|
عرار:
إبراهيم خليل قلة نادرة من الناس هي التي تعرف أن ليحيى السنوار رواية كتبها في الأسر قبيل عام 2004 ونشرت وهو في الأسر. والرواية بعنوان «الشوك والقرنفل» ومع أن العنوان يجمع بين الشوك بما يوحي به من ألم وأذى، والقرنفل الذي يوحي بخلاف ذلك، إلا أنه مناسب. فهو يذكرنا بوقائع تتطلب تذراف الدموع، وبأخرى أقل تتطلب البسمة والابتهاج على طريقة الراحل جبران خليل جبران في كتابه «دمعة وابتسامة» مع الفارق الكبير بين المؤلفين. وفي مقدمة من بضع عبارات يؤكد السنوار أن هذه الرواية ليست شخصية وشخصية في آن، فهي بتركيزها على الأوضاع في غزة والقطاع وفي مخيم الشاطئ تحديدا، ثم في الخليل، والقدس، وسائر الأراضي الفلسطينية، ما احتل منها عام 48 أو عام 67 تغدو سيرة غير ذاتية. علاوة على أن ما يذكره السنوار من الشخصي، والذاتي، يكاد يناظر ما يذكره من العام مما يطبع الرواية بطابع غير روائي، فهي سيرة، أو شِهادة، بقناع شبه روائي. وهي لا تقتصر على قصة حياة الكاتب بقلمه، بل هي قصة حياة العائلة، والشعب الذي ينتسبان له؛ العائلة وهو. وفي هذا تكمن روعة هذه الرواية. فبطل الحكاية، وساردها (أحمد) غير منعزل عن الآخرين، بل يتحدث بصوت منفرد، لكنه بصيغة الجمع، على رأي أدونيس في «مفرد يصيغة الجمع». حرب العام67» لا يذكر من طفولته (1) التي تقدمت على أحداث عام 1967 إلا القليل الذي لا يُطفئ ظمأ القارئ. فقد كان وهو صغير يرافق أخاه محمودا وابن عمه إبراهيم إلى معسكر المصريين فيلتقيان بالجنود الذين يأنسون بهم ويقدمون لهم قِطَعًا من حلوى الفستقية. وما هي إلا مدة قصيرة حتى لاحظ هو وأخوه محمود تغييرًا في المشهد اليومي، فقد منعا من الخروج، وطلب منهما ومن أختهما فاطمة ومن حسن أيضا الانكفاء على أنفسهم في الملجأ الذي أعده والدهم في حوش الدار في المخيم (ص4) وكلما حاول أحدهم الخروج زُجر وقيل له: إنها الحرب، ما بتفهموا شو الحرب؟. بُعيد ذلك يتذكر وقوع القطاع تحت الاحتلال، ويتذكر أن المذياع عندما يُفتح يسمع منه صوت المعلق أحمد سعيد. يروي في هذا الموقع من الحكاية شيئا طريفا فقد تقدمت الدبابات باتجاه المخيم، وهي ترفع الأعلام المصرية، فهُرعَ بعضُ الناس لاستقبالها، ظنا منهم أنه المدَدَ جاء من مصر. ليفاجأوا بالنيران تحصدهم حصدا، ثم ترفع الأعلام الإسرائيلية بدلا من الأعلام المصرية. وكان عدد الذين قتلوا في تلك اللحظة يربو على خمسة عشر(2). وقد تبين بُعَيد أيام أن عمّ السارد محمود (أبو إبراهيم) قد استشهد ووالده عُدَّ من المفقودين، ويذكر لاحقا، في الأجزاء الأخيرة من السيرة أن والده كان قد غادر القطاع مع من غادروه إلى مصر التي غادرها إلى الأردن، وأقام في مخيم البقعة، وتزوج لاحقا من فلسطينية أنجبت له ابنين: ماجدا وخالدا (ص 274- 275). ويذكر أن أحد لاجئي مخيم الشاطئ، أبو يوسف، استشهد بعد الحرب بسنة في عمليه فدائية ضدّ المحتلين. ويرصد التحولات في المخيم بعد الاحتلال رصدًا فيه الكثير من التوثيق، والتدقيق. ويتتبع ما جرى من وقائع لبعض شخوص العائلة كزواج فتحية ابنة خاله من عبد الفتاح أحد أبناء صوريف بمحافظة الخليل. وهذا الحدث يرتبط بوقائع أخرى. (ص36، و46) ويركز على أحد النشطاء، وهو أبو شرار، الذي انتشر ذكره بصفته ممن أطاروا النوم من عيون الإسرائيليين. ونشطت في العام 68 خلايا تابعة لفتح، وأخرى للجبهة الشعبية، وبعض من تبقوا من قوات جيش التحرير الفلسطيني، والانتصار الذي تحقق في معركة الكرامة في آذار 68 شحذ الهمم، ورأى فيه المناضلون دليلا على أنّ التغلب على العدوّ ليس مستحيلا (ص38- 39) بل هو أسهلُ مما كانوا يتصورون. ولم تفت السارد أن يذكر ما شاع من أن ضراوة المقاومة دفعت بالاحتلال لفتح الطريق أمام الشبان ليلتحقوا بالعمل في (إسرائيل) ومُنحت لهم التصاريح بسخاء (ص48). ورأى بعض الناشطين في ذلك مؤامرة، وعدّوها وسيلة لصرف الشبان عن النضال. وبعضهم عدها خيانة، وجريمة، في حق الوطن. وبشيء من الاستغراب يروي أمثلة متعددة لنسف العدو منازل بعض الناشطين، ومساعدة وكالة الغوث التي تمثلت ببناء مساكن جديدة (ص54). ولما كان السارد قد بلغ السادسة، وتقرر انضمامه للمتعلمين في مدرسة الوكالة، فقد حصل على بطاقة تسمح له بالحصول على وجبة غداء كغيره من الطلاب على الرغم من أن أمه نهته عن هذا، وأما أخوه محمود فقد نجح في الثانوية، وغادر إلى مصر ملتحقا بكلية الهندسة. كان لعمه الشهيد محمود ابنان: إبراهيم، وحسن، وهذا الأخير شذَّ عن أفراد الأسرة، وغلب عليه الطيش. فهو يتحرش بابنة الجيران تارة. وتارة يقيم في تل أبيب، ويعاشر صديقة يهودية، وطورًا يصبح عميلا للإسرائيليين، مما دعاهم لطرده(ص59، ص95). وفي نهاية الحكاية يختفي. واختفاؤه أوقعهم في مأزق مع المخبرين. ويهتم السارد بواحد من الجيران اسمه عبد الحفيظ الذي تظاهر بالعمل وراء الخط الأخضر، لكنه اتخذ من ذلك طريقة للتمويه فهو من الجبهة الشعبية، فكان يصطحب معه قنبلة يخفيها في رغيف الخبز، ويتركها في مطعم أو مقهى أو ملهى، فتنفجر بعد مغادرته موقعة إصابات، وأحيانا قتلى. واعتقل في إحدى هذه العمليات، وسجن 18 شهرًا. لاحقا تبين أن أخا السارد (محمود) نُظّم في فتح، وهو في القاهرة. وعند رجوعه من مصر اسْتُدعيَ للتحقيق. في هذه الأثناء تداول الغزيون الأحاديث عن أصحاب الطواقي الحُمْر، أو الوحدة 101 التي أنشأها شارون لتعقب الناشطين (ص75). وازداد الاستيطان، والتدخل في الحرم الإبراهيمي، ولم تفلح وساطة الجعبري في كبح هذه التدخُّلات، فاستولى المستوطنون على الحرم الإبراهيمي في الخليل، واقتصر السماح للمسلمين بأداء صلاة الجمعة فيه دون غيرها من الصلوات. حرب أكتوبر 1973: تفاءل السارد، وغيرهُ، بالحرب التي اندلعت بين مصر وسورية من جهة، و(إسرائيل) من جهة ثانية، وفرحوا كثيرا بما تحقق من انتصارات بادئ الأمر، وراودت الكثيرين منهم الأحلام بالعودة. إلا أن التطورات التي تبعت تلك الحرب أحبطت الأمال، وخيبت الأنظار. فاشتد عود المقاومة. وشهدت سجون العدو الكثير من الإضرابات التي امتدت لأسابيع، وحقق المعتقلون بعض المكاسب. (ص88) ولم يلبث أن غزا الفكر السياسي الأراضي المحتلة في القطاع، وفي الضفَّة الغربية، على السواء. فعلى ذمة السارد برزت التياراتُ الآتية: قوات التحرير الشعبية وهي لينينية فتح بطرْحها الوَطني الخالص الجبهة الشعبية ذات التوجّه الماركسي وجد الساردُ نفسه إلى جانب أخيه محمود الفَتْحَوي، وجاره عبد الحفيظ ابن أم العبد من الجبهة الشعبية، وابن عمه وأخيه حسن؛ اللذين يميلان للشيخ أحمد (يُظنُّ أنه الشيخ أحمد ياسين1936- 2004) (ص93) مما يدعو محمود لتحذيرهما من (الإخونجية). ومهما يكن الأمر، فإن حسن، وإبراهيم، في جدالهما مع المهندس محمود، الذي عثر على وظيفة في الوكالة، تمكنا من اجتذاب الراوي (أحمد) فشرع يذهب للصلاة في المسجد، والاستماع لدروس الشيخ أحمد، وتركيزه على ضرورة الإعداد، والتحضير، لتحرير البلاد، والعباد. لكن مواظبته على الصلاة لم تكن دائمة، ولا مستمرة. ومما استنكرهُ تحفُّظ الشيخ أحمد على تصنيف من يُقتل في سبيل الوطن شهيدًاـ فالشهيدُ عنده هو الذي يقاتل، ويُقْتل، في سبيل الله فحسب. وقد تجاوبت هذه الأفكار مع أفكار جديدة تطرح لدى طلبة كلية الشريعة في الخليل، فهم يولون الحافز الديني الأولوية على الوطني، مثلما يؤكد عبد الرحمن، زوج فتحية ابنة خال السارد (ص104). وبِفتح جامعة الأزهر الإسلامية بغزة، ازدادت هذه الفكرة شيوعًا. ويذكر السارد جمعية الشبان المسلمين، وجمعية المجتمع الإسلامي، وهاتان الجمعيتان شرعتا في ترويج هذا الفكر(ص113). ويشير السنوار لشخصيتين هما: عبد الرحمن، وصديقه جمال، وهما طالبان جامعيان في كلية الشريعة في الأردنية، حسما أمرهما وانضما لجماعة الإخوان. وأما شقيق الراوي (محمد) فقد التحق بجامعة بير زيت. في تلك الفترة ازداد الاستيطان، وقامَ متطرفون يهود بحملة اغتيالات استهدفت بعض الوطنيين. كان إبراهيم، ابن عم أحمد، من أوائل من التحقوا بالجامعة الإسلامية في غزة، وللتغلّب على نفقات الدراسة اضطر للعمل في وُرَش البناء. وفي ص 130 يذكر لنا السارد أنه شارك إبراهيم في رحلة ترفيهية مع عدد من الناشطين للأماكن السياحية في فلسطين. وفيها تعرَّف على الكثير من المواقع الأثرية، والتاريخية. وفي مقدمتها الأقصى، والحرم الإبراهيمي، واللطرون(ص130- 134). وفي الأشهر الأولى من التحاقه بالجامعة جرت اشتباكات بين التيار الإسلامي وفتح التي اتهمت الإسلاميين بتمزيق صورة عرفات. وفي موازاة ذلك شاع التوتر في لبنان، وقام الإسرائيليون بغزْوه، واضطرت المقاومة لمغادرة لبنان. وصُدم الكثيرون بالأخبار الواردة من مخيمي صبرا وشاتيلا. وها هنا يذكر الكثير من العمليات التي قام بها فدائيون في المستوطنات، وفي الداخل الفلسطيني أسفرت عن مصرع الكثير من الإسرائيليين، جنودًا ومدنيين. وتبلورت قيادة الأسرة بُعيْد اعتصام نحو 60 طالبا من طلاب الجامعة في الأقصى، مسلحين بمواسير حديدية مما يستخدم في البناء لصدّ المتطرفين اليهود ممن كانوا يعتزمون انتهاك حرمة أولى القبلتين. فمحمود (المهندس) أخو الراوي يمثل تيار فتح، و محمد وحسن يمثلان التيار الإسلامي، بينما يمثل عبد الحفيظ- ابن أم العبد - الجبهة الشعبية بتوجُّهها الماركسي. (ص149) أما ابن عم السارد(حسن) الذي ورد ذكره قبلا، فيمثل العملاء، والجواسيس، مثلما يمثل « الزعران « (ص143- 156). في الفصل السابع عشر يومئ الكاتبُ لما يُعَدُّ خروجًا عن السياق بذكره ما وقع فيه السارد(أحمد) من إعجاب بفتاة من طالبات الشريعة، واسمها انتصار(ص168). و كان قد أشار إلى شيء من هذا لأخيه محمد قبلا، وهذه الإشارات وردت في فيض من التسجيل شبه الدقيق لما جرى من صِدامات، ولما شنه الاحتلال من حملات اعتقال. فقد احتجز إبراهيم- ابن عمه - مع 100 طالب وعوقبوا بالضرب المبرح. ومرت غزة وما جاورها في حقبة من الانفلات الأمني، فكان الإسرائيليون يهيمنون عليها نهارًا، ولا يجرؤون على دخولها ليلًا. و غدا بيت الأسرة في مخيم الشاطئ كغيره من البيوت عرضة للاقتحام مرارا وفي أوقات متقاربة لا متباعدة. وزُج بإبراهيم في زنزانة كغيره. ويكتشف بعيد خروجه أن أحد أصدقائه(فايز) عميلٌ للاحتلال، فراقبه أحمد يومًا، ورآه يحضر مع المخبر (أبو وديع) ويغادر معه في السيارة. ولا يفتأ الراوي يذكر العمليات الفدائية واحدةً تلوَ الأخرى، في سردٍ شبه صحفي، توثيقي. وبلغ بنا ذِكْرَ الحادثة التي أدَّت إلى إشعال الانتفاضة في 8 ديسمبر -كانون الأول- من العام 1987 وفي يوم 11 من الشهر نفسه صدر أول بيان باسم «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) وفي هذه الانتفاضة توخّى النشطاءُ الجواسيسَ، وترصَّدوهم، وجرت معاقبة، أو تصفية، عدد منهم. ويُذكــَـرُ أن ممن جرت تصفيتهم أحد المشرفين الإداريين في مستشفى الشفاء(ص214). ويلمّ إلماما غير سريع بـ (معتقل الخيام) في النقب. ويكرر الحديث عن اعتقال إبراهيم وحسن ومحمود. ويتوالى سرد العمليات كالسابق. إلا أن الكاتب يشير لطرائق جديدة في مقاومة الاحتلال كالدهس والطعن بالسكاكين وتفجير عبوات محلية الصنع، ولا يكفّ عن تكرار هذه العمليات واحدة بعد الأخرى. وقد جُنَّ جنون رابين – رئيس الحكومة - فنشر الجنود والمخبرين في البلاد طولا وعرضا. وتقرر إبعاد نحو 415 كلهم من حماس إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني، منهم أخو السارد حسن (ص245). غزة – أريحا: لم ترحّب الأكثرية باتفاق أوسلو الذي وقع في سبتمبر أيلول من العام 1993 بعد مفاوضاتٍ شهدت الكثير من المقالب. ففيما يؤيد محمود هذا الاتفاق على قاعدة خذ وطالب، عارضه كل من إبراهيم ومحمد وحسن، وإلى حد ما السارد أحمد. وفي الأثناء انطلقت من الجامعة مظاهرتان؛ إحداهما ترفع أغصان الزيتون، في إشارة لتأييد الاتفاق، والثانية تهتف: «غزة أريحا فضيحة، طلعت منها الريحة». (ص271) وبموجب هذا الاتفاق عاد بعض المنخرطين في المنظمات منهم ماجد، وخالد، شقيقا السارد من أبيه الذي توفي في الأردن. وترتبت على قدومهما صدمة عانت منها أم السارد التي شُبّه ما اعتراها بنوبات من الهستيريا(ص275). وزاد الطين بلِة استشهاد أحد أبطال المقاومة (عماد) وعلى الرغم من ذلك لم تهدأ المناكفات بسبب أوسلو. ولم تخفِّفها العمليات الكبيرة، ومنها عملية ديزنكوف(1996) في تل أبيب، ولا تلك العملية التي قتل فدائيون فيها عضو الكنيست مئير كهانا، ولا تفجير حافلة كبرى بحزام ناسف في رامات غان يوم 21 تموز من العام 1995 ولا تلك العملية الأكبر في رامات أشكول (ص299- 300). وفقد الفلسطينيون كافة - من يؤيد منهم اتفاق أوسلو، ومن لا يؤيده - ثقتهم بهذا الاتفاق، بعد الفشل الذريع الذي منيت به مفاوضات واي ريفَرْ(تشرين الثاني 1998) ورأى الجميع أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. ونشط الناشطون وذاع صيت المقاوم مهند أبو حلاوة الذي قتل حارسين لبنك إسرائيل الوطني في القدس. ولا بد أن الإسرائيليين توصّلوا بعد لأيٍ لحقيقة أن أبناء فلسطين عامة، وغزة على وجه الخصوص، أشاوس، ويصعب إذلالهم. ويختتم المؤلف روايته باستشهاد ابن عمه إبراهيم، وشقيقه حسن، فيمن استشهدوا، عند الانتهاء من وقائع هذه السيرة – الرواية. بين السرد التاريخي والروائي: من هذا العرض لأبرز وقائع مخيم الشاطيء بغزة، وعلى هامشه وقائع ما جرى في الخليل، والقدس، وبعض نواحي الضفة الغربية، ومرج الزهور في لبنان، في الحقبة الممتدة من العام 1967 حتى العام 2000 تبرز الحقيقة القائلة بأن الرواية قد تكون في بعض الأحايين تاريخًا غير زائف، لا سيما إذا حافظ الكاتب، ومن ورائه الرواي، على نزعة التوثيق، والتدقيق، فيما يرويه، مع اللجوء، من حين لآخر، لدعم محكياته السردية ببعض القرائن التي تؤكد صدق (المحكي السردي) وخلوه من التخييل الافتراضي. ومثلما اتَّضح - في هذه العُجالة - لا فكرة لدى المؤلف عن» كيف تكتب الرواية» وإنما الفكرة التي تراءت له أن الرواية وقائع، وأحداث، تروى بالتسلسل على النحو الذي عاشه الناس لا على النحو الذي يتطلبه قانون الفن الأدبي. فلم يخطر ببال الكاتب- مثلا - أنه يكتب رواية تحتاج لمزيد من التصرف بالأحداث. فاختصار ما لا يتطلبه الإسهاب في روايته، أو حذف ما لا داعي لذكره، أو إسقاط ما يُضفي الرتابة، والتكرار، على بعض المرويات، أو تقديم ما حقه التأخير على مستوى الزمن السردي، أو العكس؛ بتأخير ما من حقه التقديم. أو العناية بتوضيح ملامح الشخوص من جوانبها المتعددة، وتجنب العشوائية في ظهور الشخصيات من حين لآخر، هذا كله لم يتذكر المؤلف ضرورته لتكتسب مروياته في (الشوك والقرنفل) مِسْحة شعرية. واللافت للنظر افتقارُ «الشوك والقرنفل» للحبكة التي تعنى تضمين الخطاب الروائي عقدةً تستحوذ على انتباه القارئ الذي ينشأ لديه بسببها إحساسٌ بالتشويق، ورغبة في معرفة نهاية الأحداث المتشابكة، أي: ما يسمى عادة بالترقّب، وهو شعور يُفرّقُ بين تلقي الروايةِ الرواية، وتلقي أي ضربٍ آخر من ضروب السرد غير الروائي. ومهما يكن من أمر، فإنَّ السِنْوار، وهو قيادي، ومُقاوم، وأسير، أمضى في الاعتقال سنين قبل تحريره في صفقة تبادل أسرى، لا يحتلُّ الأدب الروائي إلا حيزًا محدودًا من اهتماماته. لذا لا غُبار على هذه الشهادة التي كتبت فيما يشبه الرواية نَسْجًا، والسيرة غرضا وموضوعا ونهجًا، ومزيَّتُها التي تسلب العقل هي ما فيها من محكيات مُفصلَّة عن عمليات فدائية محكمة انتهت في معظم الأحوال بالتغلب على الجنود الاحتلاليين، أو باستشهاد بعض المناضلين. وهي إفادات يصعُب أن نجد ما يحيط بها في غير هذا الكتاب، مع أنّ أيَّ عملية من تلك العمليات تصلح أن تكون وحدها موضوعًا لروايةٍ يكتُبها متخصِّصٌ بهذا الفن. وكل مناضل ممن ذكروا في هاتيك العمليات يستحق أن يكون نموذجا تنسج حوله، وعنه، روايةٌ مكتملةٌ يكتبُها حاذقٌ في صنعة الرواية، متمكنٌ من صياغةِ خطابِ الحكاية. __________ 1.ذكر في الرواية أنه من مواليد العام 1962 في مخيم الشاطئ، وأن أسرته من الفالوجة، وكانت قد لجأت لقطاع غزة 1948. 2. تذكرني هذه الحكاية بموقف مشابه فقد احتلت قريتنا(عانين) عام 1967 بالطريقة ذاتها. فالآليات الإسرائيلية كانت ترفع أعلاما عراقية، وعندما شاهدتها النساء استقبلنها بالزغاريد، فوقع ما وقع، وتبين أن الآليات إسرائيلية، وأن الجند إسرائيليون جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 07-12-2023 10:30 مساء
الزوار: 797 التعليقات: 0
|