«الأغاني الشعبية الأردنية» نظرات وتأملات في كتاب الدكتور أحمد شريف الزعبي
عرار:
نايف النوايسة
يُعدّ البحث في مجال التراث الشعبي شحيحاً إلى حد كبير، حتى أن بعض الباحثين يذهبون إلى أن مثل هذا العمل لا يفيد في الثقافة بشيء لأنه يستحضر الماضي بكل علله، في حين يسارع الناس إلى الأمام، وفاتهم أن العالم المتقدم يهتم بتراثه كاهتمامه بصناعاته، وإن لم يكن له تراث اجتهد على القيام ببعض الحيل لصنع تراث قد لا يمتد بعيداً في الزمن. مثقفونا بهذا الفهم نراهم يخبطون خبط عشواء، وكيفما اتفق، دون أن ينتبهوا إلى أهمية هذه البحوث لتعميق انتماء الإنسان لجذور أمته وخصوصيتها الثقافية. ونحن إذ نرى اهتمام العالم المتقدم بتراثه وصونه والاستفادة من كل العقول والطاقات والجهود المبذولة نجد لزاماً علينا الالتفات لتراثنا الثقافي المادي وغير المادي وكل ما انضوى تحته وعلى وجه الخصوص التراث غير المادي الذي ما زال يتناقله بعض رواته مثل الأغاني الشعبية. ومما ينبغي الالتفات إليه هنا هو التيقظ لِما يجري تجريبه على بعض عناصر من تراثنا ويصل إلى حد التخريب، الأمر الذي ينتهي إلى اجتثاث جذورنا التراثية فتذوي شجرة حضارتنا وتأخذها الريح إلى مكان سحيق، فنغدو بعد ذلك مثل اي جماعة طارئة لا أصول لها ولا هوية. الأغنية الشعبية موروث إنساني، وعلى الأغلب لا يُعرف قائلها، ويتم تناقلها من جيل إلى جيل، وكانت تُغنّى في الأصل بلا آلات موسيقية، وبعد حين من الزمن ترافقت معها آلات موسيقية كالدف والربابة والعود والشبابة وغبرها. تعتمد الأغنية الشعبية على غنائية كلماتها مهما كان بحرها، ولا يغيب عن البال أن بعض الأغاني الشائعة بيننا وقد نظمها شعراء قدامى على بحور طويلة مثل قصيدة( أراك عصي الدمع) للشاعر ابي فراس الحمداني، وغنتها أم كلثوم، لاقت قبولاً حسناً، وحذا بعض الشعراء المحدثين حذوهم مثل إبراهيم ناجي ونزار قباني وإبراهيم الخفاجي. لقد اهتم الأردن بالأغنية الشعبية وتخصص في تأليفها شعراء مبدعون وغناها مطربون أجادوا وأبدعوا، وراجت في المناسبات الوطنية والحفلات العامة ومناسبات الزواج ومواسم الزراعة والطهور وفي حالات الأتراح، وسمعناها في السامر الذي جمع بين الرقص والشعر وأبدع فيه الشعراء القوالون البدّاعون واحتفتْ حلبة السامر بحركات لها معانٍ ودلالات. في الريف والبادية تطل الربابة في ليالي السمر ويُرسل وترها وغزالها وأصابع العازف عليها أحلى الألحان؛ فمرة يأخذك مع الهجيني وأخرى مع الشروقي وهكذا.. لقد رصدت الإذاعة الأردنية وتبعها التلفزيون هذه الأغنية، وحفظ أرشيف هاتين المؤسستين عدداً كبيراً من الأغاني الشعبية في الأردن. وقامت وزارة الثقافة وقبلها مديرية الثقافة والفنون بجهود كبيرة لجمع الأغنية على أشرطة كاسيت، ونشرت كلماتها في المجلات والكتب والدراسات التي تصدرها.. يأتي كتاب (الأغاني الشعبية الأردنية) لمؤلفه د. أحمد شريف الزعبي متوِجاً كل هذا الجهود، ليعكس في فصوله ما يتعلق بالتراث الغنائي الشعبي الأردني ورفد الذاكرة الجمعية بثمار يانعة من إبداعات الأجداد وإبراز خصوصية الهوية الوطنية الأردنية على نحو جميل وراق. وقبل أن أستعرض فصول الكتاب أنبه إلى ما تتعرض له الأغنية الشعبية الأردنية من تحديات سواء في كلماتها أو في ألحانها مما يبعدها عن أصلها الصافي، وهذا مؤشر خطير يُسلّط الضوء على العبث المدمر لتراثنا الغنائي. يقوم هذا الكتاب على أربعة عشر فصلا تناول فيها المؤلف جوانب مهمة من تطور الأغنية الشعبية وما يتصل بتراثنا الغنائي بعامة، وهي: (ألوان الغناء الشعبي، الحداء، السامر، الشروقي، الهجيني، الجوفية، العتابا، ظريف الطول، الجفرا، المهاهاة، الدبكة، الرقص الشعبي، الموسيقا الشعبية الأردنية، الدلاعين، الأغاني الخفيفة، العرس الأردني، وأغاني المناسبات والأحداث). وتحدث المؤلف في مقدمة كتابه عن مكونات الأغنية، أي( كلماتها وألحانها وصفاتها)، كما تناول التعريفات العديدة لها عند الباحثين الأجانب والعرب والأردنيين وعلى رأسهم د. هاني العمد الذي يرى أن الأغنية الشعبية هي كل ما يغنيه الشعب سواء هو مبدعها أو جاءت من الخارج. وأتساءل مع الباحث، لماذا الاهتمام بالأغنية الشعبية؟ وهذا التساؤل هو من أهم ما يخطر على بال الباحثين في التراث: إلى متى الهجمة الشرسة على تراثنا خصوصاً بعد انتشار الفيديوهات المسيئة لهذه الأغاني، الأمر الذي يستدعي الاهتمام الجاد بهذا التراث؟ واتبع الباحث في في كتابه منهجاً شاقاً ومتعباً وفق الإجراءات التالية: جمع الأغاني الشعبية من الرواة ومن المناسبات في كافة المناطق الأردنية التي عمل بها أو زارها. الحصول على بعض الأغاني من أصدقائه. الاستعانة ببعض المراجع لتصحيح بعض الكلمات او ترتيب بعض الأبيات. الاستعانة ببعض المراكز الريادية للطلبة المتفوقين. المقابلات الشخصية. وبين المؤلف الطرق التي ساعدت على انتشار الأغنية الشعبية وهي: ( النور، الإذاعة الأردنية، ظهور مطربين أردنيين تخصصوا بأداء هذه الأغنية، وجود شعراء شعبيين تخصصوا أيضاً في تأليفها، اهتمام التلفزيون الأردني بها، استقطاب مطربين أردنيين من قبل محطات التلفزة العربية، وكذلك استضافة مطربين عرب غنّوا الأغنية الشعبية الأردنية. أما أغراض هذه الأغنية فأوجزها المؤلف بـ: (أغاني الأفراح والأتراح والنواح، أغاني المدح، أغاني الفخر، أغاني الاستغاثة عند انحباس المطر، أغاني هدهدة الأطفال، أغاني الطهور، أغاني العمل، وأغاني المدائح الأناشيد الدينية). إن هذا الكتاب مهم جداً بموضوعه وغزارة مادته ودقة موضوعاته، وما يًحمد للمؤلف هو أنه ندب نفسه لتأليف هذا العمل بدلا من فريق من الباحثين وجاء عمله على النحو الذي رأيناه شاملاً وافياً ورافداً للمكتبة التراثية.