|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
صدر في الشارقة «كحل إثمد»..قصص تحن إلى زمن الطيبين
كتاب «كحل إثمد وقصص أخرى»، للكاتبة الإماراتية فاطمة المزروعي، الصادر في طبعته الأولى عن معهد الشارقة للتراث، عام 2024، هو مجموعة قصصية لجميع الأعمار وإن كانت الرسالة السردية تتوجه بشكل أخص نحو الشباب واليافعين، حيث تصنع عبر صور وأحداث النصوص القصصية جسراً يفضي إلى أزمنة مضت، تجسد الحياة الإماراتية في الخمسينات والستينات. الكتاب يندرج ضمن سلسلة المؤلفات التي صدرت في الإمارات والخليج، وتتكئ على مفردات التراث والبيئة المحلية، بوصفها موضوعات أدبية متعددة شعرية وروائية وقصصية، وتحمل تلك المؤلفات عبق الأمكنة ورحيق أزمنة مضت مازال القلب يتلفت إليها لكونها مستودع الذكريات الجميلة، ولأنها شهدت حيوات عاشها الناس في زمن أطلقوا عليها «زمن الطيبين»، ودائماً ما تأتي مثل هذه الكتابات المعبرة عن الماضي وهي تفيض بالحنين والصور واللفتات الجمالية. تستعرض فاطمة المزروعي العادات والتقاليد والقيم التي سادت والشخصيات النسائية البارزة وشكل الواقع والحياة في ذلك الوقت عبر وصف الأمكنة وروح ذلك العصر، ولعل الكتاب، بتلك الكيفية، يجعل الذاكرة حية ومتقدة بالمشاهد والصور، حيث تغوص الحكايات عميقاً في البيئة المحلية لتكشف عن الكثير من الجوانب الروحية والإنسانية موظفة التراث ومفرداته مما يحمل دلالات الهوية والافتخار بالأساس الذي نهض عليه المجتمع، لكن الكاتبة من خلال تلك القصص والسرديات لا تصنع دائرة مغلقة في محليتها بل تنفتح على الآخر لتنشئ شكلاً من الحوارية الثقافية والاجتماعية معه، حيث يحلق الكتاب في العديد من العوالم ويناقش الكثير من القضايا، مع الاحتفاء بالخصوصية الثقافية التي هي الأساس في عملية التعارف مع الثقافات الأخرى. جاء الكتاب في 195 صفحة ويشتمل على 10 نصوص قصصية هي: «بقشة أمونة»، و«ابن البحر»، «موزان الرمسية»، «بنت المطر»، «اسمي حصة»، «فاطمة»، «ثقب روحي»، «الرجل الذي فقد نفسه»، «أم السعد»، و«بارهوز»، ومقدمة تحمل مقطعاً من القصة الرئيسة «بقشة أمونة»، ذلك الذي جاء فيه:«كانت أمونة من الشخصيات المثيرة للإعجاب، استطاعت أن تحصد ثقة أهالي الحارة بحديثها ومنطقها الذي أسهم فعلاً في إرجاع الكثيرين إلى صوابهم، حتى صار شيوخ الدين في الحارة يستعينون بحكمتها في حل بعض القضايا الاجتماعية التي تصعب عليهم، لأن لديها القدرة على حل المشكلات، وقد شاهدنا ذلك من خلال سردنا للأحداث، لا يوجد موضوع أو مشكلة، أو حتى مصيبة لم تشارك أمونة في حلها. بل أسهمت في إنجاح الزواجات وحل مشكلات الطلاق، وإنهاء المشكلات الأسرية والمادية، بل حتى المعنوية، بحيث أصبحت النساء يتحلقن حولها في كل مكان توجد فيه، ويتبادلن معها الأحاديث. ويأخذن مشورتها في أمور حياتهن العادية»، حيث يقدم المقطع إضاءة شاملة عن عوالم القصص والحكايات التي ضمتها المجموعة. عتباتالمجموعة تحتشد بالعتبات النصية التي تقود إلى مجاهيل السرد وأحداث القصص، ولعل العنوان نفسه يعبر عن عتبة نصية مهمة تفضي إلى فضاءات تلك القصص بما تحمل من مضمون تراثي، حيث إن الإِثْمِد حجر يطحن ليستخدم مسحوقه لتكحيل العيون ويستخدم غالباً كمادة تجميل للنساء، بالتالي فإن الكحل هو مفردة تراثية، ولئن كانت معظم عناوين المجموعة القصصية مأخوذة من اسم قصة معينة، فقد اختارت الكاتبة ذلك الاسم ليعبر عن روح القصص التي تتكئ على التراث، كما جاء الغلاف نفسه ليعمق تلك الحالة التراثية بمضمون بصري باهر، إذ يحمل لوحة (صورة لامرأة) ترتدي زياً يحمل كل مفردات التراث النسائي، بما يعني أن الغلاف مثل حالة نصية متكاملة. أساليبسرد شفيف اتبعته الكاتبة في التعبير عن مضامين القصص بلغة تتعطر برحيق حكايات الماضي، ولغة تتألق في بعض اللفتات بجماليات اللهجة المحلية الإماراتية «الرمسة»، استكمالاً للصور التراثية المتعددة، إضافة إلى البراعة التعبيرية في تأمل الوقائع الاجتماعية في أزمنة وأمكنة مختلفة، حيث نجحت الكاتبة في تناول أوجه وقضايا اجتماعية متنوعة من عادات وتقاليد ووقائع عبر سرد يحتفي بالجمال ويحمل المعنى، إذ عملت الكاتبة على تقديم صور ومشهديات آسرة، كما اعتنت برسم الشخصيات التي هي من صميم المجتمع، لتجد الكاتبة نفسها مشغوفة بمتابعة تلك الحواريات والنقاشات، ولكنها في ذات الوقت تلخص الكثير من الأحداث والوقائع بروح سردية شفيفة، ولعل من أهم الأشياء والقضايا التي ناقشتها القصص قضية المرأة في الماضي والحاضر عبر شخصيات تدعم ذلك المنحى المهم في السرد، وأبرزهن أمونة المرأة القوية القادرة على تجاوز المصاعب في وجه الهيمنة الذكورية حينها، ولعل «البقشة»، التي تحملها المرأة في الغلاف على كتفها لا تشير فقط إلى محتويات مادية بل ربما حجم التحديات كذلك. مفرداتولعل أكثر ما يلفت انتباه القارئ في هذه المجموعة السردية هو احتشادها بالمفردات التراثية، بالإضافة إلى وجود هوامش توضح معانيها حيث لا تكاد تمضي صفحة من القصة الواحدة إلا ويتعرف خلالها القارئ إلى عنصر تراثي سواء المتعلق بالأزياء والعطور والديكور أو على مستوى الطقوس والعادات والتقاليد، وأيضاً المفردات التي تشكل البيئة مثل البحر والصحراء والجبل والمطر وغير ذلك، وذلك يشير إلى بحث وجهد بذلته الكاتبة في هذا الكتاب، حيث إن المجموعة تجعل المتلقي في قلب أحداث مضت يسير في تلك الدروب ويجلس على المقاهي ويشتمّ رحيق الأمكنة والأزمنة التي تثير مشاعر الشوق والحنين خاصة في هذا الزمن الذي يمتلئ بالضجيج والحركة المستمرة والانشغال المستمر، وأمام هذا الواقع فإن الملاذ يكمن في تلك الذكريات أو الأزمنة التي مضت والتي تختلف عما هو موجود في الواقع المعاصر اليوم، وبالتالي فذلك ليس مجرد حنين خال من أي مضمون أو معنى فكري، وكأن الحكايات تحمل تصوراً نقدياً إلى حد ما في ما يتعلق بروح العصر الراهن الذي تكاد فيه العلاقات الاجتماعية تذوب وتتفكك، ويبقى الأمل في التواصل مع التراث والماضي حيث القيم والأخلاق. روح العصرالكتاب يرصد كذلك المتغيرات الاجتماعية والثقافية الكبيرة التي طرأت على المجتمعات، ربما الخليجية بصورة عامة، مع التطور الراهن، وتلك النقلات الكبيرة في سبل العيش والانتقال من واقع إلى آخر، وما صحب ذلك من توسع البنى الاجتماعية، إذ صارت البلدان الخليجية تستضيف الكثير من الهجرات المتمثلة في العمالة والهجرة، مع ذلك التطور الملحوظ الذي تشهده الدول الخليجية، ما خلق حالة من الحوار والتعايش الاجتماعي والثقافي، وتحيط القصص بأثر ذلك في البيئات المحلية، حيث إن أبطال هذه الحكايات هم من صميم المجتمع الماضي، يقدمون صوراً ومشهديات حية حول كيفية الحياة في أوقات مضت، لكن بقدر ذلك الجمال في صور تلك الحياة الماضية فإن الكاتبة لا تنسى أن تطل على الحاضر والمستقبل عبر إشارات وعلامات متفرقة تحتضنها النصوص، حيث تعكس الكاتبة روح التسامح والتعايش بين الثقافات المختلفة في مجتمع قادر على إدارة هذا التنوع، حيث لا تخلو الحكايات من لمسة إنسانية ودفق شعوري وروح منفتحة على العصر عبر الاتكاء على تراث متجذر وقوي وراسخ يحمل معاني الهوية وبالتالي يحافظ على سمات الإنسان الإماراتي. اقتباسات«كبرت بين أحضان الفرجان وطرقاتها وشوارعها وحفظت بيوتها وأسرارها». «إنه كالبحر الهائج الذي يثور دون سابق إنذار». «صارت ترخي أذنها كثيراً لاصطياد القصص والأسرار». «صار التلصص مهنة تعلمتها كما تعلمت فن الأرقام والأعداد». «لا يزال ابن البحر يعشق الاختفاء والاختباء ولعبة الغميضة». «هناك الكثير ممن يصدقون حكايات (موزان) كلما اجتمعت بها نساء الحارة». المصدر: صحيفة الخليج
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الثلاثاء 06-05-2025 01:33 صباحا الزوار: 32
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
صدر في الشارقة «وفرة من العقارب»..صرخة ... | إصدارات ادبية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 12-04-2025 |
صدر في الشارقة «وحده الحالم يصحو».. ... | إصدارات ادبية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 11-12-2024 |
صدر في الشارقة «سنين الزغنبوت».. الرواية ... | إصدارات ادبية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 22-09-2024 |
حدادين توقع «سأكتفي بعينيك قمحًا للطريق» ... | إصدارات ادبية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 06-11-2018 |
الشاعرة همسة يونس توقع ديوانها الشعري ... | إصدارات ادبية | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 29-11-2013 |