|
عرار:
دراسة نقدية اعدتها الشاعرة د. مفيدة الجلاصي لقصيدة الشاعر عادل الدبابي بعنوان ( قصيدة بلون أزرق) يشرفني و يسعدني جدا أن انشر هذه الدراسة النقدية للأديبة والشاعرة الدكتورة Moufida Jlassi لقصيدتي بعنوان ( قصيدة بلون أزرق) والتي أتقدم لها بجزيل الشكر و الإمتنان على هذه الدراسة النقدية التي اعتبرها وسام شرف لي يوشح صدري و أفخر جدا بهذه الدراسة، فكل مشاعر المودة سيدتي ولك مني ألف تحية بعبير الياسمين. في سردية توصيفية ينطلق شاعرنا " عادل الدبابي" مرتحلا بنا في قصيدة اختار لها عنوانا طريفا " قصيدة بلون أزرق" وفي مقروئية علائقية لا بد من رصد الارتباط بين هذا العنوان ومضمون القصيدة من حيث فهم ابعادها ودلالاتها وهذا ما يؤكد عليه " جيرار جينت" الذي يرى أن العنوان يمثل مجموعة من العلاقات اللسانية التي يمكن ان توضع على رأس النص لتحدده وتدل على محتواه لاغراء المتلقي بقراءته وهذا ما وجدناه لدى شاعرنا الذي استطاع إغراءنا بقراءة قصيدته لا سيما في اختيار اللون الأزرق " قصيدة بلون أزرق " ولقد اغتبر اللون الأزرق من ألوان المجموعة الباردة وهو لون الهدوء والصفاء لا يوحي بمشاعر الثورة لأنه لون يرتبط بشكل أساسي بلون السماء والماء في الطبيعة لذلك يعبر عن الحساسية والحيوية والانطلاق بشفافية لأنه من الألوان التي يمكن رؤيتها من خلال الضوء المرئي ومن هنا يمكننا أن نستحضر ما يشير إليه علماء النفس من ان الأشخاص الذين يحبون هذا اللون يتمتعون بشخصية جادة وحساسة كما أنهم يتميزون بصفات أهمها الإخلاص والصراحة والصدق لأنهم يمتلكون قدرة على الغوص في الأفكار الفلسفية والبحث عن المناهج الفكرية التي تفوق الواقع المادي المحسوس وكل هذا لمسناه لدى شاعرنا الذي يأخذنا في رحلة مخصوصة اختار لها اطارا مكانيا " على سور مدينتي " واذا فالرحلة تبدأ من خارج مدينته حيث " تقف امرأة / تغتسل بأوراق الورد / وهذا المنطلق يدفعنا الى تصنيف القصيدة في الغرض الوجداني بامتياز ممزوجا بالغزل في خطاب مباشر موجه لامرأة تبدو غير كل النساء فهي " امرأة ترسل نظراتها / الى مدى سنواتي / هكذا ينساق شاعرنا ليرسم لنا مشهدا رومانسيا بكل تجلياته وعناصره لا سيما في هذا الزخم من الصور التي كان فيها للخيال مكانته الأولى ذلك الخيال الخلاق عند الرومانسي يعتبر من الأدوات المحورية للنظم الشعري اتخذه وسيلته في الرسم بالكلمات ليتجاوز حدود الزمان والمكان ليجنح بنا في عالم المطلق عبر استرسال وجداني أساسه بوح بهمس عاطفي انبنى على عنصرين أحدهما " بشري" وهو " الامرأة" والآخر "معنوي"" قصيدة " او هو عنصر الملفوظ وبينهما بدا شاعرنا ينوس بين " رؤية" و" رؤيا" تائها في البحث عن كيانه وترسيخه في الوجود يجوس. بنا في مدينته التي اجتاحتها تلك المرأة مثلما قال : امرأة / تغازلني/ تراود قصيدتي/ " إنها : امرأة العشق هي/ ذاكرة حمم بركان / هكذا هو حال شاعرنا انه كالمحارب يقف مدافعا عن مدينته أو هي مدينة عشقه يحرسها ف" تحترق أمطار السماوات / كقبس الحب / اعتمد الشاعر على أسلوب التراكم الرمزي في الصور التي اعتمد فيها على المعادل الموضوعي في التوسل بحقل لغوي استمده من الطبيعة من خلال العديد من عناصرها في أسلوب تقابلي ( الورد/ الزهور/ زخات/ نار/الغيوم / مواسم الاكليل/ الفراشات / عواصف / الليل /الياسمين/أمطار/ السماوات/ صحاري/ الحدائق/ النجمات/ فصل الخريف / القمر .. ) هذا التراكم الرمزي يؤكد كم الشجن المسيطر على الشاعر وبين موجود واقع مؤلم كله الضنى ومنشود مأمول في الوصال المرتجى في رحاب الطبيعة وهذا ما جعلنا نصنف القصيدة في الشعر الرومانسي لأن الطبيعة بكل عناصرها هي المحور فيه ونقصد ما يسميه هؤلاء بالطبيعة الداخلية والخارجية فبينهما التحام لا يمكن إلا الإقرار به إذ لا بد في نظر الرومانسيين من أن يقوم بين الانسان والطبيعة توافق اساسي وانسجام كلي فما الانسان سوى مظهر من مظاهرها في سعي حثيث الى استجلاء كنه الذات وهذا ما يؤكده الباحث التونسي " محمد قوبعة" في بحثه :" الرومنطيقية ومنابع الحداثة" عندما يقول :" ولا سبيل الى معرفة ذاته ( أي الرومانسي) وادراك منزلته من الطبيعة إلا إذا استعاد منزلته منها" وهذا ما أكده " ميخائيل نعيمة " في " مذكرات الأرق" في قوله :" فألغازها وأسرارها ليست سوى انعكاسات ألغازه وأسراره ..كما يكون الانسان تكون الطبيعة من حوله لذلك فمفتاح الطبيعة ليس في الطبيعة عينها بل في الانسان نفسه وذلك المفتاح هو المعرفة " وكذا الامر عند شاعرنا بما احدثه في المتلقي من صدى لكم هائل من الألم والوجع جسده في صور تراقصت فيها الكلمات على ايقاع " أغنية من عبق الكلمات/ تستحي الشهوة في حضورها / ولا غرو اذا أن تطغى الشكوى لامراته التي " تقف هناك / على حائط مدينتي/ وكأن العجز يتمكن منه فيصدع بالقول :" أيتها الأنثى / تعبت أسوار مدينتي/ يغازلها جسدك / أتراه الحلم بتحقيق الوصال بعد الهجر وهو الذي نذر حياته " لامرأة العشق " وكأنه ممنوع عليه هذا العشق " وحريق يجتاحه" ولكن سرعان ما تحدث المفاجأة عندما يعلن طالبا منها " يا امرأة / اتركي / أسوار مدينتي/ اذ يكفيه ان تكون " عنوانا لقصيدته الزرقاء / ولكن مع ذلك ما فتر ذلك الاحساس بالشوق المتوهج بالرحيل :" نحو قلعة الحب / سويا نحو العشق/ نرتحل/ وهكذا تختلط في القصيدة معاني الشكوى لدى العاشق الولهان بالغزل وهو المتيم المدنف بفلسفة عاطفية افلاطونية الأبعاد لذلك كان الخطاب مباشرا تارة وغير مباشر تارة أخرى فابتدع عالما او مدينة خاصة به من وحي خياله حيث وجد انسجامه مع الكون والطبيعة من حوله فتحدث عن عواطفه بلغة غير اللغة بالصور حينا وبالاشارة حينا آخر لذلك بدت هذه اللغة التي اعتمدها غير خاضعة لتسلسل اللغة الخطي بل هي كلام يسري كلمح البصر او كلمح البرق إذ تنطلق من النفس على أساس من الصور والمشاهد برؤى متحررة من توايع الواثع المادي الجاف كأن " تحترق أمطار السماوات/أو "في فصل الخريف/ القمر هناك يلمع.. / وهنا يتجسد الهوس بتحقيق الحلم الذي احتل كل مساحة من ذاته وزمنه فصار كأنه العالم بأسره او هو الحياة المنشودة على أسوار مدينته حيث الفردوس الذي سيخلصه من تعبه وتيهه وعندئذ لن يكون العشق عليه ممنوعا ولن يعاني من كبت الكلمات ويكفي هنا ان تكون تلك المرأة " عنوانا لقصديته الزرقاء../ ومع ذلك يحاول المحافظة على انسجامه مع الكون الذي بناه ومتناغما مع مكوناته رغم ما تنطوي عليه القصيدة من احساس بالغربة التي قد تجعله في قطيعة مع الواثع المادي التافه. #القصيدة قصيدة بلون أزرق على سور مدينتي تقف إمرأة تغتسل بأوراق الورد المبلل بالشوق تبتسم شفاه الزهور على وجنتيها زخات رحيق رضابها النديّة توقد نارا على طرف لسلنها تكتوي الكلمات تحت سقف الغيوم تتفتح مواسم الإكليل تتراقص الفراشات على نهدها إمرأة ترسل نظراتها إلى مدى سنواتي تتذوق القصيدة لذة العذارى في مقلتيها عواصف أنفاسها تكتسحني تأخذني إلى المدى البعيد يسقط الليل شهيدا على وسادة آهاتي يتعتق سحرها بنار تشتعل لتأخذ زهر الياسمين رهينة تحترق أمطار السماوات كقبس الحب على صحاري أيامي ترفرف نحوي كالملاك في ثوبها الأزرق تزهر الحدائق تصمت النجمات في السماء في فصل الخريف القمر هناك يلمع و إمرأتي تقف هناك على حائط مدينتي تغازلني تراود قصيدتي تكتبها الحروف من حبر عطر يتربع على وريدها هناك ينشد طير النورس أغنية من عبق الكلمات تستحي الشهوة في حضورها تتخدر الظلال ترقص الأرض على صدرها إمرأة العشق هي ذاكرة حمم بركان ينام في وادي أنوثتها أيتها الأنثى تعبت أسوار مدينتي يغازلها جسدك و أخاف تاريخ اسواري و حجري ممنوع عليا العشق المرصوص في كلماتي سيدتي وبحيرة الضوء الأزرق في عينيك تناجيني كيف تدعوني القبلات وفمك معطر بشذى حريق يجتاحني يا إمرأة ...أتركي أسوار مدينتي وقفي عنوانا لقصيدتي الزرقاء حتى تشتهيك امطار السماوات ونرحل معا نحو قلعة الحب سويّا نحو الشفق نرتحل. عادل الدبابي الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الخميس 14-05-2020 04:11 مساء
الزوار: 1588 التعليقات: 0
|