«الحورانيّة» رواية جديدة لمجدي دعيبس تتأمل مرحلة مهمة من عمر الدولة والمجتمع الأردني
عرار:
نضال برقان
يستكمل الروائي الأردني مجدي دعيبس في روايته الأخيرة (الحورانيّة) مشروعه الروائي الذي ابتدأ بالوزر المالح (2018) ثم حكايات الدرج (2019) وقلعة الدروز (2022) وصولًا إلى هذا العمل الذي يلقي فيه الضوء على مرحلة مهمة من عمر الدولة والمجتمع الأردني خلال الفترة من أواخر الستينيّات إلى منتصف الثمانينيّات من القرن العشرين، ويتّخذ من قرية متخيّلة في إربد الحورانيّة مسرحًا لأحداث الحكاية. تتبع الرواية من خلال حياة مجموعة من الأشخاص الباحثين عن الذهب ما يمور في المجتمع من تغيّرات وتجاذبات في الفترة المرصودة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أحداث سياسيّة داخليّة (ملاحقة الشيوعيين) وأخرى خارجيّة ألقت بظلالها على المنطقة وحركت مشاعر الناس في اتجاه ما سواء لما حدث في حماة أو حرب الخليج الأولى أو غزو جنوب لبنان. أمّا على المستوى الاقتصادي فبعد البحبوحة وطفرة الخليج في السبعينيّات يأتي العقد اللاحق بتجذّر ثقافة الفساد واعتماد سياسات حكومية غير ملائمة لتبدأ الأزمة الاقتصادية بالتّشكل وتعسّر حال المواطن لاحقًا. وعلى الصعيد الاجتماعي تشير الرواية إلى تنامي الشعور الديني وظهور بذور التّشدّد في المجتمع بعد عودة بعض الأفغان أو الأردنيين الذي شاركوا في الحرب الأفغانية، ولا تغفل الرواية أيضًا موضوعة الأولياء الصالحين التي تعبّر عن حالة إيمانيّة خاصة. تتمحور الحكاية حول جريمة قتل تحدث في ظروف غامضة في القرية وتمثّل صدمة كبيرة للأهالي، وخلال التحقيق تنكشف أحداثًا كثيرة طواها النسيان تؤكد في مجملها أنّ الإنسان بكل تناقضاته منطلق أي عمل أدبي. من الجاني؟ وما دافع الجريمة؟ يصل التحقيق إلى طريق مسدود ثم تنكشف ظروف الجريمة وملابساتها. في خضم هذه الأحداث تتفجّر قصة حب صامتة في لحظة صاخبة وحرجة لتظهر في العلن ويعلم بها القاصي والداني، وتلخّص الأهزوجة التي ظهرت في الصفحة الأخيرة من الرواية حقيقة ما حدث بين سليمة الحورانية ويمين لتتوزّع دلالة العنوان بين المكان والإنسان فيتماهيان في كينونة واحدة جديدة. وقد اختار الروائي للغلاف الخلفي الفقرة التالية: (عندما كبرتُ أصبحتُ أشعر بالحرج خاصّة من نظرات النّساء اللواتي يتفحّصن هيئتي بعد أن يتركن ما كنّ مشغولات به قبل ظهوري ويتابعن مشيتي. قد تنادي عليّ إحداهن. أتقدّم منها بتردّد وخجل. تقبّلني بشدّة على وجنتيّ. تنكشف أسنانها المنخورة عندما تبتسم تلك الابتسامة التي تفضح طيبة قلبها. تسألني عن أمّي، بالطبع بعد أن تسأل عمّا أحمل إذا كنتُ أحمل شيئًا ولمن سأبعثه. قد يصدف وجود بعض البنات اللواتي من عمري أو يصغرنني بقليل. يبتسمن برقّة وعذوبة رغم شعورهن غير المرّتبة وهيئتهن المهملة. ينظرن إليّ بفرح وقد يشعرن ببعض الإثارة. أرى ذلك في عيونهنّ. قد تتجرأ إحداهن وتسأل: «سليمة! متى تتزوجين؟». تضحك الأم بعفويّة، ثمّ تودّعني كما استقبلتني بقبلات كثيرة ممزوجة بلعاب وفرح. البنات يرفعن أيديهنّ الرقيقات وأنا أبتعد عنهنّ بهمّة ونشاط. وعدتُ نفسي أكثر من مرّة؛ عندما أكبر وأصبح بعمر أمي لن أكون فضوليّة، كما هنّ نساء القرية من دون استثناء. لن أتدخّل فيما لا يعنيني، لن أترك لعابي على وجنات البنات الصغيرات، لن أفعل أشياء كثيرة تضايقني الآن). (الحورانية) من إصدارات المؤسسة العربية للدراسات والنشر وتقع في 216 صفحة من القطع المتوسط. الغلاف من تصميم يوسف الصرايرة ولوحة الغلاف للفنانة رنا حتاملة