فلسطين في ديوان «نهر لشجر العاشق» للشاعر علي البتيري
عرار:
الناقد محمد رمضان الجبور
الحديث عن الوطن وعن فلسطين هو العنوان الأبرز، والأقوى، والأهم في ديوان الشاعر علي البتيري «نهر لشجر عاشق» الصادر عن (الخليج للطباعة والنشر، عمان: 2021)، والذي قد ضم بين دفتيه أربعاً وستين قصيدة، تتراوح بين الطول والقصر، وقد انشغل الشاعر في جلّ قصائد هذا الديوان بالوطن وبحبه لفلسطين، فعنون مجموعة من قصائده بمفردة فلسطين أحياناً وبما يرمز إليها أحياناً أخرى: ليالي فلسطين، مدن ترفع رأسها، إليها وراء النهر، دمعة على خد فلسطين، فلسطين حياتي، إنها فلسطين، قيس فلسطين،...والكثير من القصائد، فكيف صوّر لنا الشاعر وطنه فلسطين، وكيف صوّر آلام التغرب والاغتراب وهو بعيداً عن وطنه، فالذي يفصله عن وطنه هو جسر حال بينه وبين وطنه، ففي القصيدة التي عنونها الشاعر «إليها وراء النهر» يصوّر الشاعر فلسطين وبلدته بصور عديدة، فهو يضفي عليها سمات الإنسان فهي تلوّح له بيدها لبعده عنها، ثم يصف الجسر الذي يفصله عنها، ويتمنى أن يحظى بمرآها، ويصوّر رحيق بسمتها بالشهد الذي فيه الشفاء، ثم يختم قصيدته بوصف بلدته بالربيع الدائم الذي لا ينقضي أبداً: «يا من على الجسر قد لوّحت لي بيدٍ وأنت تعلمُ أني ألفُ أهواها اصبر عليّ وخذ من مهجتي وفمي قصيدةً يُذهل العشاق معناها يا عابر الجسر خُذ كل الحنين لها حتى ترى فيه كم أشتاقُ لقياها» (الديوان ص 29) قضية فلسطين هي قضية الأمة جميعاً، ولا يُعرف قضية شُغل بها الشعر ُ والأدب كالقضية الفلسطينية، وشاعرنا علي البتيري من هؤلاء الشعراء والأدباء الذين شغلتهم القضية الفلسطينية، وأحبوا وطنهم، وذاقوا ألم الغربة والفراق، فظلّت فلسطين هي الهم الأكبر في ذهن الشاعر، فصوّرها بصورٍ عديدة ومتنوعة، فهي الأنثى التي عشقها الشاعر وشببّ بها، فقد رمز لها بـ( ليلى) وعنون قصيدته « بقيس فلسطين « فالأنثى عند الشاعر هي الوطن والملاذ، والوطن يصبح معشوقة فتبرز اللغة الرومانسية في مخاطبة الوطن، لغة ناعمة رقيقة وموحية يخاطب بها وطنه، وتتكرر هذه التيمة في قصائد كثيرة في ديوان الشاعر» نهر لشجر العاشق: يا قدسُ يا ليلاي قيسُك هائمُ/في البيد والأشعار تُلهبُ لي فمي/ واللائمون على مشارف لوعتي/ لم يفهموا عشق الفؤاد المغرم/ يا قدسُ دونك لا حياة لعاشقٍ/ فعليه طعم العيش ألف محرمِ (الديوان ص 179) وتظل فلسطين الوتر الذي يعزف عليه الشاعر، فمن دون ذكرها لا تطيب الحياة، فهي الأم ونحن أبناؤها، وهي التاريخ، وهي اليوم والأمس والذكريات، صور عديدة يرسمها الشاعر لفلسطين التي أحبها وتغنى بها، ففي قصيدة بعنوان « إنها فلسطين « يوظف الشاعر مجموعة من الصور في حبه لفلسطين: فلسطين معنى الوجود لنا/ فمن دونها لا تطيب الحياةُ/ فلسطين أمٌّ لنا مذ ولدنا/ وأبناؤها نحن..نحن الحياة/ فلسطين تاريخنا مذ وعينا/ هي اليوم ولأمس والذكريات/ هي القلب والروح والعقل فينا/ هي الحلم والصحو والأمنيات» الديوان ص 177 فالنص السابق وغيرها من النصوص تعكس مدى تعلق الشاعر وحبه لفلسطين والوطن، فالوطن ورغم كل شيء يبقى هو القضية الأهم، هو المرفأ والملاذ الذي تتوق النفس كي يكون حضناً لها، فالشاعر لا ينفك يذكر فلسطين في كل قصيدة وفي كل سطر من ديوانه (نهر لشجر العاشق). الشاعر يحاول استنهاض الهمم، الهمم العربية بغض النظر عن الدين والمعتقد، ففلسطين لكل العرب، مسلمين ومسيحين، لا فرق، ففي قصيدة بعنوان « مريم المقدسية « يحاول الشاعر شحذ الهمم واستنهاضها موظفاً التناص في قصة فتح عمورية والمرأة التي استنجدت بالمعتصم فيقول : وعلى بابٍ من أبواب الأقصى صاحت مريم: لم لا يُنهي صوت امرأةٍ من بيت المقدس/ رقدة هذه الأمة/ حين تناشدها من قلب وصل الحزن به للقمة/ «وعرباه! وإسلاماه !/ يا كل جهات الكرة الأرضية/ هل من جهةٍ تُصغي لمناداة امرأةٍ عربية/ من قلب القدس المحتلة من سجن المسكوبية» (الديوان ص 96) وإذا كان الحديث عن فلسطين، فلا بد لنا أن نتذكر الشهداء الذين سقطوا وما زالوا يقدمون أرواحهم من أجل الوطن ومن أجل التحرير، فلا يمضي يومٌ دون أن ترتوي أرض فلسطين بدم الشهداء، ولم ينس شاعرنا علي البتيري هؤلاء الذين مضوا فداءً لفلسطين، فعنون قصيدة بـ « دعاء الشهداء « وفيها يناجي دم الشهداء رب السماء، فهو الدم الذي يعيد لنا ربيع الفداء، فرحم الله شهداء فلسطين الذين قضوا في الدفاع عن وطنهم وأرضهم: على العتبات دمُ الشهداء/ يناجي من القدس ربّ السماء/إلى الله يرفع شكوى الجراح/ وهمس الصلاة وصوت النداء/ دم الشهداء بكل الورود/ يعيد لنا ربيع الفداء/يضمُ الديار يرشُّ العبير/ يقيم الصلاة يطيل الدعاء/ من القدس رباه يدعو الشهيد/ بكل الخشوع وكل الوفاء» (الديوان ص90) ولم ينس الشاعر أن يذكر أثر الشعر والكلمة وتأثيرها على النفس البشرية، فيصف الشعر بأنه «سلاحنا الجميل»، وهو نبع الضياء الرقيق، فلا شك أن للكلمة أثرها البالغ في حياة الشعوب والأمم. ويقول شاعرنا علي البتيري: هو الشعر يمسي/ على شرفات الرداءة/ ذاك السلاح الجميل/ هو الشعر نبع الضياء الرقيق/إذا سكتنا قليلاً تدفّق فينا/ ودفقته المستفيضة نار ونور/ يغامر في قرع أجراسه ويثور، عند باب السكون العميق/ هو الشعر ينبش فينا/ رفاتاً من البوح» (الديوان ص 67) وهكذا نرى أن شاعرنا علي البتيري استطاع أن يُعبر عن حبه لفلسطين ووطنه عبر لغة فنية جميلة موحية، موظفاً صوراً تعبيرية جميلة وجديدة، بالإضافة إلى توظيف الرمزية المكثفة في الكثير من النصوص، ويبقى هناك الكثير من العناوين التي يمكن أن نناقشها في ديوان شاعرنا، ويلج الناقد من خلالها.