|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
لمحة عن كتاب المجموعة القصصية «الحصان» للقاصّة هند أبو الشعر
عاشقة
الصحراء :
سليم النجار لا يمكن أن تدّعي القراءة النقدية إحاطتها بشكل عام للنبض القصصي، فقد حاولت القاصّة هند أبو الشعر أن تحيط الخطاب القصصي الميتاسردي بالتجريب والتجديد والتميّز الفني والجمالي. وإذا كان الإبداع القصصي الميتاسردي حقّق نوعًا من التراكم النسبي في الساحة الثقافية العربية، فإنّ النقد لم يواكب هذا الإبداع بشكل من الأشكال، كما واكب الرواية العربية، وإذا كانت الرواية استفادت -بشكل من الأشكال- من بعض المقالات النقدية التي انصبّت على الخطاب الميتاسردي درسًا، وفحصًا، وتحليلًا، فإنّ القصة القصيرة ما زالت دراسة الميتاسردي لها بكرًا في هذا المجال، تستكشف الخطاب الميتاسردي تفكيكًا وتركيبًا وتوصيفًا وتصنيفًا. يرتكز الخطاب الميتاسردي على تصوير عالم الكتابة السردية، وتجسيد القلق، وتبيان كيفية تفكير القصة القصيرة أو الحكاية في نفسها أو ذاتها بطريقة مواربة ذاتية، كما نقرأ في قصص «الحصان» للكاتبة أبو الشعر، (دار الآن ناشرون وموزعون 2024)، التي بلورت هذا التوجه الميتاسردي في قصتها «الطريق إلى صفين»، حيث كتبت فيها: «لا شك بأن الفرات العذب يصطبغ بالدماء... تعرف أن الفرات بعيد...وأن أهل الشام والعراق يقتتلون الآن.. وتعرف أيضًا أن القتال يطول في صفين.. وأن الوفود تحضر لتهدّئ حدّة القتال.. مرة ينسون الناس القتال ويجلسون معًا» وإذا كان السرد من جهة يشخّص الذات والواقع، فإنه -من جهة أخرى- يشخّص أيضًا ذاته، ويرصد عملية الكتابة نفسها، ويبرز مراحل تكوينها وتطورها إلى أن يستوي النص السردي عملًا إبداعيًا، كما نقرأ في قصة «الموت في الفضاء الرمادي»: «كانت الخيالات التي رأيتها وتعرّفتُ إلى ملامحها إليّ مع الجمهور الذي وقف يشيعني بلا مشاعر» تحضر صورة التلقي كثيرًا في قصص «الحصان» الميتاسردية التي استفادت من جماليات القراءة، أو من نظرية الاستجابة أو التقبّل، حيث يصبح المتلقي طرفًا في عملية التصوير والكتابة والتخييل، كما يتضح ذلك جليًا في هذه الصورة القصصية التي جاءت على شكل حوار: «إذن ..هل انتهى كلّ شيء؟ قال أحدهم: إنه الموت قال آخر: لا ينفع فيه الطب ولا البكاء ولا الرجاء» لقد اهتمت القاصة بتحبيك صورة المتلقي في قصتها «الغزال يركض باتجاه الشمس»، عندما بدأت لعبتها الميتاسردية بتخطيب البداية، لتنتقل بعد ذلك إلى مخاطبة المتلقي ذهنيًا، واستفزاز المسرود له ليتروّى قليلًا حتى تستوي له المقدمة، «سنبدأ.. تطلّعت الوجوه إليّ بخوف.. لم يجرؤ أحد على التراجع.. وبدأنا الرحلة، غاب الضوء، حملنا المصابيح، وصار لنا خيالات تتابعنا مثل أشباح موتورة تضاءلنا صارت خيالاتنا مجنونة، تركض فينا، تهرب منا، تركض معنا» نعني بالبناء السردي، ما يتعلق ببناء القصة على مستوى التحطيب، ويعني هذا تبيان مجمل الطرائق والكيفيات التي يبني بها الكاتب عالمه القصصي بتوضيح تفكّر القصة في نفسها أو ذاتها، بكشف مكوناتها الفنية والجمالية ومناقشة تفاصيلها البنائية وجزئياتها التكوينية بالمساءلة والوصف والنقد والتقويم، وهكذا تناقش هند أبو الشعر ميتاسرد البداية في قصتها «الوحل»، حيث كتبت: «في تمام السابعة والنصف تكتمل استعدادته اليومية بكرع فنجان قهوة ثاني في جوفه، يسوي باقة قميصه، يرتاح للنظافة التي تشيع حوله، يتفقد حذاءه، ويتذكر أن عليه أن يحمل معطفه.. وقد تمطر أيضًا في هذه الصبيحة» ويمكن أن نشير إلى ارتباط القاصة هند أبو الشعر بشكل عام بخطاب البوح والاعتراف، والذي يسمّى -رغم اعتراض البعض- بالكتابة الوجدانية التي نسّميها بالكتابة من الداخل، وهي نوع من الكتابة المشغولة بهاجس الذاتية والمتصلة بسرد تفاصيل الحياة اليومية. ويبقى القول إن قصص «الحصان» للقاصة هند أبو الشعر تستند إلى تكسير الجدار الفاصل بين الحقيقة والوهم، كما كسره بريشت في مسرحه الملحمي الجدلي، حيث تسرّع الكتابة منذ البداية إلى إخبار المتلقّي أن عالم القصة المقدّم إليه ليس إلّا تخييلًا في تخييل، ومن ثم فهو عالم من الفرضيات المختلفة والمحتملة التي تجرّد الواقع متخيلًا وتخييلًا، كما تمثل قصص «الحصان» رفضها إلى مقولة نظرية الإيهام الواقعية، فالواقع كالحصان يركض في فضاء مفتوح، يترك للمتلقي أن يتخيل كما يشاء، أو يتصوّر أن هذا الواقع، وفي كلتا الحالتين، يبقى الحصان هو المفردة الحقيقية الجدلية في واقعها، والمتخيّل في ذهن المتلقي.
جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: السبت 17-02-2024 06:47 مساء الزوار: 256
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
نادية هناوي في تتأمل في كتابها قصيدة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 11-10-2024 |
أروى السيابي: الكتاب كائن متمرد | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
ميزان النقد في رأي المجتهد بقلم نجم ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
قراءة في كتاب «معاصر السمسم بين الماضي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 22-09-2024 |
«الشهادة والاحتجاج..» كتاب نقدي جديد ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 26-11-2023 |
تقنيات التعبير الشعري وأبعادها الجمالية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-07-2023 |
"القدس بالرواية العربية" ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 04-07-2023 |
النسوية العمومية كتاب جديد للدكتورة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 21-06-2023 |
لمحة عن كتاب «سحابا ثقالا» للكاتبة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 04-06-2023 |
قراءة في كتاب «للأشياء أسماء أخرى» لروند ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 28-05-2023 |
لمحة عن كتاب «ربع قرن» للكاتبة جنان رزمك | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 14-05-2023 |
د. نجلاء نصير - الواقعية الاجتماعية في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 27-01-2023 |
لمحة عن كتاب المجموعة القصصية «ملامح ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 16-11-2022 |
لمحة عن كتاب ديوان الشاعرة باسمة غنيم ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 10-11-2022 |
"العائلة" كتاب جديد لسمر مصطفى ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 20-09-2022 |