الناقد محمد المشايخ أول ما يتذكره قارئ عنوان هذا الكتاب (منديل أم هاشم) رواية (قنديل أم هاشم) للروائي يحيي حقي، غير أن المنديل هنا يختلف عن القنديل، ويوضح ذلك الأديب الساخر محمد غالب المدادحة إذ قال في مقدمة كتابه إن امرأة اسمها أم هاشم، كان لها منديل، تضع فيه أصنافا مختلفة من الأطعمة، وتحيله إلى صرّة، يأخذها المواطن الصالح الذي يعمل لديها، ليأكله بعد الانتهاء من عمله أو لهوه.. وهذا المنديل، يـُشبه كتاب المدادحة، الذي اختار فيه نصوصا من نفيس الكلام وجميله، ومما حظي بإعجابه وتقديره علـّه يحظى بإعجاب القارئ في وسط الفوضى السردية. عندما تقرأ في كتاب الأديب الأردني الساخر محمد غالب المدادحة: «منديل أم هاشم»، فإنك مضطر للإسراع في قراءته كاملا في أقصر وقت ممكن لتتمكن من نيل أقصى درجات الإمتاع والمؤانسة، ولتلبية ما يبثه فيك من تشويق وجاذبية، ولتنال أقصى درجات المعرفة العلمية والأدبية، فهو الذي يتنقل بكل خفة ورشاقة، وثقة وإيجاز، بأسلوبه العذب السلس والجميل، بين أجمل وبين ما اقتطفه من روائع نخبة النخبة من المبدعين المحليين والعرب، وبين ما كتبه في أدبه الساخر (وكله جادّ، ولا يخلو من النقد السياسي والاجتماعي والثقافي، وفي الوقت نفسه يدعو في العمق إلى الإصلاح). المدادحة صاحب ثقافة موسوعية، بدليل قوله إنه كان يتمنى لو يستطيع أو يورد في كتابه كل ما قرأه من روائع يحيى حقي، ولطيفة الزيات، وأنور المعداوي، وحنا مينا، وجاذبية صدقي، وأحمد أمين، وزكي مبارك، وبعد أن يقوم بتعداد عشرات الأسماء يقول: إنه اختار مقتطفات من أفضل، وأهم، وأطرف، وأغرب ما جاء في كتابات بعضهم، وغيرهم، عسى أن ينقل للقارئ ما يفيده ويسعده ويثير اهتمامه ويسليه.. وفي بداية تقديمه للكتاب قال أبو مصطفى: قررت أن أعتمد الفوضى في سرد ما في كتابي هذا عيسى أن تكون خلاّقة...بل إيجابية، تتيح للقارئ أن يتلقى ما جادت به قريحة الكاتب من طروحات وأحداث مثيرة، وأخبار ونصوص أدبية تواردت على خاطره، ونالت إعجابه فنقلها مشاركا بها غيره عليها تنال إعجاب الآخرين أيضا. بعد وفاة عبد الحليم حافظ الملقب بالعندليب الأسمر، ظهر مطرب أطلق على نفسه لقب العندليب الأبيض، غير أنه تحوّل إلى عندليب أزرق بسبب الكدمات وضرب الناس له.. اقتطف الأديب الأردني الساخر محمد غالب المدادحة هذه الفقرة من كتاب «أي كلام» لأحمد رجب، الذي اقتطف له قوله أيضا: إن أم كلثوم عندما رأت توفيق الحكيم صامتا شاردا لم تصدق انه صاحب الفكر اللماح والأسلوب الشائق والحوار الجذاب على الورق، فسألته: (لمّا أنت توفيق الحكيم أمّال مين اللي إبيكتب لك؟) وعلى هذا النمط من الكتابة الجميلة، اقتطف المدادحة من كتابات: د. عبد الرحمن منيف، محمود سامي البارودي، طه حسين، سحر ملص، عبد الرحمن الشرقاوي، خيري شلبي، مصطفى لطفي المنفلوطي، إبراهيم المصري، جبران خليل جبران، رضوى عاشور، فخري قعوار، أنيس منصور، وغيرهم. ولأنني أعرف المكانة التي يحظى بها المدادحة لدى زوجته الكريمة (السيدة ملك العلمي)، وقوّة علاقتهما، فإنني أدركت أنها ربما تكون هي التي (غششته) بعض الانتقادات التي تخص بنات جنسها، ومن ذلك مقولة (إذا التزمت الزوجة الصمت لا تقاطعها)، وثمة نقدات تمس الأوضاع المعيشية للأدباء، ومنها قول المدادحة: (الميزة الوحيدة التي يتصف بها ليصبح كاتبا، أنه مديون.. هنالك شروط أخرى ليست لديه). ومن أجمل ما انتقاه المدادحة، قول خيري شلبي: (الناس لا تحتاج اليوم للأدب والفن! إنهم يحتاجون الرغيف!..أنت يا ما كتبت خمسة وثلاثين عاما لم تكف طولها عن الكتابة وتبديد قوت عيالك في شراء كتب وأوراق وأحبار وأقلام! فماذا أخذت غير الخوازيق؟ لو كنت قد سرحت بعربة فول مدمس أو ترمس لكسبت في اليوم ما تتقاضاه ثمنا لكتاب مققت فيه عينيك وهدرت دمك!). يذكر أن الأديب محمد غالب فلاح المدادحة، من مواليد السلط عام 1943، خريج كلية تراسنطة في عمان، حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السّياسيّة والإدارة من جامعة كراتشي في الباكستان سنة 1970، كما أنهى دورة في الطيران التجاري من ميامي/ فلوريدا في الولايات المتّحدة الأميركية، عمل في قسم الأخبار في الإذاعة الأردنيّة (1966-1968)، ثمّ في التسويق في مجال الطيران التجاري منذُ سنة 1971 حتّى تقاعده سنة 2002، وكان مديراً عامًا لشركة الأجنحة العربية، يحمل عدة جوائز رياضية، وتولى منصب الناطق الإعلامي لاتحاد السباحة الأردني في القرن الماضي،وكان عضوا سابقا في المجلس الاستشاري لنادي الجزيرة الأردني، ويحمل العديد من الشهادات الأكاديمية والتدريبية، ويجيد اللغات العربية والإنجليزية والإسبانية، وهو عضو في رابطة الكتّاب الأردنيّين، وكان مقرر اللجنة الاجتماعية فيها لأكثر من دورة، كما انه عضو في الاتّحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وفي إتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية،والإتحاد العالمي للكـُتـّـاب، صدر له من المؤلفات: الجرابيع 1993، الهجرة إلـى جمهوريات الموز 1997، نعيم العالم الرابع 1998 ، إلى الأمازون عبر الأوزون2004 ، حول الأرض بالعرض، 2010، المسار إلى دنبسار 2018، رجل من الماضي 2018، يوميات كاتب في الأطياف2022، منديل أم هاشم 2024. ويذكر أن والد الأديب محمد غالب: «فلاح محمد المدادحة»، ووالد شقيقته الأديبة سلوى فلاح المدادحة، مولود في الكرك عام 1893، وكان (ولأكثر من مرة) وزيرا للعدلية، والداخلية، والأشغال العامة، والدفاع، ورئيسا للوزراء بالوكالة، وكان أيضا حاكما إداريا عاما لفلسطين، وواليا للقدس.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 31-05-2024 10:07 مساء
الزوار: 244 التعليقات: 0