|
عرار:
الناقد محمد المشايخ تتبدى في قصائد هذا الديوان، المعاني والأفكار الافتراضية، التي يبتكرها خيال الشاعر المُجنـّـح، وتبدعها روحه المـُـحلـّـقة، المتمكنة من علم البلاغة، وما فيه من صور تقوم على المجازات والاستعارات والكنايات والتشبيهات، التي تجعل متلقي شعره، يتخيـّــلون أنهم ينتقلون معه من واقعهم المـُثخن بمعارك الأعداء والأشقاء وما تخلفه من دمار وقتلى وجرحى وأسرى، إلى أجواء ساحرة آسرة، يبلغ الإبداع عنده فيها أقصى مدى، كيف لا؟وقد جعل في قصيدته «مونامور» الكرمة تشربه وتشرب أصدقاءه بدل أن يشربوها، وحين جعل المساء:»ظرف الزمان»، يدور، ويعزف، ويرقص، والورد الذابل يتفتح وتتجدد فيه الحياة، كل ذلك جراء قـُـبلة افتراضية. وفي قصيدته»مسيخ» يتجلى التشخيص والتجسيد البلاغي في أبهى صوره اللامعقولة، فالماء الذي يطفئ النار يغدو جمرا يحرق، والجمر قبل أن ينطفئ ينبثق منه طائر الفينيق، وهنا تتجلى القصيدة السيكولوجية لديه، فتجعل للروح موسيقى، تضيء للساري في الظلمة درب التنوير، وللميت درب الحياة: (هل أني الفينيق؟!/أفيق/ إذا احترقت/ وموسيقى الروح/أضاءت للساري/وقع رؤاي). ويرسم الكواملة في قصيدته «ماء» لوحات تشكيلية، وصورا بصرية، تجعل ظله الملتصق به حد الذوبان، ينفصل عنه ليصبح ظل جسد آخر، يلتقيان في مملكة الشعر الخيالية، ويبلغ الإبداع عنده ثانية مداه، حين يبتكر صورا شعرية، ويمنحها قوتها وخلودها وأهميتها في بناء القصيدة، عبر اللون والشكل والمعنى والحركة، يقول: (أركض في البرية/ خلف سراب الكلمة/تعيد لقدمي/ظلي/وترتب فوضاي)، وأرى أن حكاية الظل في قصيدة الكواملة هذه تحتاج إلى دراسة خاصة بمعانيها ودلالاتها وإيحاءاتها. وفي تماهٍ جريء، وغير عادي، يجري الكواملة تسييسا غير عادي للشعر، منتقدا، بشكل غير مباشر، غياب الديمقراطية عن بعض الأقطار، فيبتكر شعرا مغايرا لمقولة «في فمي ماء»، ويقول: (إن الماء كثير/ لكني لا أملك كفا/ تغرف/ أو فاهً/ يلثغ شكواي). ومثلما أبدع الكواملة في شعر التفعيلة، أبدع في الشعر العمودي، وتعكس قصيدته»جنة الخلد» قدرته على تثوير شعره التحريضي:المتخصص في الانتفاضات التي أشعلها شعبه في أرجاء وطنه كافة، مستشرفا المستقبل القادر على محو الهزائم المتلاحقة التي مني بها هذا الشعب في الماضي، لتتحقق امانيه وتطلعاته(فأورق الحلم في أرجاء ديرتنا..وبيرقٌ من نشيج الروح قد نـُـسجا). وتتبدى في مجمل قصائد هذا الديوان، تركيز الكواملة على الموسيقى الداخلية في شعره، باعتبارها النغم الذي يجمع بين الألفاظ والصور، وبين وقع الكلام وحالته النفسية، وباعتبارها المزاوجة التامة بين المعنى والشكل، وبينه شخصياً وبين قرائه، يقول:(لست هنا/ ولا هناك/ أتبعني/ وظلي/ لا حراك/ أقتفي/ قافيتي/ ذئب/ يراوغني/ لست صيادا/ وقلبي ضرير/ أيها الشعر/ وعيني لا تراك)، وما أجمل تقنية تعدد الأصوات في هذه القصيدة القصيرة التي حملت عنوان(ظل). كما اهتم الكواملة بالإيقاع الذي تبدى من وقفات متكررة، أو من جميع ما في القصيدة من كلام وحركات، وارتبط بالنبر الذي يقوم على مقدار الضغط الذي يوقعه جهاز النطق على مقطع شعري في نمط من أنماط الترتيب، و(بالميلودية) التي تقوم على التناسب بين النغمات، يقول: (ماذا على الشاعر/ إن أطلق الطائر/ يبوح بالمكنون/ عن شوقه الهادر؟/ ماذا على الشاعر/ إن غازل الحلوة/ ومضى إلى خلوة/ وبنى من الكلمة/ قنديله الرائع؟/ ماذا على الشاعر/ إن سار في الطرقات/ تحفه ملكات/ من فيضه الساحر؟). وفي الختام، فإن العنوان عتبة النص، وعنوان هذا الديوان (مقامات)، لا علاقة له بفن المقامة الذي يعتبر فنٌا من الفنون اللغويّة في الأدب العربيّ، فمقامات الكواملة الشعرية، ترتبط –حسب اعتقادي– بمقولة:»لكل مقام مقال»، كيف لا؟ والشعر عنده هو التعبير الصادق الجميل عن وقع الوجود على الوجدان، فكيف إذا كان وجدانه مشغولا بألف مسألة ومسألة، ولكل منها مقامها الرفيع، وتستحق منه تقليبها شكلا ومضمونا على كل أوجهها الجمالية والموضوعية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 28-05-2022 08:26 مساء
الزوار: 414 التعليقات: 0
|