أَنْجَبَتْ محافظة مادبا عدداً كبيراً من كِبار الأُدَباء والشُّعَراء والعُلَماء والمثقّفين المرموقين ممن كان لهم بصماتهم في نهضة الأردن الثقافية، وفي طليعتهم العلاّمة روكس بن زائد العُزَيْزي، والرّوائي غالب هَلَسا وعدد آخر بدأت (الرأي) بذِكر بعضهم وستأتي على الحديث عنهم تباعاً في هذه الزاوية التي خُصِّصَتْ لهم بمناسبة إعلان مادبا مدينة الثقافة في الأردن لهذا العام 2012 أو بالأحرى عاصمة الوطن الثقافية.
(الرأي) أَعدّت لهذه الغاية المراجع اللازمة، بما في ذلك ما أُلِّفَ مِن كتب مِن قِبَل أبناء مادبا وسواهم، ومجموعة من الدّواوين الشِّعرية، نذكر منها دواوين «صَبا مِن الأُردن» للشاعر الأردني الأديب سليمان المشّيني، فلفتت (الرأي) قصيدةُ له بعنوان «مادَبا قلعة الكِبرياء» أَثارت كثيراً من الإعجاب، لمعانيها وبحرها الموسيقي وقابليتها لأن تصبح مغناة، وأول ما يستوقف مطلعها: (إلى رَبّةِ الحُسْن قلبي صَبَا// وما أَصْبى قلبي سوى مادَبا// وكيف يُغَيَّبُ عنّي حِمىً// بهِ عاشَ جدّي سِنِيَّ الصِبا).
•    هَلْ مِن جُدودِكَ مَن عاشَ في مادبا؟!.. نعم! .. فَعَشيرتنا هي مِن صُلب عشيرة العزيزات الغَساسنة. أَخَذَ المشيني يُحَدِّث عن تاريخ الغَساسنة كما جاء في المراجع الموثوقة حَديثاً شَيِّقاً استغرق بالفعل فترة، نوجزه لأنه مثير للغاية؛ بمعنى أن معظم عشائرنا هنا تنتسب لِغَسّان. والغَساسِنة باختصار قبيلة عربية يمنية كبيرة، هَجَرَت اليمن عندما انهار سَد مأرب المشهور عام ثلاثمائة للميلاد، واستوطَنَتْ في بلاد الشّام التي هي سوريا وحوران والأُردن ولُبنان وفلسطين وجزء كبير من العراق، واعتنقَت الغساسِنة المسيحيّة في القرن الرابع للميلاد وأَسَّسوا- الغساسنة- دولة. وأَشْهَر ملوكهم الحارِث بِن جَبْلَه الذي عاش في القرن الخامس للميلاد، كما عمل الغساسنة في الجيش البيزنطي الروماني حيث كان الرّومان يحتلّون هذه البلاد ومنحوا أُمَراء غَسّان حماية القوافل التي تمر ببلاد الشام.
•    هذا تاريخ شيّق، بالفعل!.. ثمّ..؟!
أُوجِز فَأَقول إِنَّ آل المشّيني وشعبان وزُعْمُط والشليف والقبيسي (وهي أَلْقاب) هُم عزيزات، وأجدادنا الأَقْرَبون عندما هجروا اليمن سكنوا جنوب الكرك. وفي عام 629 وقعت معركة مؤتة ما بين الجيش العربي الإسلامي الفاتح والمُحْتَلّين الرّومان، وقد استشهد في هذه المعركة قادة الجيش الإسلامي آنذاك وهم رضي الله عنهم «جعفر بن أبي طالب»، و»عبد الله بن رواحة»، و»زيد بن حارثة». وعندما رأى الغساسنة ما حدث، تحرّكَ الدم العربي فانضَمّوا إلى الجيش العربي الإسلامي، وهَجَموا على الرّوم وحارَبوهم بشجاعة فائقة، وأَنْقَذوا الجيش الفاتِح. وعندما علم الرّسول صلوات الله وسلامه عليه سُرَّ كثيراً، وقال بما معناه أَعِزّوا هذه العشيرة، فَأَصْبَح الاسم «عزيزات».
•    ردد معنا أبياتٍ من القصيدة؟!
حييتُ مادبا في القصيدة، فقلتُ:(أمادبا عفوَكِ إنْ قَصَّرَتْ// قوافِيَّ مَنْحَكِ ما أوْجَبا// فإنّكِ في خافقي دائما//ً وحُبُّكِ طَيَّ الضلوعِ اخْتَبا// رَعاكِ الذي صاغَ هذا البهاءَ// وأَرْبُعَكِ فِتْنةً قدْ حَبا// فأنّى مضيْتَ ترى روعةً؟// وتشدو الطيورُ غِنا مُطْرِبا//وسِحْرُ الطبيعةِ يَسْبي النُّهى// بِزَهْرِ الحُقولِ وَخُضْرِ الرُّبا// وقدْ طِبْتِ جوّاً وطِبْتِ ثرىً// وأرضُكِ تبقى هيَ الأخْصَبا// ويا ما أحَيْلى مُروجَ النُّضارِ// مِنَ القمحِ ذَهَّبَتِ السّبْسَبا).
•    القصيدة يغري مطلعها بالغناء.. لِمَ لا تُغنّى في حفل افتتاح المدينة.. على قربه أو بعده؟!
لن أعتب على أبنائي ممن يقودون الفعل الثقافي في مادبا.. فعسى بالفعل أن يصار إلى تلحينها وغنائها للمدينة التي أحببت، مادبا.. موطن آبائي وأجدادي؛ فاطرب معي: (إلى رَبّةِ الحُسْن قلبي صَبَا// وما أَصْبى قلبي سوى مادَبا// وكيف يُغَيَّبُ عنّي حِمىً// بهِ عاشَ جدّي سِنِيَّ الصِبا).