|
عرار:
أحمد الكواملة أتناول في هذه الإلمامة المقتضبة قصيدة «مواويل على دروب الغربة» وقد أصاب الشاعر محمد لافي في وسم المجموعة باسم هذه القصيدة، حيث نلمس بقليل من الالتفات، أن قصيدة مواويل على دروب الغربة تقدم إيجازا دالا عن سائر قصائد المجموعة، لما فيها من رصد لمعاناة الشاعر في غربته وتشرده، وكأنه لسان حال الشعب الفلسطيني الذي عانى في تغريبته ما عانى. يخاطب الوطن كأنه الحبيبة، ويخاطب الحبيبة كأنها اختزال للوطن، وبصياغات تذكرنا بالشاعر «السياب» وهو يراها بعيدة كما الشاطئ البعيد بهما يحتمل وجعل التشرد، وهو على أمل مبهج قد يأتي بما تحمل القصيدة والأغنية من بشائر فرح قادم، من القصيدة يقول الشاعر محمد لافي: «عيناك والشط البعيد قصيدتان مع الغروب أغنيتان على الدروب وأنا الغريب أذيب في لحنيهما حزني المعتق في الفؤاد أنا الغريب ... هذا المضيع في الدروب متى يؤوب؟ ... وأنا الغريق أظل احلم بالنجاة» حلم طال انتظاره، ومأساة التشرد ألقت بكلكله عليه، وهو يصيح كيف السبيل إلى النجاة، ومن ذات القصيدة يقول: «أين الدرب؟ أين هي النجاة؟ ... وتجيبني في غربتي السوداء اصدأ الرياح قد ضاع... ضاع». كل المدائن مغلق دونه، كلها تنظره بقلق وريبة، حيث لا ظل ولا باب يفتح، ولا وجه يعرف: «من أين جئت؟.. وأين تمضي ما هوية وجهك المكدود من طول السفر؟ كل المدائن مغلقات عبثا تجوب الأرض يا وجه الخطر» ورغم الصد وإدارة الظهر، والأصوات التي تحاول تثبيط عزمه وقتل روح الإصرار فيه، إلا أن شاعرنا يمضي على أمل أن يأتي شيء يعيد له الحياة: «عبثا تفتشين في صحاري العمر عن ظل ظليل فأجيب: لا أنا سوف امضي رغم آهاتي ورغم الجرح والسفر الطويل فلربما عين الشتاء في ليله تسهو وتأتيني يد عند المساء تمتد للقنديل تصلحه فلعلني أصحو وقنديل مضاء» ورغم الأسى والغربة السوداء والألم المبرح ووحدته على الطريق، إلا أن خيال الحبيب» المرأة الوطن « ووهج القصيدة التي يتخذها وطنا ثانيا تنفث في روحه حلم العودة إلى أيام الحصاد، وحداء الرعاة: «فانا الوحيد على الطريق... أنا الوحيد زادي خيالك والقصيد وأظل احلم بالإياب وصدى غنائك والمواويل الحزينة ... أبدا تذكرني بأنغام الرعاة بخواطري الجذلى... بزورق حلمي الفضي» تعود به الذاكرة إلى ما خلف التلال، حيث صدى الأرغول والحداء الناعس الجميل، وإيقاع القصائد التي يذيب بها أساه، يذكرها بلغة محكية تراثية جميلة «الميجنا» بأيامها التي تعن على البال: (جمال محمله وجراس بترن الأيام اللي مضت ع البال بتعن حملت بضاعتي عليهن لابيعهن غريب وما حدا مني اشترى) رغم تجهم القريب والبعيد، ورغم قساوة البلاد والعباد، إلا انه وحبيبته الوطن على ثقة بالعودة واجتياز الحدود، رغم العواصف والرعود: «وهناك أنت على رمال الشاطئ المصلوب دوما تحلمين ... هذا الحبيب ألن يخف إلى لقاء وتسالين النجم أخباري وأسراب الغيوم وتجيب ها هو قادم... حتما سيجتاز الحدود حتما سيجتاز الحدود». هكذا يقدم شاعرنا نفسه بإيقاع هادئ حينا، وهادر حين آخر، بأسى ويأس حينا، وبأمل مشرع حين آخر، بلغة شفافة، ودلالات مؤثرة قريبة وبإحساس مرهف عال، حيث يتفاعل القارئ مع قصائده بحضور بالغ. لا تخلو قصيدة مواويل على دروب الغربة، من صور شعرية جميلة قريبة، من ذلك: «الليل يوغل في مداه يلقي الظلام على الظلام ... وخيالي المذعور عاما بعد عام ... فلربما عين الشتاء في ليلة تسهو وتأتيني يد عند المساء». ولعل في ملاحظة الكاتب مفيد نحلة تلخيص مرهف لما أردت إظهاره حين قال: «وتتزاحم الصور الشعرية لديه، وقبل أن يتعقد المعنى، يستطيع أن يفلت من خلال التعبير، إلى حيث ترتاح النفس وراء المادية المحسوسة». الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 27-03-2024 11:28 مساء
الزوار: 270 التعليقات: 0
|