وعن سبب اختيار الرواية العربية لموضوع القدس بشكل جزئي أو كلي، تقول سليمان "لإثبات الحق التاريخي لأهل هذه المدينة الحقيقيين بعيدا عن أكاذيب وأوهام مصنوعة، مستثمرة ما يمنحه جنس الرواية من أدوات فنية جمالية، وربما يربك الروائي أن يقارب القدس على نحو ما يقارب أي مدينة أخرى؛ ذلك أنها في وجدانه مدينة مقدسة ذات مكانة دينية وثقافية خاصة، لذا كثيرا ما يظل أسير الصورة المثالية أو النموذجية للمدينة، وقد يحول ذلك دون رسمه صورا لبشر واقعيين كما يفعل حين يقارب فنيا أي مدينة أخرى".
ومن هذا المنطلق، كما توضح سليمان، ارتأت جامعة البترا أن تقوم بدورها المهم بإقامة مؤتمر علمي يضيء موضوع القدس في الرواية العربية من مناح متعددة، يجلي ثقلها الديني والثقافي والقومي والإنساني والتاريخي والحضاري، للإسهام في مواجهة سياسات تهويد المدينة وتفريغها من عروبتها وتزوير تاريخها وحاضرها، فجاء مؤتمر البترا الذي نجد أعماله بين دفتي هذا الكتاب تحت عنوان "القدس في الرواية العربية"، ليشكل جزءا ولو ضئيلا من مسعى ثقافي شمولي للحفاظ على الذاكرة المقدسية وتجذير علاقة الإنسان العربي بمدينة القدس.
وعن الهدف من هذا المؤتمر، توضح سليمان هو "التعريف بمكانة القدس التاريخية والدينية والإنسانية، والرد على سرديات إسرائيلية تسعى إلى نفي الوجود الفلسطيني في القدس باختلاق الأكاذيب لتحقيق غاياتها المغرضة، كما اعتنى المؤتمر الذي أقيم في الفترة الواقعة بين 13-14/11/2019 بإبراز الجهود والتضحيات التي حملها أبطال مقدسيون دفاعا عن القدس، والربط بين ماضي القدس وحاضرها، وتسليط الضوء على المعالجة الفنية التي وظفت المادة التاريخية المقدسية بما يصب في الرسالة التي تحملها الرواية، خاصة تلك المتعلقة بجماليات المكان المقدسي".
وتقول سليمان "واستضافت الجامعة في رحابها نخبة من الأدباء والنقاد والروائيين من أقطار عربية مختلفة، قدموا من خلاله أوراقا بحثية وشهادات إبداعية متنوعة، حققت رؤية المؤتمر وأهدافه؛ حيث اشتمل على شهادات لعدد من الروائيين العرب ممن تناولوا القدس في إبداعهم، وهم: واسيني الأعرج (من الجزائر)، وأسامة العيسة (من فلسطين)، ود. إبراهيم السعافين وليلى الأطرش وإبراهيم نصر الله (من الأردن)".
ويضم الكتاب الأوراق التي تتحدث عن القدس في الرواية العربية؛ حيث تناولت ورقة الدكتور أحمد حرب من فلسطين "صورة القدس في رواية جبرا إبراهيم جبرا"؛ حيث اختار روايتي جبرا "صيادون في شارع ضيق" و"السفينة"، بوصفهما نموذجين لرواية القدس، أما الدكتور بسام قطوس (من الأردن)، فقد تحدث عن "القدس في المتخيل الروائي العربي: مقاربة لروايتين"، قارب فيها روايتين وقفتا عند مدينة القدس من زاويتين مختلفتين، وهما "ظل آخر للمدينة" لمحمود شقير و"حارة النصارى" لنبيل خوري، وتحدثت الدكتورة رزان إبراهيم (من الأردن) عن "المجتمع المقدسي قبل نكبة 1948: قراءة ثقافية لرواية إبراهيم السعافين "ظلال القطمون""، أما الدكتور عادل الأسطة (من فلسطين)، فقدم ورقة بعنوان "الروائيون العرب والقدس: القدس بين الرواية في فلسطين والرواية في العالم العربي"، قارب فيها ثلاث روايات لثلاثة روائيين عاش أحدهم في القدس، وهو عارف الحسيني، وروائيان آخران كتبا وهما بعيدان عنها، وزارها أحدهما بعد كتابة روايته، وهو واسيني الأعرج من الجزائر، فيما لم يزرها الثاني حتى اللحظة، وإنما هجّر أهله منها، وهو حسن حميد من فلسطين.
ومن مصر، تحدث الدكتور مصطفى الضبع عن "بلاغة الأشياء في رواية القدس"؛ حيث توقف عند مجموعة من المفردات ذات الحضور السردي في رواية القدس، فيما تحدث الدكتور ناصر شبانة (من الأردن) عن "تقنيات السرد الروائي في رواية القدس: "قصة عشق كنعانية" للفحماوي أنموذجا"، ومن فلسطين تحدث الدكتور وليد الشرفا عن "القدس في السيرة الذاتية الفلسطينية: "خارج المكان" و"البئر الأولى" حالة من سؤال القداسة إلى سؤال الهوية"، وتحدث الدكتور أحمد الخطيب (من الأردن)، عن "جمالية المكان وتسريد التاريخ في رواية "جسر على نهر الأردن: تباريح جندي لم يحارب""، وتناولت جمالية المكان في رواية "جسر على نهر الأردن" لأسامة العيسة، وتحدثت الدكتورة أماني سليمان عن "صورة القدس قبيل النكبة في رواية "فرس العائلة" لمحمود شقير".