|
عرار:
نضال برقان بدعوة من جمعية النقاد الأردنيين، قدم الأستاذ الدكتور سلطان المعاني محاضرة بعنوان «موت الكاتب وإحياء النص/ قراءة في النقوش القديمة»، في رحاب المكتبة الوطنية، يوم أمس الأول، وقد أدار مفردات الفعالية الأستاذ الدكتور عمر الفجاوي. وفي مستهل المحاضرة قال د. المعاني: «موت المؤلف» هو مقال نظري نشر في عام 1967 بقلم الناقد الفرنسي رولان بارت. يقدم المقال نظرة جديدة على العلاقة بين النص، المؤلف، والقارئ، وهو يعتبر أحد الأعمال الأساسية في ميادين النقد البنيوي والنقد ما بعد الهيكلي. وأضاف المحاضر: يُعتبر العمل الأدبي في البنيوية نتاج تفاعل ثلاثة عناصر: المؤلف، النص، والمتلقي. وتركز البنيوية على إبعاد المؤلف للتركيز على النص واللغة كعناصر مستقلة للتحليل. واجهت نظرية موت المؤلف العديد من الانتقادات، منها: النظرية تُجرد النظرية النص من مؤلفه وتُسلخه عن ماضيه. إنكار لخصوصية العمل، وتمنح الفرصة لأدلجة النص، وقد تُعرضه للتسطيح، إنكار المؤلف يسلب النصَّ جزءًا من قيمته الإنسانية، ويقيّده بالتحليل اللغوي. وبحسب د. المعاني فإن «الكتابة ليست مجرد عملية تقنية لتوثيق الأفكار، بل هي تجربة ذاتية ووجودية يعيشها الكاتب. عبر الكتابة، يُصبح للكاتب القدرة على تحويل ما يدور في عقله وما يؤمن به في قلبه إلى شكل ملموس يُمكن مشاركته مع الآخرين. والنص هو الوسيلة التي يستخدمها الكاتب لنقل هذه التجربة الشخصية إلى القارئ. بمعنى آخر، يعتبر النص مرآة تعكس لنا تجربة وآراء المؤلف، وتصبح فيه اللغة أداة لنقل الدلالات والمعاني التي يرغب الكاتب في مشاركتها. إن العلاقة بين القارئ والمؤلف ليست واحدية الاتجاه، بل هي تفاعلية وجدلية. يمكن أن نطلق عليها مصطلح «فهم الفهم». فالمؤلف يقوم بعملية فهم تجربته وآرائه قبل تحويلها إلى نص، والقارئ يقوم بعملية فهم مماثلة عند التفاعل مع النص». وحول التفكيكية في دراسة النقوش قال المحاضر التفكيكية هي منهج فلسفي ونقدي يعتمد على تحليل النصوص بطريقة تُظهر التناقضات والتباينات والانزلاقات في اللغة والمعاني. وقد نشأت التفكيكية في القرن العشرين على يد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، الذي انتقد المنهج الوجودي والميتافيزيقي في فهم النصوص، مُؤكداً أن «لا شيء خارج النص». وبذلك، أراد دريدا أن يُبرز أن النصوص لا تعبر عن حقائق مطلقة أو معانٍ ثابتة، بل عن لعبة لغوية متغيرة ومتعددة المستويات. في الأدب، تُستخدم التفكيكية كأداة نقدية تهدف إلى «فك النص» من المعاني المسبقة والمسلّم بها، وإلى إظهار كيف يُخلق المعنى من خلال علاقات متشابكة بين اللغة والثقافة والسلطة. ومن أهم مبادئ التفكيكية في الأدب هو مبدأ «الثنائية المتضادة»، أو ما يُسمى بـ»الثنائية المتحجّرة»، وهو أن كل نص يحتوي على مجموعة من المفاهيم المتضادة التي تُشكّل هيكله، مثل: حضور/غياب، حق/باطل، ذات/آخر، ذكر/أنثى، مركز/هامش، إلخ. وتُظهر التفكيكية كيف أن هذه المفاهيم لا تُعبر عن حقائق طبيعية، بل عن اختلافات ثقافية وأحادية صوت. وبالتالي، تسعى التفكيكية إلى «إزاحة» المفهوم المُسَلَّط على حساب المُسَلَّط عليه، وإلى «إحضار» المغيّب إلى سطح النص. وبين المحاضر أن التفكيكية في النقوش تُقدم طريقة جديدة لفهم هذا النوع من النصوص، وتوفير إطار للتحليل يراعي التعقيدات الزمنية والمكانية للنص. التفكيكية هي مدرسة فلسفية تنتقد الأفكار الثابتة والمطلقة في النصوص، وتبحث عن التناقضات والتباينات والتحولات فيها. وحلص المحاضر إلى أن مفهوم «موت المؤلف» كما اقترحه رولان بارت يُعتبر نقطة انطلاق تتعلق بالانفصال بين النص وصاحبه، ويفتح الباب لتفسيرات متعددة يقوم بها جمهور القراء. ولكن في سياق النقوش الصفوية، يأتي مفهوم «موت الكاتب» ليُضيف طبقة أكثر تعقيدًا تأخذ في الاعتبار رُكْنَي الزمان والمكان، بالإضافة إلى المتغيرات الثقافية والاجتماعية. في كتاب «موت الكاتب وإحياء النص»، يُعاد تقييم العلاقة بين النص والقارئ والكاتب، مع مراعاة التحديات الجديدة التي تُقدمها النقوش الصفوية. هنا، لا يُعد الانفصال بين النص والكاتب نقطة نهائية، بل بداية لإحياء النص وفهمه في سياقه الزمني والثقافي والاجتماعي. بهذا، يُصبح «موت الكاتب» توسيعاً لمفهوم «موت المؤلف»، بحيث يُغني فهمنا للعلاقات المعقدة بين الكتابة والقراءة والسياق. يُقدم مفهوم «موت الكاتب» فرصة لإحياء النصوص الأثرية بطريقة تُعيد لها حيويتها، والتأكيد على أهمية الزمان والمكان في فهم النص، مما يؤدي في النهاية إلى إثراء مفهوم «موت المؤلف» كما اقترحه رولان بارت. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 14-09-2023 11:21 مساء
الزوار: 452 التعليقات: 0
|