|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
تقنيات التعبير الشعري وأبعادها الجمالية في ديوان «ما من قميص يدلُّ عليّ» لوفاء جعبور
عاشقة
الصحراء :
د. سهى مشرقي ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها للشاعرة وفاء جعبور، بيد أن هذه المرة لا تشبه سابقاتها، فعندما وقعت عيناي على ديوان «ما من قميص يدل عليّ « وشرعت في القراءة تولد لدي فضول جامح للغور في ثناياه؛ فعزمتُ على استجلاء مكنوناته؛ وكان أول ما استرعى انتباهي عناوين القصائد حيث شدني عناية الشاعرة بعناوين القصائد في هذا الديوان؛ وهذا من الأهمية بمكان؛ فالعناوين هي عتبات النصوص - شعراً كانت أم نثراً -؛ لما تملكه من قدرة على استثارة فضول القارئ وشغفه؛ لقراءة النصوص والوقوف خلف ما تضمرها... ولعناوين هذا الديوان قدرة على جذب القارئ وإغرائه للتوغل في أعماق القصيدة، وقراءة ما بين السطور، وعنوان الديوان (ما من قميص يدل علي) وحده كفيل بإثارة القارئ؛ فهو ينطوي - حاله حال قصائد الديوان - على الكثيرمن الدلالات التي تعكس رؤى وتصورات جسدتها الشاعرة في ديوانها، مما دفعني إلى الولوج في أعماقه، وسبرأغواره والتركيزعلى مواطن الإبداع واستظهار ما خفي من مكامنه. ومما يسترعي الانتباه هو استهلال الشاعرة بقصيدة « ما الشعر « وكأنها رمت بهذا الاستهلال إلى توعية القارئ بمفهوم الشعرولكن من وجهة نظرها، ومن رؤية خاصة، ولعل هذه الرؤية ترتدُّ إلى شريحة واسعة من القراء، ورسمت الشاعرة مشاهد أقرب لكونها درامية؛ مشاهد تنبض بالحياة، مجسدة بذلك مضامين إنسانية، من شأنها استفزاز العقل والقلب معاً، حيث يدرك العقل ما يمثله النص الشعري، ويستشعر القلب ما يفيض به من جهة أخرى. عاشت الشاعرة حالات شعورية بثت فيها لواعج فؤادها، متنقلة بين: الإحساس بالتعب، وشغف اللقاء، ومكتويةً بألم الفراق، في حيرة من أمرها تارة، معبرة عن الفرح تارة أخرى، فيستشعر المتلقي – بعد هذا كله - أن الشاعرة قد لامست حالات وجدانية يعيشها وكأنما تعبرعنه. ويتجلى التراث في الديوان بوضوح، ويأتي التراث الديني في المقدمة ؛ حيث احتل الدين مكانة مرموقة عند الشعراء – قديماً وحديثاً - وقد اتخذت الشاعرة من التراث أرضاً خصبة؛ بغية ترسيخ مكنونات داخلية، وهذا ما يشير إليه العنوان: « ما من قميص يدل عليّ « حيث عمدت الشاعرة إلى استدعاء التراث الديني في غير موضع، كما في قصيدة « فرس محملة بالعتاب « حيث طوّعت قصة النبي يوسف لخدمة رؤيتها؛ باستحضار ملامح وأحداث من حياته – عليه السلام – بما ينسجم مع النص وسياقه؛ وهذا يعكس مقدرة الشاعرة الفائقة على التفاعل مع التراث الديني فضلاً عن وعي وفهم بأهميته وتأثيره في القارئ، واتكاء الشاعرة على الدين في بعض القصائد يسهم في تقوية المعنى ومنح السياق مصداقية وقداسة؛ ليرتقي إلى أعلى مستوى. ولم تقتصر الشاعرة على استدعاء التراث الديني، إنما لجأت إلى التراث الأدبي في غير موضع مستحضرةً قصائد وشعراء تركوا بصمة قوية في الشعر العربي، وقد تمثل الاستحضار بقصيدَتَيْ « بغداد « لابن زريق البغدادي، ولعل هذا يشفُّ عن حنين خفيّ في وجدان الشاعرة لبغداد وكل ما يمت لها بصلة، فالشاعرة بطبعها حساسة إزاء الماضي بحزنه وفرحه، والتاريخ بنجاحاته وإخفاقاته ... وعلى سبيل المثال لا الحصر استوقفتني قصيدة « وقوفاً بين يدي أم أوفى « التي استحضرتها الشاعرة معبرة عن الشاعر زهير بن أبي سلمى وقصته مع زوجته التي طلقها ورغبته في الرجوع إليها بعد عشرين سنة، ورفضها الأمر؛ وهنا تتجلى براعة الموقف حين صور زهير حنينه لطليقته في أبهى صورة، وهنا تكمن براعة الشاعرة استدعاء التراث الأدبي بما يلائم السياق القصيدة والرؤية المقصودة.. وفي توظيف التراث الأدبي إضافة أغنت النص الشعري؛ ليكتسب قيمة فنية عالية، فالشعراء – على اختلاف زمانهم وبيئاتهم – تجمعهم هموم مشتركة وأحاسيس متشابهة ولا سيما الرؤى ومواقف المشتركة وهذا ما لمسناه؛ فالرجوع إلى شعر من الزمن الجاهلي وآخر من الزمن العباسي ما هو إلا انعكاس لالتقاء الشعراء في الشعور والتفكير وتشابه نظرتهم لمواقف الحياة وتجاربها، وقد تجسد كل هذا في الديوان. شكلت الشاعرة صوراً فنية غاية في الإتقان ما بين استعارة وتجسيد وتشخيص، فضلاً عن تراسل الحواس في مقاطع شعرية عديدة، وهذا – بدوره - يستدعي من القارئ إطلاق العنان لخياله؛ ولا سيما أن مثل هذه الأساليب ترتكز في بنائها على الخيال، واستحسان القارئ لهذه الصور يعكس مهارة الشاعرة وفاء وقدرتها العالية على الخلق والإبداع والتجديد. واتكأت الشاعرة عن الرمز في مواضع عديدة من الديوان؛ حيث تستوقفنا بعض القصائد التي تشف عن هذه التقنية بقوة فتستوقفنا قصائد من مثل « الأبواب، تشرين، مخاض، نافذة، مسافة، طريق...» حيث برعت الشاعرة في تضمين ديوانها ضروباً من الرموز من خلال استدعاء شخوص وأحداث وإشارات تعكس رؤيتها للوجود والحياة؛ بغية التعبيرعما تعذر التصريح عنه بشكل مباشر؛ وما أراه أن الشاعرة وفاء قد وُفقت في استدعاء الرمز؛ حيث أضفى الأخير على الديوان دهشة وفيضاً من الإيحاءات السخية. صفوة القول: انفردت وفاء جعبور بديوانها «ما من قميص يدل عليّ» ليندرج ضمن قائمة الدواوين المحمولة بإضافات قيمة، حيث تجاوزت المألوف بما أودعته من تقنيات اتحدت معاً لتثري الديوان، فضلاً عن تحررها من الأساليب التقليدية والمألوفة، كل هذا أسهم بالنهوض بالقصيدة لتستحق – بهذا – القراءة والتعمق، واستبطان القيم الجمالية، فإسقاط الشاعرة تجاربها ورؤيتها على النصوص الشعرية - متوسلة التقنيات التعبيرية - دليل قدرة أدبية وبلاغية عالية. كلها أساليب من شأنها استقطاب المتلقي، وملامسة روحه، والارتقاء بذوقه الأدبي. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الأحد 09-07-2023 09:22 مساء الزوار: 190
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
وقفة نقدية مع ديوان «أنا فوق أرصفة جسدي» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
قراءة في ديوان «المشكال» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
لمحة عن كتاب ديوان الشاعرة باسمة غنيم ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 10-11-2022 |
ديوان لهدى أبلان يتأمل الحرب واشتعالات ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 21-10-2022 |
«مداي ألف دهشة» جماليات السرد والحكاية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 14-06-2022 |
السمات الأسلوبية والمضامين الإنسانية في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 19-03-2022 |
نزار قباني ... نرجسية متكئة.. و(الأنا) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 29-10-2021 |
«منكَ ابتدأتُ وفي عينيّ تنتهي» مجموعة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 05-09-2021 |
الحلم في ديوان «مرافئ الغيم» لرفعة يونس | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 18-06-2021 |
«طحين ألماس» ديوان جديد لهناء البواب.. ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-03-2021 |
“للعزيز نساء” يدعو المتلقي للبحث ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 05-09-2020 |
المؤدى (الشعري/ الفلسفي) بين الذات ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | السبت 16-05-2020 |
قراءة في ديوان (نار حطبها ثلج) للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الخميس 14-05-2020 |
إشهار ديوان «خيوط دخان» لنعمات العزة في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 22-01-2020 |
قراءة نقدية في ديوان (عتبات الغياب) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 27-12-2019 |