|
عرار:
ناظم ناصر القريشي/ العراق الشعر أعجوبة اللغة، يأتي دائما على مقدار الـ(لا توقع)، وعلى مقدار اليقين أيضاً، وهو استكشاف عميق للتجربة الإنسانية، يأتي من تجاور الواقع والحلم، في زمن الحياة حيث يصبح الحلم كالشعر عالما موازي، فتأتي الحياة في زمن القصيدة على شكل كلمات، والكلمات هي حياة أخره تتوارى فيها الحياة، هذا ما يخبرنا به الشاعر عمر أبو الهيجاء في قصيدته (سردٌ لعائلة القصيدة)، فالعنوان بوابة مفتوحة على المدى، والمدى هنا مفتوحا على التأمل وبعد ذلك يأتي التأويل، فيمنحنا استثناءات كثيره كنافذة مفتوحة على الرياح والبحر والمطر، فالشاعر حدثته لغته وحدثتنا أيضا عن الاحتمالات، والشعر كله احتمال، لذا ينفتح المشهد لديه على تلميحات انطباعيه بمزاج موسيقي تخاطب كمال الحلم، حيث لا شكل للضوء بمساقطه وانكسار ظلاله في مواقيته، وكأن رهافة الموسيقى تلامس لحظة الشعر العارف بأوان الخصب في القصيدة ، وتترك ملامحها عليه: «تُحدّثني لُغتي/ عن امرأةِ الحقلِ عن بابها المُرتَجى في احتمالِ المطرْ، عن سريرها المائي في دوائرِ الصحراءِ عن جرحٍ تَركتْهُ شمسُ الظهيرةِ في باطنِ الجسدْ، هي غزالةُ الذاهبينَ إلى فيضِ الأحلامِ هي حرقةُ الأملِ في حدودِ الحبِّ لمّا تَتَهجى ألوانَ الغيابْ». في كثير من الأحيان يكون الشعر كالحب قادرا على صنع المعجزات، فهذا السرد الذي سيطرت فكرة الشعر على كيانه وصارت مثل حلم فعل به ما يفعل السحر بصاحبه، فكتب الشاعر عبر سحر اللغة تحفة بصرية، لشخوص مرئية وشخوص لا مرئية نتقبلها على القبول قبل الفهم والإدراك فالشاعر عمر أبو الهيجاء أراد من إقامته على الأرض أن تكون شعرية: كأنَ الريحَ تبني خَيمَتَها من غبارٍ على حريرِ الكتابةِ كأنها تتمشى في درجِ المقامِ في لغةِ الماءِ، في ابتكارِ النورِ على خدِّ النعاسْ، كي تنامَ امرأةُ الترابِ في قُمصانِ الخيالْ. الشاعر يبحث عن معنى الحياة والقلق الوجودي، ومقابله الشعري الذي يولد ما يشبه حقلاً مغناطيسياً، مستمراً في التحول المعبر والمؤثر إلى حاضر يستعيد فيه أحلاماً من أولِ الضوءِ، فالقصيدة متدفقة كالنهر، والشاعر لا يكتفى بذلك، فيضمنها إشارات ورموزاً كثيرة، فعبر انتقالات شعرية مونتاجية مدهشة تنوب الإشارة في تشكيل الصورة الشعرية عن المعنى، فالمشهد في معناه البديع يزيل الفاصل بين الإشارة والمعنى، هكذا هي لغة الشاعر التي تحدثه وتخبرنا عن المعرفة وبعد ذلك التأويل: تُحدّثني لُغتي/ وأنا الغريبُ، أستعيدُ أحلاماً من أولِ الضوءِ إلى آخرِ مُنحدرٍ في توابيتِ الأرضِ أستعيدُ لغةً لمْ تزلْ صاعدةً سُلم العَابِرينَ إلى وحشةِ المُدنْ. أستعيدُ لغةً تأخُذُني إلى غوايةِ الحرفِ في فتنةِ الحجارةِ إن تشكيل لوحة شعرية تنقل أفكار الشاعر عبر الكلمات كالموسيقى تحكمه لغة شعرية جديدة كلياً. يستعرض فيها الشاعر أفكاره هذه في الاهتمام بالتشكيل البصري والرؤية العينية للنص، التي تمر عبر فكرة الشعر التي تليها الكلمات، مجسداً الاتساع الجمالي والصوري، والتحولات المعنوية في البنية الشعرية لقصيدته، عبر الأشكال والأساليب والرؤى، في مختبره العجيب الذي يدعو إلى التأمل والدهشة في هذا الصنيع الجمالي والخلق الإبداعي المتميز: تُحَدّثُني لُغتي/ من أولِ سُلالةِ الرمزِ في حجارةِ البيتِ إلى حلمٍ نافرٍ في مصاطبِ الضوءِ وتُجِيزُ لي القَصائدُ/ أن أصعدَ وُضوحَ النقشِ في سفحِ التأمُّلِ وأمضي إلى أنثاي التي كُنتُها من حمأ مسنونْ لأبقى أؤثثُ بالشعرِ ما قدْ تَناثرَ من أحلامِ المنشدِ. سنجد في قصيدة (سرد لعائلة القصيدة) أن عمل الجملة الشعرية بإيجازه البالغ، جريئاً ومؤكداً، ناضجاً ومليئاً بالحيوية ومفعماً بالموسيقى، وتدون فعل الشعر المنبثق من أشياء كثيرة، هذا الفعل الصالح للتحقيق في افتراضاته هو القوة الإبداعية للشاعر الذي رسم استحالة اللحظة الشعرية وحولها إلى كلمات بذات التكثيف وقوة الانزياح وانبهار الدهشة كأن اللحظة هي الشعر ذاته في تجليه وحضوره بالكلمات وهذا ما يظنه الشعر: تُجيزُ لي القصائدُ/ أن أقرأ زبدَ التاريخِ حِينَ يَترُكُهُ البحرُ على رملِ الشاعرِ وتُجيزُ لي/ أن أُحلِّقَ بعيداً عن شؤونِ القلبِ لأُضِيفَ سطراً واحداً في دفترِ النشيدِ الرعويِّ أن الناظر إلى تجربة الشاعر عمر أبو الهيجاء في قصيدته (سرد لعائلة القصيدة) سيجد أن الشاعر في ابتكاره للصورة المشتهاة عبر رؤية موسيقية وبصرية، من أجل تحقيق التأثير المقصود للمنظور من لغة الكلام، فلابد للصورة الشعرية من حركة التي تعبر عنها بالكلام وكذلك لابد لها من صوت للتعبير المنشود، وتتحول إلى الروح التي ستمثلها، وهنا يبتكر الشاعر صوراً بين الأضداد أكثر كثافه من الحزن والألم، هذا الحوار بين اللحظة الشعرية في البدء ،والقصيدة الشعرية وعي في التكوين، والمتلقي في استدراج المعنى والتأويل، وهذا هو إيقاع الشعر، في قصيدة (سرد لعائلة القصيدة). الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 04-01-2024 08:13 مساء
الزوار: 625 التعليقات: 0
|