عبد الرحيم مراشدة يتأمل «تمثلات قصيدة الهايكو في الشعر العربي»
عرار:
عمان – عمر أبو الهيجاء
مازال الجدل قائما حول قصيدة الهايكو العربية المكثفة ومثيلاتها وشقيقاتها من القصائد الهايكو اليابانية أو الانجليزية وغير ذلك، وثمة تسميات عدة لهذا الشكل من القصائد من مثل: «قصيدة التوقيعة، قصيدة الومضة، القصائد القصيرة جدا، والشذرة»، حيث نجد هذه التسميات للقصائد ربما تقترب من قصيدة الهايكو اليابانية أو الانجليزية لأنها تمتاز بصفة التكثيف والاختزال ولها خصوصيتها وظروفها الأخرى. ويرى الناقد العراقي عذاب الركابي في هذا المجال، «أن بعض الشعراء العرب لم يطلعوا على مرجعيات الهايكو الياباني، متمثلة بكلاسيكياته وفلسفة «عقيدة الزن» التي هي رحمُ الهايكو وروحه، بمعنى الاستغراق في التأمل وصولا إلى الاستنارة واليقظة، وسيرة الرهبان الثلاثة باشو وبوسون وإيسا، مؤسّسي فن الهايكو، ولا على الهايكو الغربي الذي اختلف عن الياباني بمبدأ أن كلّ بيئة لها الهايكو الخاص بها، ما دامت الطبيعة هي مادته». من هنا، أردنا مما تقدم نسلط الضوء ونستعرض الكتاب الصادر حديثا عن دار هبة للنشر الخليج للنشر بعنوان «تمثلات قصيدة الهايكو في الشعر العربي.. مدونة نضال القاسم الشعرية أنموذجا»، للناقد والشاعر الدكتور عبد الرحيم مراشدة الذي مازال يواصل اشتغاله النقدي برؤى جديدة مستفيدا من الدرس التطبيقي في النقد العربي الحديث. وكما نرى أن قراءة الدكتور مراشدة لنضال القاسم الذي يُعد واحدا من الشعراء والنقاد الأردنيين وصاحب تجربة في النقد والشعر يحسب له هذا الاختيار وإن سبقه في هذا المجال مجموعة من الشعراء، كان لا بد أن يذكر من كتبوا القصيدة القصيرة أو ما يسمى بقصيدة الهايكو وهم كثر وعلى سبيل المثال: «الشاعر عز الدين المناصرة وهو أول من كتب قصيدة التوقيعة، والشاعر محمد لافي والشاعر ابراهيم نصرالله» وغيرهم من جيل الثمانينيات، وهذا بالطبع لا ينتقص من تجربة شاعرنا القاسم الذي نعتز. ونطالع في مقدمة الكتاب لأستاذة النقد الحديث الدكتورة جودي بطاينة التي أشارت فيها إلى إشكالية قصيدة الهايكو في العالم العربي، معتبرة أن كتاب د. مراشدة يتتبع مساراتها بوصفها إشكالية، ومن مرجعاتها لهذا المفهوم تزعم أن الاحاطة التي أتى بها الكتاب تمثل جسرا للعبور لمكونات هذا النمط من الشعر الدخيل على الشعر العرب، وهنا أقول ماذا عن الرباعيات والمقطوعات الشعرية القصيرة في شعرنا العربي. وترى د. بطاينة أن التعامل مع مدونة نضال القاسم وتجربته الشعرية المتنامية، من خلال مواكبة التجديد والتجريب، أن نحاكم الشعرية الأردنية المعاصرة المتأثرة بالهايكو، نجاحا أو فشلا بالاعتماد على تجربة شاعر واحد فقط، مؤكدة في الوقت نفسه أن تجربة القاسم تعتبر مع قلة من الشعراء من التجارب الشعرية اللافتة للنظر خلال السنوات الماضية. فيما يتساءل مؤلف الكتاب د. مراشدة في مستهل كتابه «لماذا الهايكو؟»، حيث يقول: لتبيان اختلافات «قصيدة الهايكو» عن القصيدة العربية القديمة، او أية قصائد في الاتجاه الذي يقوم على توظيف الطبيعة ومنتجاتها، نحاول الإشارة إلى بعض الأمور، حتى لا يختلط الأمر على المتلقين لإيماننا أن توظيف الطبيعة، حتى لو وجدت بكثافة في القصيدة الشعرية، أنى كان النمط الذي تنتمي إليه – قصيدة عامودية أو تفعيلة او قصيدة نثر لا يعني أنها اكتسبت أحقية التسمية والانتماء إلى « الهايكو». ويرى مراشدة أن الشاعر في «قصيدة الهايكو» يستثمر المعطيات اللغوية، الواصفة بحكمة للأشياء وكيفياتها، ومحاورة مكونات الأشياء، بما أطلق عليه حكمة اللغة، ونجد مثيلا أسلوبيا في الاتكاء على الطبيعة عند شاعرنا نضال القاسم، والمقطع الذي اختاره «ريو» هو: «زهرة تتساقط/ على غصن ذابل/يجثم غراب وحيد/مساء الخريف الآن». ويقول مراشدة وقع اختيارنا في هذه الدراسة على الشاعر نضال القاسم لسببين: الأول: أن شاعرنا يتجه في مدونته الشعرية إلى الطبيعة والترميز، ويحاول تثوير الطبيعة وفي الوقت نفسه يحاول اشباع أشيائها بالفكر والفلسفة، إضافة إلى محاولة الالتفات للجيل الشبابي المعاصر، وهذا يتضح لديه في مجموعاته موضوع الدراسة، بشكل لافت، وتبدو قصائده، من قراءات متأنية، حاضنة وبانية لأشيائها الخاصة، وفيها روح الحميمية التي تربط نفسيته بظلال رومانسية شفيفة. وفي اضاءة أخرى في الكتاب يذهب مراشده للقول: يبدو أن نضال القاسم الذي دار حوله هذا الكتاب قد أفاد من مرجعيات مهمة، عبر تاريخه، لا سيما المرجعيات النقدية والمتعلقة بالشعر، ولهذا كان هذا التأثر لافتا في منجزه الإبداعي.