|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قراءة في رواية صفاء أبو خضرة «اليركون»
عاشقة
الصحراء :
الناقد محمد المشايخ تعيد الشاعرة والروائية صفاء أبو خضرة، صياغة التغريبة الفلسطينية، عبر تقنيات روائية عربية متقدمة، متخذة من أدب المقاومة، ومن أدب السجون، ومن أدب المخيم، وسيلة للكشف عن جرائم العدو، وعما تحمّله شعبها من عذاب جسدي ومعنوي، وما تحملته أرضها من مجازر ومن تدمير وتطهير عرقي، مركزة على دور المرأة الفلسطينية في النضال، وما جرّه عليها ذلك من ويلات على يد الأعداء. هذه رواية من روايات اللجوء الفلسطيني، ولكنها رواية غير عادية، ومنذ صفحاتها الأولى أعلمتنا إحدى شخصياتها أنها من خلق كائن فضائي، وحقيقة إن ما فيها من وقائع وأسماء أعلام وأمكنة وأحداث تاريخية بعضها جرى في الماضي، وبعضها الآخر في الحاضر، وبعضها يؤشر للمستقبل، وصياغة ذلك وفق أسلوب السهل الممتنع المليء بالتشويق والجاذبية، ينم عن ثقافة الروائية الموسوعية، التي تجيد الاسترجاع، وتربطه فنيا بالواقعة التي تريدها، فنهر العوجا الفلسطيني، واسمه الكنعاني (اليركون) ارتبط في الرواية بالأرض والسماء، ومدهما بالماء والغذاء، كان رمزا وطنيا تعلق بأهدابه الأجداد والجدات وحتى الأحفاد الذين سبحوا في مائه، والذين لم تغب عن ذاكرتهم يوما أسراره (السمكة إن خرجت من النهر تموت..ومن يخرج من فلسطين يموت).. وبالمناسبة (اليركون) اسم كنعاني وغير موجود في التوراة، لكن اليهود سرقوا اسمه كما سرقوا الكثير من الأشياء، ووازى استرجاع النهر وكل ذرة تراب من أرض فلسطين، استرجاع آخر لعمالقة الأدب المعاصر في الوطن العربي، يتقدمهم غسان كنفاني، وتيسير السبول، وناجي العلي، وعشرات الأسماء التي شكلت ثروة تخدم الرواية وشخصياتها، دون أن تنسى الوحدة الوطنية والدينية التي سادت في كل الحقب، ودون تجاوز غزة التي لجأ إليها عدد من أبناء المدن والقرى الفلسطينية، ودون أن تنسى التراث الفلسطيني الذي سرقه الأعداء، والتراث الذي ما زال حاضرا من خلال الألعاب الشعبية، والطب الشعبي، متوقفة عند بعض المناسبات التي كانت تثري الحياة الشعبية كرمضان والأعياد، وعند بعض الوقائع كزيارة أم كلثوم ليافا. ورغم انطلاق الروائية من مخيم إربد، ومن مناطق الشتات في عدد من الدول العربية، ورغم وصفها لما شكله اللجوء والتهجير والغربة من أذى مادي ومعنوي، تمت صياغته وفق الرواية السيكولوجية، وما فيها من تأثـّـر وتأثير، إلا أنها كانت تتمنى انعكاس المفارقة، وقالتها صراحتها على لسان لميس»ص129» (أتمنى أن أخلق أشخاصا آخرين فاعلين، أرسم عبر كلماتها المكان الذي أريد، أريد أن أمحو صور النكبة، وكل النكسات التي مرت ببلادنا، وأن أكتب تاريخا جديدا للبلاد). لجأت الروائية إلى عدة تقنيات جمالية في أثناء صياغتها لهذه الرواية، التي أبدعتها بلسان المذكر وهي أنثى، ولكم أن تتخيلوا صعوبة ذلك، والتي ابتعدت فيها عن الألفاظ العامية، إلا نادرا، فبعض الكلمات الشعبية يندر أحيانا أن تجد لها مقابلا في الفصحى، كما أن الشخصيات التي تنطقها لم تنل حظها من التعليم»ص41» (سكاالله) كلمتان تمنت الروائية من خلالهما إعادة الوطن، وشخصياته وأحداثه واسترجاع ذكرياته في زمن هداوة بال)، وهنالك ربط بين أكثر من كلمة:»ص34» (لحظتذاك: تلك اللحظة)، «ص96» (ايامذاك: تلك الأيام) كما لجأت الروائية إلى تقنية الأحلام»ص47» وإلى أسلوب وجهات نظر الشخصيات، الذي ابتكره عربيا نجيب محفوظ، وحملت عناوين فصول الرواية أسماء الشخصيات التي كانت تقدم وقائع الرواية من وجهة نظرها أو كما تراها هي: الروائي، أو غسان، أو لميس، أو الجدة مريم..غير أن أسماء كثيرة غائبة (قسرا أو بالخاطر) كانت تستحضرها الروائية حينما تشاء(صالح العثمان مثلا)، ولجأت أيضا إلى الواقعية السحرية وما فيها من فنتازيا ولا معقول، ولا سيما عند حديث شخصيات الرواية عن الجن، وعن الجنّيات، وفي صفحة 69 تتحوّل المرأة الجالسة خلف الفارس إلى نار مثلا، نعم، امتلكت صفاء أبو خضرة خيالا محلقا مجنحا ومبتكرا، ألهمها كل هذا الفيض من الكلمات والجمل والعبارات، التي يمكن أن تؤلف بينها إلا صاحبة عبقرية، وامتلكت طاقة عظيمة أوصلت من خلالها درب الآلام، المقتبس من القصص الحقيقية للأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال. وتتداخل في هذه الرواية الأجناس الأدبية، فنجد قصة داخل قصة، ونجد الأغاني والأمثال والحكايات الشعبية «نص إنصيص»، ونجد أدب السيرة الذاتية المتمثل في مقاطع من سيرة صفاء أبو خضرة، وأدب السيرة الغيرية(سيرة الشعب الفلسطيني) وأدب الرسائل، وهنا أشير إلى واقعة من كان يبعث رسائل إلى حبيبته مع إحدى الشخصيات، وحين تزوجت تلك الحبيبة، اكتشف أن تلك الشخصية لم تكن توصل لها رسائله لها، ولجأت الروائية أيضا إلى اللوحات التشكيلية والصور البصرية، وما أروع تلك الشخصية التي رسمت التنهيدة على شكل «قلب وعين تذرف دمعة»، واستخدمت الروائية تقنية تعدد الأصوات»ص81»(لكن الجدة مريم لم تكمل قصتها لأنها تدين فيها المرأة التي سكنت داخلها)،وتقنية المفارقة ولو بالعامية (إبن خضرة راح.. ابن خضرة أجا)، وتضمنت هوامش الرواية الكثير من المعاني والدلالات المتعلقة بالبلدانيات، ولا ننسى التماس الذي كانت تحدثه الروائية مع الجنس حين تشير شخصياتها إلى ما أسمته «المناطق الحساسة»، علما بأن التوظيف الجنسي في الرواية لم يكن بقصد الإثارة بقدر ما كان بقصد خدمة الجانب السيكولوجي لشخصياتها، وأحدثت الروائية أيضا تماسا كبيرا مع السياسة، وكانت جريئة، وتمتلك الكثير من الحرية، الأمر الذي مكنها من نسيان الرقيب الداخلي (فيها)، والخارجي (حولها). جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الأربعاء 14-02-2024 08:13 مساء الزوار: 170
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 14-11-2024 |
قراءة في رواية «النبطي المنشود» لصفاء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
قراءة في كتاب «معاصر السمسم بين الماضي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 22-09-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 06-09-2024 |
«اليركون» لصفاء أبو خضرة... بناء ملحمي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 04-07-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-06-2024 |
«النبطي المنشود» لصفاء الحطاب رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 30-03-2024 |
إطلالة على رواية «العبور على طائرة من ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 22-02-2024 |
«العبور على طائرة من ورق»... رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 19-01-2024 |
قراءة في ديوان «المشكال» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
رائدة الطويل في رواية «عابرو حريق»... ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 17-12-2023 |
نظرات في روايتي «خلق إنسانا» و«أنا مريم» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 15-08-2023 |
قراءة في رواية( عشرُ صلواتٍ للجسد) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 24-07-2023 |
"القدس بالرواية العربية" ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 04-07-2023 |
قراءة في كتاب «للأشياء أسماء أخرى» لروند ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 28-05-2023 |