متأثراً بالمدرسة المصرية في الأدب؛ قارئاً لإبراهيم ناجي قصائد تفاعل معها الجمهور.
جواد العناني، الذي قدّم ورقةً عن شعر جاسر العموري مساء أول من أمس في دائرة المكتبة الوطنية بحضور مديرها العام الباحث محمد يونس العبادي، سأل الجمهور عن الحالة التي يكون فيها الشعر والشاعر واحداً؛ بل يكونان وجهين لعملة واحدة، بل من جبلّةٍ واحدة وطين مصهور؟!.. وتمثّل بقول الأطباء إن علاج المريض غير علاج المرض، وبرأي المهندسين في أنّ هنالك من ينشيء مبنىً، أو من يقيم مؤئلاً أوحمىً؛ في حين أنّ الشاعر الحساس المرهف لا ينتج شعراً إلا من روحه؛ يحمل مشاعره، وينبض بتجاريه، وينبع منه.
قال العناني إنّ العموري في ديوانه (عبرات مع الحب) هو من الشعراء الذين تجاوزوا مراحل التخلي والتحلّي، وسما إلى مرحلة التجلّي، فلم يعد مفصولاً عن شعره، بل شعره شذرات من روحه، وقطرات من دمه، ونبضات من قلبه، وخلاصةٌ من حياته.
وتابع العناني، في الأمسية التي لقيت حضوراً طيباً وأدارها الزميل إبراهيم السواعير، أنّ العموري الذي ولد يوم الخامس والعشرين من تشرين الأول عام خمسةٍ وثلاثين وتسعمئةٍ وألف، واستشهد والده إبراهيم وهو في الثالثة من عمره، وشعر بمعنى اليتم،..قرأ وجه جدته الحنون التي زرعت فيه ينبوعاً لا ينساه، وقد كان عاش (الثورة) في الثلاثينات، وبرع طالباً في (الفاضلية) ثمّ مدرساً، ماهراً في الرياضيات، ليدرس في (دار المعلمين)؛ فيتزوج من ابنة شهيد في ثورة فلسطين، فيغترب في العراق، ويدرس في البصرة الهندسة، فيعمل في الكويت، ويظلّ معايشاً الكفاح الفلسطيني، مؤمناً بما يعتقده هو غير متنازل عن الهوية النضالية في استرداد الأرض.
هذا الاستهلال كان منطلقاً مهماً عند العناني ليقف على الشاعر بوصفه جوهر هذه الحياة والظروف حلوها ومرّها، في تفاؤلٍ لازمه حتى مع فقدان الوالد والوطن، تجلى في ديوانه (الوفائيات)؛ حيث الوفاء عنوانٌ لمعظم الديوان، خصوصاً في قصيدته (شمس لا تغيب)، التي عارض بها قصيدة الدارمي الشهيرة.
انتقل العناني إلى ديوان (صرخة وطن) في قصيدة (عودة الروح) التي قال فيها: (ويا أبتاه أسرع واخترق كفني// وعد بي فوق ظهر الخيل// أكمل دورة الزمن// وعد لي فارساً من نور// يمسح دمعة الحزنِ// ويحمل سيف ذي يزنِ// وسيف الله// سيف علي// عد بذراعك البحريّ// أطلق في دمي سُفني// فأنت معلمي أبيات هذا الشعر قبل بزوغ أوزاني// وأنت النور في حدقات ميداني// تعلمني ركوب المرّ// كي أجتاز أوثاني// وأمسح دمعة التاريخ والوحدة// لأكتب قصّة العودة).
قرأ العناني مناجاة العموري لأمه في قصيدة (الفداء) في ديوان (أجنحة الريح)؛ معارضاً أبا تمام: (أمّاه صبراً على الآلام والكُرَبِ// فليس من جللٍ ما جلّ من طلبِ//أماه هذا طريقي لا أبارحهُ// حتى أعود إلى أرضي وأرض أبي). كما وقف العناني على ديوان العموري (حب من نار) في قصيدته (إعصار) التي رأى بعينيها وطنه:(عيناكِ أرى بهما وطني// فأهبّ وأهزأ بالمحنِ). وجد العناني أنّ كلّ هذه الأفكار والتهويمات في دواوين الشاعر وكتابته سيرته عكستها قصائد (عبرات مع الحب)؛ فهو ابن شهيد، وابن قضية، وهو متسلسل الفكرة بسبب تخصصه في الرياضيات، وهو يهندس قصائده متأثراً بالهندسة التي درسها، فنتوافر على قصائد تعطي صورة جميلة الشكل والمضمون.
كما وجد أنّ الشاعر العموري تكاملت في داخلة الهويات في الرياضيات والأدب والوفاء لفلسطين والحب للأردن والعروبة، وهو الإنسان الشاعر الوفي لما عاشه من أحداث.
العموري قرأ قصائد كثيرة كاملة، وغير مكتملة، لعلّ من أهمها معارضته لمحمود درويش في قصيدة الراحل(سجّل أنا عربي)؛ فقال: (أنا عربي// ولي إسمي ولي لقبي// ومن بيتٍ سخيّ الدّمّ// معطاءٍ لا طلب// وأؤمن أنني- يوماً- إلى الرحمن منقلبي// فذا بلدي// ومن شهدائها// فرسانها// والخالدين// أبي// وجئت من المروج الخضر// حيث تروج في أنفاسها أنفاس جدّي الماجد النسب// ومن بحرٍ ومن سهلٍ ومن جبلٍ// ومن غورٍ ومن نقبِ// أتيت أنا// وأول بصمةٍ في الأرض من فأسي// وقبل تململ التاريخ// قبل تنزل الكتب...).
وفي القصيدة افتخر العموري، ولم يسقط قيمه اليت يؤمن بها، وظلّ وفياً لأمته وللعرب الذي لم ير منهم أحداً، ومع ذلك ظلّت أوراقه حاضرةً، مثلما ظلّت روح الأرض ساكنةً فيه، وهو يتساءل عن الدّم العربي أين هو اليوم.