَاتِ الَّتِي تَنْبَثِقُ مِنْهَا أَوْ تُؤَثِّرُ فِيهَا، وَهُوَ اِنْعِكَـاس مِنَ التَّجْرِبَةِ
الشِّعْرِيَّة الَّتِي يُعَانِيهَا الشَّاعِرُ فِي وَاقِعِهِ الرَّاهِنِ ، وَالشَّاعِرُ يَتَنَقَّلُ فِي تَجْـرِبتِه مِنَ الْبَلَاغَةِ الْوُضُوحَ إِلَى الْغُمُـوضِ، فَإِذَنِ
الرَّمْزُ الشِّعْرِيّ يَبْدَأُ مِنَ الْوَاقِـعِ لِيَتَجَاوَزهُ دُونَ أَنَّ يُلْغَِيهِ، إِذْ يَبْدَأُ مِنَ الْوَاقِعِ الْمَحْسُوسِ ليَتَحَـوَّل هَذَا الْوَاقِعُ إِلَى وَاقِعٍ نَفْسِي
وَشُعُورِيِّ تَجْدِيدِي يَنِدُّ عَنِ التَّجْدِيدِ الصَّارِمِ (6)
: ” أَحَاوَلُ أَنَّ أكَتَب ، عَنْ هَذِي السَّنَابِلِ، وَأَسْتَعِينُ بِقَصْفَةِ قَمْحٍ، لِأُمَنِّعُ نَهْبَ الْحِصَادِ، وَجُوعِ القوافي، وَدَّكَ الْحُصُون
وَمَا كُنْتُ أَزَرْعٌ وَلَا شَهِدَت حَرْبًا لِهَذِي الْأرْض، مَا اِسْتَبَحْت يَوْمًا تَيْن حُبِّهَا وَلَا قَطَفَت تَمْر بَلَد أَمينِ ..”
وَالصُّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ الَّتِي تَرْغُبُ أَنَّ تَجَسدَهَا هُنَا شَأْنِهَا شَأْنَ تِلْكَ الصُّورِ الَّتِي وُظُفَهَا شُعرَاءُ السَّبْعِينَات، وَهِي غَالِبَا مَا تَكُونُ
تَعْبِيرَا عَنِ اِرْتِبَاطِهِمْ بِالْأرْضِ وَتُعَبِّرُ عَنِ الْحُلْمِ فِي مُسْتَقْبَلٍ آمِن.
يقول الشاعر حمري بحدي * : أَجَلَّلَكَ حَقْلَا وَضِيَعُه ، وَشَمْسَا عَلَى عَاتِقِ الرَّفْضِ تُنَاضِلُ ، تَغَازُلُ نَبْض السَّنَابِل”
والسنابل ترمز للشموخ أيضا .
تقول الشاعرة: :”يَا سَاكِنَا عَيْنِي، عَيَّنَاكَ حُضُورِي، فَلَا تَخطفُ قَمَرِي، لِوَلَّاكَ بَيْنَ السَّائِرِينَ مَا كَبَتَ خَطْوَةُ
حُلْمِي، وَلَا أَحَنَّيْتُ رَأْسَي ، أَنَا أَمْضِي سَدَى يُلَوِّحُ بِي الْأَمَلُ ، وَيَقْتُلُنِي يَأْسِي ..”
وَالْعَيْنُ هُنَا رَمْز نَوْعه طَبِيعِيٌّ يَتَطَلَّعُ إِلَى مَحْسُوسٍ، وَالْقَمِرُ دَلَاَّلَةٌ عَلَى الصفاءِ وَالْجَمَالِ، وَالْحُلْم وَالْأَمَل مَعْنَوِيَّان، وَرَبْط
الطَّبِيعِيِّ وَالْمَحْسُوسِ بِدَلَالَاتٍ مَعْنَوِيَّةٍ يُؤَكِّدُ عَلَى قِيمَةِ التَّجْرِبَةِ.
: أَنَا اِمْرَأَةُ تُسَافِرُ، عَلَى أجْنِحَةِ السِّتْرِ، وَالشَّوْقِ السَّافِرِ، كُلَّمَا هِفَّا قَلْبِي كَقَمَرٍ مُهَاجِرٍ ، يَأْخُذُنِي شَوْقِي إِلَى حُلْمِ كَافِرِ .. إِلَى فَوْضَى الْعَـوَاطِفِ وَإِلَى حُبِّ ثَائِرِ.. “وَالسَّفَرُ وَالْحُبُّ مِنَ الْمَحْسُـوسِ وَتَشْبِيهِ السَّفَـر عَلَى أجْنِحَةِ الشَّـوْقِ يَدِلُّ عَلَى مَعْنَــوِيٍّ وَالصُّورَةُ تَحْتَـاجُ إِلَى مـَزِيدٍ مِنَ التَّكْثيفِ وَالتَّوْظِيفِ لِلدَّلَالَاتِ، إِذْ أَنَّهَا عَكَسَتْ حَـالَةُ مُشَتِّتَةُ وَتَعْبِيرَاتُ دَارِجَـةُ غَارِقَةُ
فِي الْمَحَلِّيَّةِ ، وَرُبَّمَا هِي تِلْكَ الْمِسَاحَةُ الَّتِي ظَنَّتْ فِيهَا أَنَّهَا تُعَبِّرُ عَنْ رُؤْيَةٍ َعُمْـيقة لَمَّا تُشْعِـرُ بِهِ كَأُنْثَى تَتَشـَوَّقُ إِلَى تَمَرُّدِهَا ، وَحُرِّيَّتِهَا، فَكَبَتَ، وَظَلَّتْ رَهينَةٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى فَتْـحِ أُفُقِ جَديدٍ، يُوضِحُ لَنَا شُعُـورُهَا فَاِرْتَبَطَتْ بِكَلِمَاتٍ
أَقُرْبٌ مَا تَكَوُّن إِلَى اللَّفْظِ الْغَيْرَ مُتَنَاسِبُ مَعَ الصُّورَة الشِّعْرِيَّةِ الَّتِي أَرَادَتْ أَْنْ تَسْتَلْهِمُهَا كَمَا فِي:” السَّافِرَ، الْكَافِرَ ”
فَالشِّعْرُ عِنْدَ اِبْنِ قُتَيْبَةٍ ،أربعةَ أضرب أو أنواع في نظريته عن اللفظ والمعنى في كتابه ” الشعرُ والشعراء” :
1- ضربٌ أو نوع ٌ حَسُنَ لفظٌه وجادَ معناه. 2- وضربٌ حَسُنَ لفظُه وحلا ولا فائدَة في معناه.
. 3- وضربٌ جادَ معناهُ وقَصُرَت ألفاظَه عنه. 4- وضربٌ تأخرَ معناهُ وتأخرَ لفظُه(7)
وَمِنْ رُموزِهَا أَيْضًا الْمَرْأَة كَرَمْزِ الخاص وَظَّفَتْهُ كَمُعَادِلٍ لِلْحَنَانِ فِي مَوَاضِعِ كَثِيرَةِ، وَلََلَبَّنَتْ وَلِلْحُرِّيَّةِ فِي مَوَاضِعِ أُخْرَى
وَعَكَسَتْ مِنْ خِلَالَهُ تَعَلُّقَهَا وَحُبَّهَا لِلْوَطَنِ وَقَضَايَاِهِ:
“: أنا امرأةٌ قررتُ أن أكحّلَ النهارَ، وأزينُ ليلي، وأشتري نجومَ المدار، وأبيعُ الضعفَ بالحرية، أنا امرأة لا أخفي ثورتي
: “أنا امرأةٌ لا أخفي ثورتي ،أعيشُ الجرحَ وأهتفُ للقضية ، أراهنُ الفجرَ ، إذا الليلُ جن ، وأراهنُ الليلَ ، إذا الشمسُ احترقت ، وَرَأَيْتُنِي فِي الْأرْضِ أَرْضَكَ..”
وَالْجُرْحُ كَاِنْعِكَاسٍ لِوَاقِعٍ بِكُلِّ أحداثِة مِنْ جَانِبٍ، وَاِنْعِكَاسٍ لِوَاقِعِهَا كَاِمْرَأَةٍ شَرْقِيَّةٍ تُعَانِي مَا تُعَانِيهِ مِنْ نَظَرَةِ الرَّجُلِ الشَّرْقِيِّ
لَهَا، إِلَّا أَنَّهَا تَعَلُّمُ جِيدًا أَنَّهَا لَهُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَالْحُبّ وَالْإلْهَامُ:
: ” إِلَى حُبِّ ثَائِرِ يُحَرِّرُنِي مِنْ عُبُودِيَّةِ أُنْثَى وَمَنْ جُرْحٍ غَائِرٍ..
: وَهَفْت لِلْحُبِّ زَنْبَقَةً، حَيَّرَتْ جُرْحًا بِقَلْبِ بَيْنَ الطُّفُولَةِ وَالْكُهُولَةِ..
: لِأَكُونَ سَاقِيَّةً تُجَمِّعُ مِلْحَ أرْضٍ قَاحِلَةٍ وَأُجَرِّحُ الطِّينَ الْأَبِيَّ..
وَرُبَّمَا تَسْتَدْعِي الرَّمْز ” آدَم ” عَلَيْهِ السَّلَاَم ،َ لِيُبَدِّدَ الْمُجْتَمَـع ُكَفُرَّه بِهَا ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُبْـحِ نَظَرَتِهِ إِلَيْهَا، وَمَا اِرْتَبَطَتْ بِهِ تِلْكَ النَّظَرَة بِمَا يَشِيَنَّهَا وَيُحَقِّرُهَا كَأُنْثَى:
: لِيُخْرِجَ الْبَشَرَ الَّذِينَ، اِشْتَقْتُ آدمَهم، لِأُبَدِّدَ كَفْرَهُمْ بِي
إِلَى رَمْزِ النَّخْلِ وَمَاله مِنْ دَلَالَاتٍ عَلَى الشّمُوُخِ وَالْعَطَاءِ :
: سَأَبْقَى عَلَى الْأرْضِ نَخْلًا، وَتَبْقَى قَطَرَا ، عَلَى وَهُن الْحَامِلَات..
والْبَحْرُ وَمَالُهُ مِنْ دَلَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَمِنْ دَلَالَاتِه مَا يَرْتَبِطُ بِالْحُبِّ وَالْحَنَانِ كَمُقَابَلَةِ للظَّمَأِ وَالْحِرْمَانِ:
: يَا سَيِّدِي الْبَحْرَ اِنْتَظَرْتُكَ، عِنْدَ أيَّامٍ سُقْتنِي الْحَرْفَ شَوْقًا وَسِنَّيْن ..
أو تِلْكَ الْحَيْرَةِ الَّتِي تَعْتَرِيهَا إِذِ اِخْطَـأ الْبَحْـرُ مَرَسَاهُ، فَالْبَحْرُ هُنَا بِمُعَنَّى السَّفِينَةِ، وَاِسْتَغْنَتْ عَنِ الْبَعْضِ بِالْكـَلِّ، لِتُعْطِي لِلصُّورَةِ دَلَالَاتٍ أَعُمْقٌ : :” هل أفلح من أبكى ؟! أو حزن إذا جهل البحر ، وأتلفه المرسى..”
بما يحمله من استلهامٍ للموروثِ الديني أيضا وقول الله تعالى : ” قد افلح من تزكى ” ” سورة الأعلى آية 14″
إِلَى تِلْكَ الرُّموزِ الَّتِي تَضمنَتها الصُّورَ الشِّعْرِيَّةَ لَدَيْهَا “فَمِنْهَا الْحَالِمَ بِالنُّورِ وَالْجَمَالِ كَالْشَّمْسِ الْقَمِرِ وَمَا يَرْتَبِطَانِ بِهِ مَنْ
نُورٍ وَوُضُوحِ رُؤْيَةٍ وَوُصُولٍ إِلَى الْمُشْتَهَى…
“الزرع ، النخل ،ريحان ، سنابل” وما يتضمنه من شوقٍ للحياةِ لديها ..”وَغَيْرَهَا مِنَ الرُّموزِ وَإِنْ كَانَتْ تَفْتَقِدُ إِلَى الرَّابِطِ الْمَوْضُوعِيِّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَلَالَاتِهَا فِي أَكْثَرِ مَنْ مَوْضِعٍ ، لَكِنَّهَا كِتَابَةٌ تَتَجَاوَزُ مُسْتَـوَى النَّصِّ وَتَتِرُكَ للمتلقِي الْكَثِيرَ مِنَ التأويلات وَالتَّفْسِيرَاتِ، لأن مَا أَعْطَتْهُ لَنَا مِنْ دَلَالَاتٍ، لَا يَكْفِي لِأَنَّ يَكُـونُ انْزِيَاحَا
وَتَعْبِيـرَا عَنْ مَدْلُولَاتِ الرَّمْزِ عِنْدَهَا،
لِنَكْتَشِفُ نَحْنُ مَا تَقَعُ تَحْتَهُ هِي مِنَ اِسْتِعْبَادٍ وَاِحْتِبَاسٍ، وَلُجُـوءَهَا لِلْغُمُوضِ وَعَـدَمِ وُضُوحِ الرُّؤْيَةِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى طَرْحِهَا ، وَبِخَاصَّةٍ فِي تِلْكَ الَّتِي تَصُفُّ مَشَاعرَهَا وأحاسيسَها كَأُنْثَى. و نَجْدٌ أَنَّ هَذَا الْغُمُوضِ وَعَدَمِ الْوُضُوحِ قَدِ اِنْتَهَى لَدَيْهَا بِشَكْلِ كَبِيرِ فِي قَصَائِدِهَا الَّتِي تَسْتَلُّهُمْ مَا فِي الْوَطَنِ مِنْ آلَاَم
وَنَكْبَات، فَتَرْتَبِطُ دَلَالَاتُ الرَّمْزِ بِإِطَارِهِ الْمَوْضُوعِيِّ وَلَا تَتَغَيَّبْ عَنْهُ : :”عِتْقِيُّ الْهَزِيمَة وَاِضْفِرِيهَا، وَخَبَرِيَّ التَّارِيخِ مَغَبَّاتِ لَيَالِيِهَا،جَدَلِيَّ وَيْلَاتِنَا، فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَقَبِيلَةٍ
، كَمْ مَوْءُودَةٍ لَم ْتَسْأَلْ ، وَكَمْ طُفُولَةٍ ذَليلَةِ.؟!.”
وَأَيْضًا فِي تِلْكَ الَّتِي اِسْتَلْهَمَتْ فِيهَا الْكَثِيرُ مِنْ دَلَالَات الرَّمْزِ عِنْدَ دَرْوِيش فَهِي تَقَوُّلٌ :
: ” ) يطيرُ الحمامُ .. يحطُ الحمامُ ) أَعَدُوَّا الْأرْضِ لِغِرْبَانِهَا، كَيْ تُوَارِيَ فِي الْمُدَى سُوءَاتِكُمْ،
أَرُحَّامُ هَذَا الْغَيْب تَبْكِي وَاِلْبِطِنُ خَجُولَةَ..؟ ”
بِالتَّنَاص مَعَ قَوْلِ دَرْوِيش: :”وَنُغَنِّي الْقُدْسَ / يَا أَطْفَالَ بابلْ / يَا مَوَالِيدَ السَّلَاَسِلِ /سَتَعُودُونَ إِلَى الْقُدْسِ قَرِيبَا / وَقَرِيبَا تُكْبِرُونَ
/ وَقَرِيبَا تَحْصِدُونَ الْقَمْحَ مِنْ ذَاكِرَةِ الماضي / قَرِيبَا يُصْبِحُ الدَّمْعُ سَنَابِلَ / آهٍ يَا أَطْفَال بَابِلِ ..”
أَوْ بِالْاِسْتِطْرَافِ الشِّعْرِيِّ بِكُلِّ مَا يَعْكِسُهُ مِنْ فَجِيعَةٍ فِي قَوْلِهَا :
:”غَنَّى الْحَمَامُ وَاِنْتَحَبَ الْحَمَامُ، عَلَى أقْصَى سَوَاحلِنَا، جَدِيلَةَ الضَّادِ تُفَضُّ بَكَارَتَهَا، نَبْذُلُ الشَّرَفَ، وَثَوْرَةَ تِلْوِ ثَوْرَةٍ تَصْلُبُنَا، وَتَشْدُو الْقَصَائِدَ لِلسُّلَّامِ ..”
وَتِلْكَ الرَّوْحِ المستلهمة لِمُعَانَاةِ هَذَا الشَّعْبِ:
:”أُولَئِكَ الْمُبْعَدُونَ، فِي خِيَامٍ لَا فَضَاءَ لَهَا، أُولَئِكَ النَّاجُونَ مِنَ الْمَوْتِ، وَإِلَى ألْفِ مَوْتٍ يَبْعَثُونَ ..”
وَذَلِكَ الْإِحْسَاسُِ الْمُتَنَاقِضُ مَابَيْنَ تُوَجِّهُنَا بِالدُّعَاءِ للهِ لرَفْعِ الظُّلْمِ عَنَا، فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَتَهَيَّأُ كُلُّ الْعَوَامِلِ لِأَن نَنْتَصرَ
لِأُنَفِّسِنَا: :” هَلْ بِحَجْمِ الْعُرُوبَةِ أُكْذُوبَةً، نَشْكُو إِلَى اللهِ مَنْ ظُلْمٍ،وَالْمُدَى مِطْوَاعَ لَنَا وَالْبَحْرَ وَالسُّفُنَ..”
وَهِي تَسْتَدْعِي هَذَا الماضي الْألِيمَ مِنَ الضَّيَاعِ وَفُقْدَانِ قَطْعَةٍ غَالِيَةٍ تِلْوَ قَطْعَةٍ مِنْ كِيَانِ هَذَا الْوَطَن:
:” يُصَلِّي مِنْ أَجَلِنَا، وَيَمُوتُ فِينَا، وَالْجَنَائِزَ مِنْ خَلْفِ الذُّلِّ تَرِثِينَا، يَا أَنْدَلُس الصَّبَاحِ تَسْتُرُنَا قَوَافِلُنَا، وَبَعْضَ أَمْتِعَةٍ قَدِيمَةِ، نُحْتُمي فِي ظَلّ تَارِيخ ، وَنَرْتَضِي الْهَزِيمَةَ ..”
إِلَى ذَلِكَ التَّضْمِينِ لِلْمَوْرُوثِ الْأدَبِيِّ الْأَنْدَلُسِي فِي الْوَصْلِ وَالْوِصَالِ :
وَالَّتِي بَدَأَهَا اِبْنُ الْخَطِيبِ فَقَال : جَادُّكَ الْغَيِّثُ إِذَا الْغَيْثُ هَمَى ***يَا زَمَان الْوَصْـلِ في الْأَنْدَلُسِ
لَمْ يَكُنْ وَصْـلُكَ إِلَّا حُلْـمًا *** فِي الْكَـرَى أَوْ خِلْسَةَ الْمُخْتَلِسِ
إلى تأثرها بكامل الشناوي في معاني قوله : وتطلُ من رأسي الظنونُ تلومُني ، وتشدُ أذني ، فلطالما باركتُ كذبَكِ كلَّه ولعنتُ ظني . في قولها : “أَسَلَّمَتُ لَك.. أشْهَدُ .. إنْي اِقْتَرَفتُكَ مَرَّةً، وَمَا زُلْتُ اِقْتَرَف..”
وَتَأْثُرُهَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ مَحْمُودَ حُسْنِ إسماعيل :” مُسَافِرٌ زَادَهُ الْخَيَالُ، وَالسَّحَرَ وَالْعِطْرَ وَالظِّلَالُ..”
في قولِها :” مُسَافِرُ زَاده الصَّبْرُ، وَالْحُبَّ وَالشَّوْقَ وَالْحُلْمَ، حَزِينٌ والمنى فِي راحتيه، وَالسَّمَاء وَالْكَوْكَب وَالنَّجْم ..”
إِنَّ حَاجَتَنَا إِلَى فَكِّ طَلَاَسِمِ الرُّموزِ فِي قَصَائِدِهَا تَنْبِعُ مَنْ عُمْـقِ مَا تَحَمُّلِ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ مِنْ إِيحَـاءَاتٍ وَظِلَال ، فَكَانَتِ الصُّورَةُ مُرَكَّبَة وَمُوحِيَة وَظِلَالهَا كَثِيفَة فِي مَوَاضِعٍ كَثِيرَةٍ :
:” ” لَيْتَ الطُّفُولَةَ لَمْ تُفَارِقْ، أَوْ لَيْتَنَا كَثِمَارِ هَذِي الْأرْضِ، نُبْعَثُ كُلَّ حِين ، لَيْتَ زَهْرَ الرَّوْحِ، يَظِلُّ يَعْبَقُ فِي السِّنَّيْنِ ..”
: ” لَيْتَ هَذَا الْحُلْمُ يَرْتَدُّ إِلَيْكَ، وَفِي رَحِمِ الْبَرَاءةِ تَذْوِي ، نُطْفَةَ الزَّمَنِ الْحَزِينِ “..
: ” عَنْدَمَا يَخْتَلِي الْحَنِينُ وَالْجَسَدُ، يَتَسَتَّرُ الْعِشْقُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَيَتَهَشَّمُ الصَّبْرُ، اُنْثُرْ تِبْرَكَ عَلَى أَدِيمِي ٍوَأَمْطَرَنِي بِالسّنوَاتِ
الْخَضِرِ..”
: ” يَحْتَدِمُ الْوَتَرُ، وَلَيْلٌ طَوِيلٌ أَعِيَانًا، وَشَمْعٌ يُسَلِّي الْعَيْنُ، بِهِ شَوْقٌ وَبِهَا اِلْمُ، يَهْفُو الْقَلْبُ صَبْرًا، وَالْبُوحُ أسْلَم ..”
:” يَا عَوْدِي الْمَبْحُوحَ، عَسَّاكَ تَفْرَحُ، لِأَمَلٍ مِنَ الْغَيْبِ يُلَوِّحُ،وَالصِّدْقَ بِهِ يَنْضِحُ، يُرْقِصُ مِنْ نَشْوَةٍ، ذِيَاك الْوَتَرَ، وَيُفْرِحُ لِسَرَابٍ،
وَالْحُبُ مُفْتَتِحُ الْمَوَاسِمِ، وَالسَّفَر..”
:” سَوْفَ أُعَرِّفُ إِنْ تَوَلَّى لَيْلَنَا، وَرَفَعَتْ عَيْنِيٌّ لِلصَّلَاَةِ، إِن ِاِنْبَلَجَتْ فُصُولُ الْعِشْقِ وَبَارَحَتْ، فَلَا سَلَّتكَ بِكُلِّ مَرَجٍ لِلْهَوَى سَجْدَاتِي
، وَلَا أَزْرَاكَ فَجَرِّي، أَوْ قِبلَتي الَّتِي تَقْفُو مَدَّاكَ..”
:”إِنَّ السُّكْنَى لَكَ فِي الدَّمِ، وَمَا أَسرُ وَمَا أَعِتْقٌ، فَتَمَادَى فِي شَرْيَانِ فَنَائِيِّ، وَتَدَفُّقٌ، غَادَرَ مَهْدُكَ، مَا أَشْقَى يَا عَابِرُ أَنَّ لَا تَعْشَقَ.”
:” فِي قَلْبِيّ نَزْفُ بَابِل ، وَعَلَى عَاتِقِيِّ حُلْمٌ وَألْفُ وَعْد، أَعْرَجُ عَلَى شَهْبَاء، يَمْشِي الْعَقِيدُ عَلَى أهْدَابِهَا أَلَّفَ رَئِيسٍ يَغْتَصِبُ تُفَّاحها، وَيُهْدِرُ سِنَّيْنَ الشَّعْب..”
وَمَا تُعْطِي مِنَ اِنْعِكَـاسٍ وِجْدَانِيِّ لَدَيْنَا تجعلنَا نَلْهَثُ خَلْفَهَ لِفَك رُموزِهَا وَالْوُصُولِ إِلَى مَدْلُولَاتِهَا وَمَا اِرْتَبَطَتْ بِهِ تِلْكَ الدَّلَالَات عِنْدَنَا فِي مَوْضِعِ التَّضْمِينِ وَالْاِسْتِلْهَامِ،.إِلَّا أَنَّهَا مازالت تَحْتَاجُ إِلَى التَّكْثيفِ وَالرَّبْطِ الْمَوْضُوعِيِّ فِي مَوَاضِعِ أُخْرَى، تَعْكِسُ لَنَا مَا أرادات أَنَّ تُشِير إِلَيْهِ مِنْ دَلَالَاتٍ لِرُموزِهَا تِلْكَ، وَالَى التخلي عَنِ الْعَامِّ وَالدَّارِجِ فِي كَثِير
مِنَ الأحيان ، إذا لم يكن موظفا بشكل جيد وأَفْقِدُ الصِّيَاغَةَ جَمَالِيَاتِهَا وَشْتِتُ الْمَضْمُونَ وَغِيبهُُ.
:” اِشْتَقَّتُْكَ أَيُّهَا العاتي، لَا مَوْجُكَ رَسًّا وترْدى..”
:” ثق وَرَبَّكَ وَتَعَلُّمَ، أَنَّ الأنوثة َبِتَوَلٌ، مَا شَاب قَلْبٌ يَدُ الْجَمَالِ تُهَدْهِدُهُ، وَمَا جَادَ زَمَان بِنَبِيِّ ،إ ِلَّا وَكَانَتْ أُمُّهُ مَرْيَم..”
:” حَسْبُكَ أَنَّ لَا تَغْرَقْ، فَتَنْتَشِي تَارَةً وَتَنْدَمُ ُ، هَلْ يَمْلِكُ النَّهْرُ نَيْسَانَ؟، أَمْ يَمْلِكُ نَيْسَانُ النَّهْرِ، اللهُ أعْلَمُ ..”
وَيَجِبُ أَْنْ نَعْتَرِفُ أَنَّنَا أَمَامَ كِتَابَةٍ أَرَادَتْ سَبْرَ غَـوْرِ النَّفْسِ لِأُنْثَى شَرْقِيَّةِ، خَالَطَهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْغُمُوضِ وَالتَّشَتُّتِ وَعَدَمِ
التَّكْثيفِ، إِلَّا أَنَّهَا أَعْطَتْنَا الْكَثِيـرَ مِنَ الْإِيحَاءَاتِ وَالدَّلَالَاتِ عَنْ هَذِهِ النَّفْس، وَنَحْنُ نَحْتـَاجُ إِلَى التَّعَمُّقِ فِي الْكَثِيـرِ مِمَّا
أَرَادَتْ أنْ تَصْبُو إِلَيْهِ، وَفِي مِثْلُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ الْاِسْتِثْنَائِيَّةِ، نَحْتَـاجُ أَيْضًا إِلَى قِرَاءةِ اِسْتِثْنَائِيَّةِ تَنَصُّفِهَا،إِنَّ وَضْعَنَا نُصِبْ
أَعَيْنَنَا مَا تَعَرَّضَتْ لَهُ تِلْكَ الذات مِن اِحْتِبَاسٍ وَتَهْميشٍ وَنَظَرَةٍ قَاسِيَةٍ لِوُجُودِهَا وَمَاهِيَتِهَا.
وَنَشْكُـرُ لَهَا سَعِيُّهَا ِإلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا أَسْرِهَا وسْعِيِّهَا لِلتَّحَرُّرِ وَالتَّمَرُّدِ وَالْحُرِّيَّةِ، كَمَا نَحْمَـدُ لَهَا كَسْرُ تِلْكَ الْحَوَاجِز وَالْحُدودِ الَّتِي رَسْمَتِهَا الْيَد الظَّالِمَة الْمُسْتَغِلَّة مِنْ حُدودٍ
وَحَوَاجِز بَيْنَ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذَا الْوَطَنِ.
فَإن كَـانَتْ تِلْكَ الْإِرَادَة الْمُسْتَغِلَّةِ لِمُقَدَّرَاتِ الشُّعُوبِ وَأحْلَاَمهَا، قَدْ وَضُعَتْ هَذِهِ الْحُدود ، فإن عَلَى النُّخْبَةِ الْوَاعِيَةِ وَالْمُثَقَّفَةِ السَّعِي إِلَى تَحْطِيم كُل مَا حَوْلَهُمْ مِنْ حَوَاجِزٍ وَحُدودٍ ، مثلمَا فَعَلَتْ شَاعِرَتُنَا مَرْيَم خضراوي.
*** المراجع ***
1- الدكتور محمد عيسى ، مجلة دمشق ، المجلد 19 ، العدد 1 ، 2003 ، ص 19 .
2- د . محمد عبد المطلب ، قراءات أسلوبية في الشعر الحديث ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ط1 ، 1995، ص13
3 – ربى عبد القادر ،التضمين في التراث النقدي والبلاغي ” رسالة ماجستير”، كلية الآداب جامعة اليرموك ،1997 ص 63
4- د .عبد القادر بقشي، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي ، دار أفريقيا الشرق ، الدار البيضاء ” المغرب” ،ط1 ،
ص 57 .
5- فتحي النصري، “شعرية الاليغوريا ، مدخل في دراسة الصور السردية في الشعر الحديث” الدار التونسية للكتاب ط 1، 2015، ص 151
6- الدكتورة عزت ملا إبراهيمي ، الرمز وتطوره الدلالي في الشعر الفلسطيني ، جامعة بنجاب ، لاهور ، باكستان ، العدد 24 ، 2017 ، ص 128 .
7 – تاريخ النقد الأدبي عند العرب طه احمد إبراهيم ص128،129